عندما يضع الإعلام «شجرةً» بين المواطن ورغيف الخبز!
وسيم الدهان وسيم الدهان

عندما يضع الإعلام «شجرةً» بين المواطن ورغيف الخبز!

تزداد انتهاكات الإعلام السوري ضد الحياة اليومية للمواطنين باطراد مقيت، فبعد كل «التشوهات» التي خلفوها في العقول ذهب القائمون على عدد «معلوم» من قنوات التلفزة والإذاعات إلى رفع حدة القلق في كل بيت آمن على امتداد الوطن عبر تبنيهم لما اعتقدوا أنه «التصدي لأزمة خبز مفتعلة»، فساهموا بسوء إدارتهم في افتعال أزمة لم يعرفها السوريون منذ عقود!.

بدأت حكاية «أزمة الخبز» تتلمس طريقها إلى الناس أول الأمر عبر بوابة «الحملة» الإعلامية ضد «العصابات المسلحة»،

ولكن، فكّر المواطن المغلوب على أمنه: «للبقاء في البيت بسلام كل هذه المدة لابد من استحضار المزيد من الخبز»!.. وبذلك تقاطر الناس فرادى ومجتمعين إلى كوات المخابز بحثاً عن ربطة إضافية تعينهم وأطفالهم على «العزلة» مع جميع ألوان الإعلام، من شاشات التلفزة «المتوترة» (المحلية والمستوردة) ومكبرات صوت الإذاعات «المرعوبة»!.

عند هذه اللحظة بالذات، بدأت اتصالات المواطنين- المراسلين تنهال على الإعلام مطالبة المواطنين- المتلقين بـ«ضبط النفس» وعدم التراكض إلى المخابز، لأن الأمور «هادئة تماماً»، وما من داع لاستجرار المزيد من الخبز، وهنا تحول البعض المذعور إلى أكثرية، وازدادت طوابير المخابز طولاً على طول، بل وازداد الإقبال على شراء المواد التموينية الأخرى مثل الرز والبرغل والحمص والفول اليابسين وغير ذلك كثير.. وجاءت قدرة القادر لتزرع الحميّة في قلوب «الخبازين» فأعلنوا حالة طوارئ فريدة شعارها «العمل على مدار الساعة لتأمين حاجات المواطنين»، فازداد الرعب مع ازدياد الطلب، وارتعبت بدورها الحكومة الوليدة، فتفتقت عقول مخططيها عن حل سحري فريد يتلخص بتخصيص سقف لحاجة الناس من الخبز: «ثلاث ربطات للمواطن.. تكفي وتزيد»!.

بعد تبني هذا الحل الحكومي بالتحديد، بدأت مرحلة جديدة من «أزمة الخبز» التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التحول إلى أمر واقع، فالحل لم يراع وجود عائلات «خارج التغطية الخبزية»، عائلات تعتمد في تحصيل خبزها على جهود باعة الحي، أو أصحاب الأكشاك الصغيرة المتناثرة في الضواحي غير المخدمة، كما في ضاحية قدسيا بدمشق وغيرها الكثير في ريف دمشق وبقية المدن والمحافظات، ناهيك عن العائلات الكبيرة أو تلك التي تعتمد سياسة «الاستخباز الأسبوعي» لبعد مكان إقامتها عن مراكز التوزيع والمخابز أو لظروف أخرى عديدة.. وللمصيبة، أصبح هؤلاء متهمين بأنهم «يمونون» فازداد شعورهم بالغبن والذعر!.

لقد أساءت وسائل الإعلام بقصد أو بغير قصد إلى حياة المواطنين اليومية، وربما كانت إساءتها أكبر من إساءة منافساتها المستوردة، وأدت هذه الوسائل إلى تهشيم البساطة التي كان يعيشها السوريون، فدمرت الحد الأدنى المطلوب من السماحة والهدوء اللذين تنعّم بهما كل سوري صغير وكبير، وإذا خرجت البلاد قريباً من عين العاصفة- وهذا ما يتمناه الجميع- فإن «أزمة إعلام» لا مثيل لها في التاريخ تنتظر الناس في نهاية النفق: «أي إعلام سنأتمنه ليتكلم باسمنا وباسم بلادنا في هذا الفضاء الرحب؟».

سيكون لزاماً علينا جميعاً أن نعيد النظر والسمع والتفكير بـ«إعلام الأزمات» هذا، لقد زاد في توتير المواقف كلها، بما فيها تلك المواقف التي لا تحتمل التوتير كربطة الخبز وصحن الفول، الحاجز الأخير الذي يمنع المواطن البسيط عن الخروج لمقاتلة «شجرة وسور مدرسة» يطلقان النار!.