بين حقوق المواطن وواجبات القضاء.. فساد الجمعيات السكنية مستمر
وصلت إلى «قاسيون» شكوى تشير إلى رائحة فساد في جمعية سكنية عاملة في دمشق، ويقدر عدد ضحايا كذب إدارة هذه الجمعية بحدود 70 مواطناً كان جل طموحهم حين تحولوا إلى ضحايا هو الحصول على مسكن يأويهم وعائلاتهم، ولعل ما جرى مع أحد المشتكين يندرج في إطار الكارثة، فهو شاب في العقد الثالث من العمر ويعمل في مجال الديكور الداخلي، وقع بين يديه إعلان الجمعية التي وعدت زبائنها بـ«بيت الأحلام»!.
يقول أحد المشتكين: «تغريك الشركة بقرب مشاريعها من دمشق وتزين إعلانها في الجريدة بصورة جذابة ضخمة تنافس بها باقي الشركات، مدعيةً قدرتها على تقديم التسهيلات الكثيرة للحصول على معجزة المنزل»..
بعد قراءة الإعلان، لملم الشاب ضياء (المتقدم بالشكوى) أمواله بغية التقدم للاستكتاب لدى الجمعية (شركة الغد المتحدة للبناء)، واستكتب على منزل بموجب عقد قانوني بتاريخ 17/2/ 2009، على أن يستلمه بعد مرور 18 شهر (أي في الشهر الثامن من 2010)، وكانت الدفعة الأولى 200 ألف ليرة سورية، وبأقساط شهرية 5250 ليرة سورية لمدة 10 سنوات، وبعد مرور مدة الـ18 شهراً، وبشيء من الأمل والحماسة- والقول لصاحب الشكوى- تلقيت الكارثة!.
إذ بمرور الشهر الثامن دون خبر أو بشارة، بدأ ضياء بالتردد على مقر الشركة للسؤال عن مصير منزله، وما كان من المعنيين في الشركة إلا وابتداع الحجة تلو الأخرى لتبرير تأخرهم، فتارةً يقولون إن الرخص تأخرت، وأخرى يطلبون من ضياء وغيره من المستكتبين أن يتحملوا قليلاً من الزمن ريثما تحل الأزمة التي تمر بها الشركة، وصولاً إلى تاريخ 13/ 4/ 2011 حيث تقدم بعض المستكتبين، ومنهم ضياء، بطلب الانسحاب بعد التأخر عن التسليم بموجب العقد المبرم بينهم وبين إدارة الشركة، فكانت الكارثة الثانية إذ أن المستكتبين لم يتمكنوا من الانسحاب (وفق حجة جديدة قدمتها إدارة الشركة) فطلب الانسحاب المقدم بحاجة إلى توقيع المدير العام للشركة ولكن المدير غير متواجد.. وبعد حبل طال وقصر من الكذب، وبعد أن تقدم ضياء، كأحد المتضررين، بشكوى قضائية لدى وزارة التجارة والاقتصاد باعتبارها الجهة المسجلة للشركة، اعترف موظفو الشركة بأن المدير العام موقوف لدى الأمن الجنائي بدمشق، وطبعاً لم يكن الاعتراف أمراً سهلاً على الموظفين كما لم يكن بلقائياً، إذ أن الشركة لم تعترف بالأمر إلاّ بعد أن تقدم نحو 65 مستكتباً لوزارة الاقتصاد بشكاوى مختلفة حيال الموضوع ذاته، علماً أن عدداً منهم كانوا يسبقون ضياء بتاريخ الاستكتاب لدى الشركة، وبالتالي فإن تسلمهم لمنزلهم الموعود تأخر مدة أطول.
وبعد أن استبشر المستكتبون خيراً بأن المدير العام لدى الجهات المختصة بملاحقة الفاسدين وجامعي الأموال، تفاجؤوا بعد مرور مدة قصيرة بخروج المدعى عليه مدير الشركة من التوقيف، وبدئه مجدداً بمزاولة عمله ولكن دون التردد إلى مقر الشركة في دمشق، بل عكوفه على إكمال مشروع له في مدينة اللاذقية، وذلك ما ذكره المشتكون لـ«قاسيون» نقلاً عن موظفي الشركة أنفسهم.
والسؤال الذي يطرحه ضياء وغيره من المستكتبين لدى الشركة الكاذبة: كيف يخرج مدعى عليه من أكثر من شخص ويبدأ بمزاولة أعماله بعيداً عن المدعين دون حل الدعاوى التي توقف بموجبها؟ وكيف لم يتم الحجز على الشركة وأملاك المدعى عليه مع العلم أن الشركة بقيت على حالها تمارس أعمالها حتى تاريخ كتابة هذه السطور؟!.
ويضيف ضياء مستكملاً الفصل الأخير من معاناته مع الشركة وإدارتها بالقول: «بعد اتصالات عديدة والتردد على الشركة حصلت على مبلغ 25000 ليرة كدفعة من مستحقاتي لديها، وما أزال أحيا على وعد قدمته لي الشركة بأن ترد لي كامل مستحقاتي على شكل دفعات شهرية».
واليوم، لم يبق لضياء حسب قوله هدف في الحياة سوى استرداد مستحقاته لكي يبدأ بسداد الديون التي تراكمت عليه جراء الأوضاع التي تمر بها البلاد، وقد بين أنه راجع الشركة مراراً لكي يقبض دفعة ثانية بموجب الاتفاق الشفهي الذي أتمه مع الشركة حين استلم الدفعة الأولى، ولكن الموظفين بدأوا يسوقونه إلى طريق جديد من الأكاذيب عن عدم تمكنهم من قبض مبالغ من المكتتبين، وأنه لا يوجد أي مبلغ في خزنة الشركة، و«كأن الموظفين يعملون لدى الشركة مقابل حسنة لوجه الله»!.
هذا أحد جوانب ما يتعرض له المواطن السوري حين يواجه الفساد، والشركة كما هو واضح تمثل نموذجاً مثالياً عن المستهترين بالقانون وحقوق المواطنين، والقضية الآن موضوعة برسم الجهات المعنية، بدءاً بوزارة الاقتصاد والتجارة التي تحتضن ترخيص الشركة، وليس انتهاءاً بفرع الأمن الجنائي والقضاء المختص.
أنصفوا المواطن.. ينصفكم!