المغتربون في وطنهم أما آن أوانهم؟
إن إحدى أكثر اجراءات الإقطاع والبرجوازية مأساوية بحق الفلاحين السوريين كان ما حصل في الجزيرة السورية في 5/10/1962، وهو ما عرف بالإحصاء الاستثنائي الرجعي الذي طبع بطابع التمييز القومي والتجريد من الجنسية السورية من حيث الشكل، لتنفيذ أهداف مستترة وهي تجريد فقراء الفلاحين الاكراد من الأرض من حيث المضمون.. 49 عاماً وهؤلاء الفلاحون المغتربون في وطنهم يعانون الأمرين بانتظار الأمل والوعود المتكررة خلال العقود الماضية بأنصافهم، وهي وعود دأبت على إطلاقها أفواه كل المتحدثين نيابةً عن الجهات التنفيذية في البلاد منذ ذلك الحين.
وبتاريخ 742011 صدر المرسوم الرئاسي رقم 49 القاضي بمنح الجنسية للمواطنين الأكراد الذين حرموا أو جردوا منها نتيجة إحصاء 1962، وهذا كان إنجازاً يسجل لنضال الشعب السوري وقواه الوطنية والتقدمية على طول البلاد وعرضها، وقد طالت البهجة قلوب هؤلاء بعد نصف قرن من الاغتراب والتهميش، لكن ما يحز في النفس كثيراً أن يقوم موظفو دوائر السجل المدني في ديريك وعامودا والقامشلي بإرجاع قسم من هؤلاء المجردين المعروفين باسم المكتومين دون منحهم حقهم الذي نص عليه المرسوم رقم 49.
المكتومون وهم شريحة واسعة أفرزتها تبعات الإحصاء الاستثنائي، يعدون اليوم بالآلاف، وهم سوريون أباً عن جد لم يعرفوا سوى سورية وطناً، وكما هو معروف فقد أحدث الإحصاء الأسود شرخاً اجتماعياً في العائلات التي طالها، حيث وجد في كل عائلة من بقي مواطناً سورياً ومن اعتبر أجنبياً متسللاً من تركيا لم يرد ذكر اسمه في سجلات السوريين نتيجة احصاء 1962، وهم من حملة البطاقات الحمراء، أضافة إلى من اعتبر مكتوماً ولم يحسب على الطرفين، وهؤلاء حملوا اخراجات قيد بعد موافقة الأمن السياسي والمحافظ.
المفارقة المأساوية التي نشاهدها اليوم تكمن بأن من اعتبر اجنبياً يعطى كامل الوثائق ليصبح مواطناً، أما أخوه المكتوم فلم يشمله ذلك، وربما اعتبره موظفو دوائر السجل المدني قادماً من المريخ، ونحن نتساءل من يخدم استمرار مثل هذه الإجراءات بحق السوريين؟ ومن تخدم زيادة اغتراب المواطنين في وطنهم؟ ألا يضر هذا الاستهتار بالوحدة الوطنية التي نحن بأمس الحاجة إليها اليوم لمواجهة الظروف الخاصة التي تمر بها سورية وطننا الحبيب؟.
لذلك ندعو اليوم ودون أي تأخير إلى إنصاف هؤلاء المواطنين الذين اعتبرتهم التشريعات مكتومين ولا يستحقون منح الجنسية لهم وملاقاة ذلك ضمن مخطط الإصلاح الشامل ديمقراطياً واقتصادياً واجتماعياً وبشكل فوري، منعاً لأي فوالق اجتماعية وهمية تضر بالوحدة الوطنية المطلوبة لضمان كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار.