من الذاكرة: شواهد خاصة
لامراء أن من بقوا من أترابنا يحفظون عن ظهر قلب كثيراً من أبيات الشعر لشعرائنا الكبار الذين أنشدوا للوطن وللشعب,وبخاصة ما أبدعوه في تصوير الجلاء وتمجيد الانتصار الذي صنع حرية سورية الغالية, وتحضرني اليوم أبيات من قصيدة فرحة الجلاء:
حلم على جنبات الشام أم عيدُ لا الهم هم ولا التسهيد تسهيدُ
أتكذب العين والرايات خافقة أم تكذب الأذن والدنيا أغاريد؟
كأن كل فؤاد في جلائهمُ نشوان, قد لعبت فيه العناقيدُ
أجل لقد غرس الجلاء في القلوب حب الوطن, وحفز الاستعداد للذود عنه بكل غال ونفيس, وللعمل بكل إخلاص وشرف على تقدمه وإزدهاره.
ومن شواهدي الخاصة على ذلك, أن ذاكرتي لم تزل تضم بكل الاعتزاز مقاطع من أول رسالة بعثت بها ألى والدي يوم وصلت إلى مركز التدريب في معسكر«القطيفة» لتأدية خدمة العلم :
والدي الكريم.. نحيطكم علماً أننا وصلنا ألى القطيفة ونحن فخورون بأننا أصبحنا في عداد الجيش السوري الباسل, نتزود منه الرجولة والبطولة, لنكون جنوداً بكل ما تعني هذه الكلمة, ونصبح سداً منيعاً في وجه المؤامرات الاستعمارية والصهيونية وعملائهما .
والدي الكريم.. لا أستطيع أن أعبر عن عاطفتي نحوك, لأنك أنت الذي جعلت مني رجلاً يفيد وطنه ويعمل مافي وسعه للمساهمة في رفع مكانة وشعبه, وفي الذود عن بلادنا وكرامتها وحريتها .
ابنك المخلص _ مركز التدريب20 تموز1957
كما أذكر أيضاً مقاطع من رسالة تسلمتها من صديق عزيز حين كنت في محافظة دير الزور مدرساً لمادة اللغة العربية:
أخي الكريم أبا فهد..من قلبي.. من كل قلبي, لك مني تحايا وقبلات.. لقد امتد بعادك عنا, وتوقعنا مجيئك في العيد, ولم تأت. إننا نعيش مع ذكرياتك الحلوة, ولولا الذكرى لما كانت الحياة حياة, وهي تنتقل بخفة الظل ولطافة النور من فكر إلى فكر, ومن قلب إلى قلب.
وفقك ربي وسدد خطاك, متمنياً لك ولزملائك أسعد الأيام وأهنا اللحظات, وكل عام وأنتم بخير أعاد الله علينا عيد التضحية وقد تحررت أرضنا من كل مستعمر وصهيوني, وتوحدت قلوبنا ومواقفنا.
أخوك مروان شيخو..دمشق1967
هي نماذج من رسائل, حروفها وكلماتها تعمدت بالالتزام بحب الأهل والشعب والوطن.. بحب الإنسانية أينما كان الوجود.