قاسيون في عددها الـ500:  الواقع الحالي يثبت كل ما استشرفه شيوعيو  اللجنة الوطنية ونشرته صحيفتهم

قاسيون في عددها الـ500: الواقع الحالي يثبت كل ما استشرفه شيوعيو اللجنة الوطنية ونشرته صحيفتهم

لم يكن ظهور اللجنة الوطنية وانطلاقها كتيار سياسي مع مطلع الألفية الثالثة مجرد مصادفة، أو فعلاً ذاتياً محضاً للذين انخرطوا بها وعملوا تحت لوائها، بل فعلاً واعياً واستجابة لضرورة سياسية موضوعية واقعية، فرضتها تلك اللحظة التاريخية التي بدأت فيها بوادر انعطاف تاريخي عظيم جرى استشراف إمكانية أن يغير مستقبل العالم والبشرية كلها، وكانت أيضاً تعبيراً عن إرادة واعية وإحساس عال بالمسؤولية التاريخية راكمتها خبرات الشيوعيين السوريين ونضالاتهم على مدى عشرات السنوات، وقد كانت صحيفة قاسيون في هذا السياق المعبّر الإعلامي السياسي عن كل ذلك، وها نحن نحتفل اليوم بعددها الـ500، عاقدين العزم على جعلها دائماً على قدر تطلعات الشيوعيين ومن يمثلون للمضي نحو الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية..

لماذا «وحدة الشيوعيين السوريين»؟

كان لضعف الحركة السياسية وتراجعها وتخلفها عن حركة الجماهير والشارع ، دورٌ سلبي بإنتاج فراغ سياسي، وحالة انكفاء جماهيري عام عن السياسة، عمقتها حالة الانقسام والتشرذم التي عاشتها الحركة السياسية خلال عقود، وأبعدتها عن جماهيرها، وبالتالي عن الواقع وتلمس مشكلاته،  مما جعل الشعار الذي رفعه هذا التيار والهدف الأول الذي سعى باتجاهه وهو «وحدة الشيوعيين السوريين» ضرورة من أجل الوصول إلى حلول حقيقية وعميقة لمختلف القضايا والمهام والتحديات المعقدة المنتصبة أمامه، والتي فرضها عليهم واقع معقد لا يمكن إنجازه والشيوعيون مشتتون في فصائل مختلفة، خاصة بعد أن بدأت تلوح بالأفق ملامح عودة الجماهير إلى السياسة، وانتقال مركز الثقل شيئاً فشيئاً في العمل السياسي إلى الشارع بسبب جدية المشاكل المتراكمة التي تدفع بالجماهير لهذه العودة. وقد وعى الشيوعيون أن تصفية الحالة الفصائلية التي تعاني منها الحركة الشيوعية في سورية ستسرع عودتهم إلى جماهيرهم، وربما ستحدد لاحقاً سرعة عودة الجماهير إلى الشارع، وتعيد ثقة الجماهير بهم في حال تمكنهم من أداء دورهم الوظيفي، وذلك لن يكون إلا عبر وحدة حقيقية تقوم على تفاعل الآراء وانصهارها برؤية واضحة وحقيقية، تقرأ الواقع من منظور نقدي، يهدف إلى تغييره نحو الأفضل، وتحدد الإطار العام والأساس النظري الفكري والسياسي والتنظيمي والعملي لنضالاتهم اللاحقة، ولم يكن الهدف مجرد تجميع وتلصيق للشيوعيين من الفصائل كما ظن البعض،  بل إدراكاً واعياً لأهمية عودة الحزب إلى جماهيره، ليلعب دوره التاريخي في القضايا الوطنية والاجتماعية والديمقراطية، ونبذ عقلية التكتل والانقسام التي أضعفت الشيوعيين، مجتمعين ومنفردين وأثرت سلباً على مجمل الحركة الوطنية في البلاد، وهكذا كان توقيع ميثاق شرف الشيوعيين السوريين بتاريخ 15/3/2002 نقطة الانطلاق لبناء تيار حاول تجاوز الأزمة المستمرة في الحركة الشيوعية السورية لسنوات عديدة وإحداث الانعطاف المطلوب، ذلك الانعطاف الذي يفضي إلى نهوضها واستعادتها لمواقعها وعودتها للعب دورها المنوط بها، ومستنداً إلى تحليل موضوعي، ومعتمدة بذلك على النظرية الماركسية اللينينية لإنجاز رؤية معرفية متطورة أثبتت الحياة مصداقيتها، وما التطورات التي يشهدها العالم الآن بتعقيداتها، وتداعياتها، إلا دليلاً يثبت صوابية هذه الرؤية وراهنيتها، لأنها كانت قادرة على استشراف الأحداث التي تتفاعل في اللحظة الراهنة، حتى قبل وقوعها، الأمر الذي جعل من عناصر الرؤية السياسية للجنة الوطنية واقعاً معاشاً أثبتته الحياة وتوقف النقاش حوله بل وتحول إلى أساس لكل نقاش لاحق يراعي مصالح البلاد و الشعب.

تغير ميزان القوى

أثبت التحليل الموضوعي (الذي أشارت إليه في اجتماعها الوطني الثاني بتاريخ 25/4/2003) أن وضع الحركة الشيوعية السورية، ليس استثناءً من وضع الحركة الشيوعية العالمية التي بدأت بالتراجع عن مواقعها منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، هذا التراجع الذي تمثل بتغيّر تدريجي بطيء في ميزان القوى العالمي لمصلحة الرأسمالية العالمية، والذي تجلّى في نهاية المطاف انهياراً للاتحاد السوفييتي، ومنذ ذلك الحين لم تعد مقولة اختلال ميزان القوى العالمي بحاجة إلى إثبات أو نقاش، فقد أثبتها الواقع والحياة، وانعكس هذا التراجع على كل فصائل الحركة الشيوعية العالمية، فمنها من دفع ضريبة هذا التراجع دماً، ومنها من دفعه انقسامات وتشرذماً، ولكن في كل الأحوال كانت النتيجة واحدة وهي تغير ميزان القوى لغير مصلحة الحركة الثورية العالمية.

إن هذا التراجع قد سد مؤقتاً الأفق التاريخي أمام الحركة الثورية، وأصبحت أهدافها غير قابلة للتنفيذ في المدى التاريخي المنظور، في وقت كانت فيه برامجها تؤكد إمكانية الانتصار على العدو الطبقي خلال المستقبل المنظور، مما أدى لنشوء تناقض بين الهدف المعلن والواقع الملموس، وأخذت الهوة تزداد مع الزمن بين الهدف والواقع، ولم تستطع الحركة أن تشخص في حينه السبب العميق للأزمة، أي للتناقض بين هدف الحركة وواقعها، لأن المستوى المعرفي على الأرجح لم يكن يسمح آنذاك بهذه الاستنتاجات، وخاصة أن التراجع كان يجري بشكل مستتر تدريجي وغير معلن بل كان يرافقه إعلانات وتأكيدات بالاتجاه المعاكس. إن ترافق التراجع العام مع حالة عدم وعي له أدى إلى جملة من الاستنتاجات السياسية الخاطئة وما تبعها من  ممارسات عمقت حالة التراجع.

الأزمة الرأسمالية المستعصية

إن نقطة الانطلاق المنهجية في تحليل وممارسة اللجنة الوطنية منذ انطلاقها في عام 2003، كانت مكثفة في حقيقة أن طريق الرأسمالية مسدود بشكل نهائي، وأن مرحلة التراجع التي عاشتها الحركة الثورية العالمية في النصف الثاني من القرن العشرين قد انتهت موضوعياً. تلك الحقيقة النظرية التي استندت إلى النظرية الماركسية اللينينية، و قد أكدت وثائق اللجنة الوطنية منذ سنوات إن أزمة عميقة قادمة وأن هذه الأزمة تدفع الرأسمالية إلى الحرب والى توسيع رقعة الحرب، وأن الامبريالية الأمريكية محكومة بالفشل، وأن النظام الرأسمالي العالمي محكوم بالانهيار خلال المدى التاريخي المنظور،

 ولم يصدق كثيرون ذلك في وقتها، واليوم لم يعد هناك من يستطيع إنكار الأزمة وتداعياتها التي لن تبقى في إطارها الاقتصادي السياسي، بل ستمتد إلى كل المجالات الفكرية والسياسية والعلمية، ويمكن أن تكون نهائية لأن الخيار العسكري كخيار وحيد لحل المشاكل العالمية ما هو إلا دليل على إفلاس عميق وأزمة مستعصية لا حل لها، وهذا يعني أن الأفق التاريخي لحركتنا قد انفتح على المدى المنظور مما سيغير ميزان القوى بالتدريج لمصلحتها، الأمر الذي يؤكد صحة رؤية اللجنة الوطنية المنشورة في وثائقها، رغم الزمن الذي يفصلنا عنها ( 18/ 10/ 2002) بأن الأفق التاريخي قد بدأ بالانسداد أمام الرأسمالية العالمية، وهذا الأفق كان مسدوداً بالمعنى التاريخي استراتيجياً، إلا أنه الآن قد بدأ بالانسداد بالمعنى الآني القريب المدى مما يعني أن توازن القوى الذي تكوّن خلال العقود الماضية لمصلحتها غير قادر على الاستمرار، بل العكس هو الصحيح. وإذا كنا محكومين بالتراجع خلال الحقبة الماضية فإننا اليوم محكومون بالتقدم الذي سيسير بشكل أسرع كلما استوعبنا هذا الأمر بشكل أسرع.

إن القوى الثورية العالمية بمختلف مكوناتها، وإذ تواجه اليوم العدوانية المتصاعدة للإمبريالية العالمية، والتي أصبحت بحد ذاتها عامل توحيد مهم لكل القوى المعادية للإمبريالية، إنما تقع على عاتقها مسؤولية التقاط اللحظة وإنجاز المهام المطلوبة منها.

الثنائيات الوهمية

كانت اللجنة الوطنية أول من فضح ورفض الثنائيات الوهمية، ومنها ثنائية (معارضة/نظام)، ومحاولات حشر الجميع فيها، لأن الاصطفاف في المجتمع هو أعقد من ذلك بكثير وخطوط الفصل الحقيقية فيه هي أعقد بكثير مما يريد البعض الإيحاء به من خلال الثنائية الوهمية، وإن محاولة الفرز على هذا الأساس سيضر النضال الوطني والاجتماعي ويدفعه إلى الخلف، بينما المطلوب فرز جميع التيارات، إن كانت ضمن النظام أو خارجه، على أساس معايير موضوعية حقيقية تخدم النضال الوطني والاجتماعي. وكان المعيار الأساسي في تحديد موقف اللجنة من أي كان، مجموعة أو تياراً أو فرداً، هو مواقفه الحقيقية من الإمبريالية والصهيونية ومخططاتها والسياسات الليبرالية الاقتصادية وذلك لأن المخطط التفتيتي الذي تتبناه وتستهدفه السياسات الإمبريالية في المنطقة، يسعى إلى توليد ثنائيات وهمية من كل شاكلة ولون، وحشر الجميع فيها، لأنها في نهاية المطاف تعبير عن محاولة دفع التناقضات الثانوية باتجاه أن تصبح رئيسية، وذلك لحجب التناقض الأساسي ومنعه من أن يلعب دوره الرئيسي، فتتقدّم الصراعات القومية والدينية والطائفية والعشائرية والعائلية إلى واجهة التناقضات، وتحلّ مكان التناقض الأساسي بين الإمبريالية العالمية والقوى التي تمثلها بشكل مباشر وغير مباشر من جهة، وبين قطب الشعوب من جهة أخرى، وعندما يصل هذا التناقض إلى حالة الاستعصاء لا يعود بالإمكان حله إلا بإلغاء طرفيه، وهذا ما يبين عظمة المسؤولية الواقعة على كاهل من يتصدى لحسم هذا الصراع.

وأوضحت اللجنة وجود صوتين في الداخل كانا مرتفعين جداً قبل خمس سنوات، صوت بعض من كان يسمي نفسه معارضة ومعولاً على الخارج، وصوت بعض من في النظام الذي كان يروج لتكييف سورية مع متطلبات الخارج الإمبريالي بحجة عدم القدرة على مقاومته، وبحجة الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه....

 إن هذه الأصوات وإن خفتت إلا أنها لم تزل، فهي تتلطى منتظرةً اللحظة السانحة للانقضاض ومعاودة الكرّة، وهي تستند في ذلك إلى الثغرات والنواقص في الوضع الداخلي وخاصة الاقتصادي ـ الاجتماعي.. فهذا المجال قد شهد تراجعاً كارثياً، وشكل نقطة استناد يمكن أن تلجأ لها قوة المشروع الامبريالي في المنطقة، مستفيدة من التوتر في داخل البلاد المتناغم مع الضغوط الخارجية..

إن التوتر الاجتماعي إذا ما بلغ مستوى حرجاً معيناً، لا يمكن لأي نظام أن يحله بالطرق التقليدية عبر جهاز الدولة... وهذا الأمر هو ما يسعى إليه البعض بأشكال مختلفة، لأن ازدياد منسوب الفقر والبطالة وتفاقم المشكلات الاجتماعية المختلفة يمكن أن يصبح في لحظة معينة بوابة العبور لقوى الخارج المستندة في الداخل لرأس حربتها، ألا وهي قوى الفساد الكبير. لقد أثبتت التجربة العملية في بلادنا أن لا دواء ناجع لمحاربة آفة خطيرة تنخر في جسم جهاز الدولة والمجتمع ألا وهي الفساد وخاصة الكبير منه، إلا المزيد من تسليط الضوء من جانب المجتمع والإعلام على الفاسدين والمفسدين الذين لا مصلحة لهم بذلك، ويعملون على تقييد هذه العملية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً،

أما القوى الوطنية أينما وجدت، فقد بقي صوتها هو الأعلى، معولاً على أنّ قوة سورية لا يمكن بناءها إلا بحشد جميع الطاقات الوطنية وإمكانياتها من خلال تحقيق أعمق عدالة اجتماعية وأعلى نسبة نمو لتعزيز منعتها الداخلية بما يضمن الانتصار في المعركة الوطنية من أجل تحرير أراضينا المحتلة.

ولقد بينت الوقائع الأخيرة صحة وجهة نظر اللجنة الوطنية في أن تجنيد أي شعب في معركة وطنية كبرى، لا تكفي فيه النداءات والمواعظ في اللحظة الأخيرة، فبقدر ما تتم تلبية الحاجات الاقتصادية ـ الاجتماعية والديمقراطية لأي شعب بقدر ما يمكن حشده وتعبئته وتجنيده لخوض المعارك الفاصلة مع العدو دفاعاً عن أرضه ومصالحه، وأن الدفاع عن الأرض مرتبط بالدفاع عن المصالح الشعبية المباشرة وغير المباشرة.

 إن ارتباط الحاجات الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية واندماجها  فيما بينها لدرجة أنه لا يمكن فصلها عن بعضها بعضاً، قد يكون أحسن تعبير عنها هو كلمة الكرامة الوطنية. فشعب كرامته غير محفوظة في وطنه، لا يمكنه الدفاع عن كرامة الوطن حتى لو أراد ذلك، وبالعكس فالحفاظ على كرامة الوطن ممكن فقط بتأمين كرامة المواطن كاملة غير منقوصة.

الحل المركب

الإمبريالية الأمريكية تعتمد حلولاً مركبة لتفكيك الحالات المركبة، إذ أنها حين تفشل بالحل الخارجي الاستعماري المباشر، فإنها تسعى للاستفادة من التصدعات الاجتماعية كي تسير في خيارها التفتيتي على أساس قومي وديني وطائفي، وهي إن كانت تغازل وتسترضي البعض مستفيدة من ركام التوترات السابقة إلا أنها تسير بصراحة نحو خيارها ب«الفوضى الخلاقة». وإذا كان هذا يعني شيئا  فإنه يعني مسح البنى السابقة للدول والشعوب التي تكونت في القرن العشرين باتجاه الفراغ لفترة طويلة يجري فيها استنبات قواها التي ستعتمد عليها لاحقاً، فأية وقاحة أكثر من ربط صفة الخلاقة بالفوضى. والمقصود بالفراغ هو تحطيم بنى الدول والتركيبات السياسية السابقة لاستنبات قوى على أساس قومي وديني وطائفي عبر صراع واقتتال داخلي طويل يفضي إلى تركيبات جديدة تجعل من الإمبريالية الأمريكية الحاكم بأمره لفترة طويلة من الزمن والمتحكم الأكبر في مصائر الشعوب ومستقبلها ، وهو ما يؤكد أن المخطط المراد للمنطقة عميق وخطير،وهوما يجعل هذه القضية مصيرية لا يجوز فيها المساومة والتردد وأنصاف الحلول، ولذلك كان من الضروري فضح أهداف الترتيبات الجديدة التي تسعى إليها المخططات الأمريكية ومشروعها الإمبراطوري ،ولذلك بادرت اللجنة الوطنية باكراً إلى التأكيد على ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية واعتبارها هدفا ننشده ونناضل من أجله،والوحدة الوطنية بهذا المعنى هي ذات محتوى سياسي معادي لمخططات الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني، وذات محتوى اقتصادي ـ اجتماعي متطابق مع مصلحة الجماهير الواسعة وذات محتوى ديمقراطي يسمح للحركة الشعبية بالنمو وأخذ دورها بالدفاع عن كرامة الوطن والمواطن، ومن هنا جاء الإصرار والتأكيد على تفعيل الحوار الوطني ومتابعته من خلال توسيع طيف القوى المشاركة فيه وصولاً إلى مؤتمر وطني عام للحوار على أرضية عدم الاستقواء بالخارج وعدم التنازل عن الثوابت الوطنية وقيام جبهة مقاومة وطنية شعبية ديمقراطية على الأرض لمواجهة أي عدوان المرتقب.

المهام الديمقراطية

وقد حددت اللجنة الوطنية مبكراً، جملة من الأمور التي أصبحت معروفة الآن، والمتعلقة  بحل المهام الديمقراطية العامة في البلاد، والمتلازمة مع حل المهام الاقتصادية الاجتماعية والوطنية، مثل رفع قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وإصدار قانون الأحزاب حقيقي مصاغ بشكل يقطع الطريق على المخططات التي تستهدف وحدة الكيان الوطني والمجتمعي تحت حجة تمثيل «مكوناته الأساسية» أي مكوناته في مرحلة ما قبل تشكل الدولة الوطنية.

إن المكونات الأساسية للمجتمع يجب أن تعود لتكون هي شرائحه الاجتماعية وطبقاته الاجتماعية، بغض النظر عن القومية والدين والطائفة.

مع قانون انتخابات وطني عصري يفعّل الحركة السياسية في البلاد ويعطي دفعاً ونشاطاً جديدين للحركة السياسية الوطنية التي يجب أن يعاد تشكيل فضائها على أسس جديدة قادرة على استقطاب القوى الاجتماعية التي تعلن تمثيلها، وأكدت باكراً على ضرورة نزع صواعق الانفجار المحتملة، والكامنة في عدة بؤر توتر، وعلى رأسها مشكلة الإحصاء الاستثنائي في الجزيرة، والتي طالما طالبت بحلّها، ومعالجة مفاعيلها السلبية من جهة، وتأمين الحقوق المدنية الطبيعية لكل المواطنين السوريين من جهة أخرى، الأمر الكفيل بضمان وتوطيد الوحدة الوطنية وتفويت الفرصة على كل المخططات التفتيتية.

وإذا كانت التجربة قد برهنت مؤخراً على أن المرحلة التمهيدية المتمثلة بالقصف الإعلامي ـ النفسي ليست أقل أهمية من المعركة العسكرية نفسها، خاصة في ظل التطور المذهل لأجهزة الإعلام الجماهيرية اليوم التي أصبحت أداة تحكم هائلة بالوعي الجماهيري. فالإعلام المتحكم به والذي تعّول عليه الإمبريالية الأمريكية الكثير وصولاً إلى إسقاط دول وأنظمة دون معارك عسكرية ، يطرح مهام جديدة صعبة، متمثلة بضرورة تعلم مواجهة هذا الإعلام عبر تفكيك رموزه وآلياته والذي وصل أحياناً إلى درجة تقرير من انتصر ومن خسر في المعركة العسكرية وإذ أدركت اللجنة الوطنية خطورة هذا الأمر طالبت في بلاغها الصادر بتاريخ 25/2/2011 بإعادة النظر بقانون الصحافة والإعلام والمطبوعات بما يفعل دور الإعلام كسلطة رابعة في الرقابة وكشف مواقع الفساد، وتعميق الثقافة الوطنية في البلاد.

محاربة الفساد

استطاعت صحيفة قاسيون من خلال أكثر من تحقيق موثق، أن تسلط الضوء على الفساد والنهب الكبيرين في مختلف  القطاعات والوزارات المؤسسات التابعة لها، وخاصة في قطاعات النفط والاتصالات وأملاك الدولة والجمارك والبلديات، وفضحت السياسات الحكومية التي أدت إلى تراجع شامل في القطاعين الزراعي والصناعي، مبينة أوضاع الطبقة العاملة المتردية في  القطاعين العام والخاص، وكذلك أوضاع الفلاحين، ونبهت من تزايد الأخطار على الأمن الغذائي، ووضع البلاد أمام مشكلة حقيقية في قضية الاعتماد على الذات. كما تناولت ملفات الفساد المنتشر في قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء وبقية الخدمات. كما سلطت الضوء على قضايا البيئة والتلوث الذي يتعرض له الهواء والأنهار والبحر والذي يهدد سلامة الإنسان والبيئة معاً مما ينبئ بمأساة حقيقية تتعرض لها البلاد.. وكل ذلك نتيجة الفساد وخدمة للمتنفذين، ولعل قاسيون كانت من اولى الصحف التي تجرأت ومنذ سنوات في تحقيقاتها على فتح ملفات الفساد في قطاع الاتصالات والهواتف الخليوية فاتحة عشرات الملفات الحساسة التي تجاوز مستوى النهب فيها عشرات المليارات..

المهام ما تزال كبرى.. وعهداً لكل قرائنا، ولجميع الشرفاء، أننا سـ«نمشي.. ونكفي الطريق»..