المواطن بلا امتيازات
أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

المواطن بلا امتيازات

تجلت قرارات الحكومة الأخيرة بتوزيع المعونات التي حددتها بأربع فئات، واتضحت الرؤية التي أحرجت المواطنين بعد حرمان أصحاب الحق في المعونة من الحصول عليها في أكثر من حالة، كالأرامل والمطلقات والشيوخ العجز والأيتام الذين لم ينصفهم المسح نتيجة نقص أدواته، ما حوله إلى إجراء روتيني وبيروقراطي ينتظر الإصلاح مع أنه في بدايته.

التوزيع كان مترهلاً جداً في وجه الفقراء والمحتاجين لهذه المعونة، والذين تخيلوا أنهم على أقل تقدير سينالون مبلغ الفئة الرابعة كحد أدنى لكنهم تفاجؤوا بكلام كبير وخشن «روحوا الله يبعتلكن». هذا واقع صندوق المعونة الاجتماعي، وأغلب الذين تقدموا إليه كفّروه وأباحوا دمه كرسالة للجهات التي خططت له ومسحت سجلاته، وآثاروا سؤالاً حول الهدف المرجو من صندوق كهذا كشف أن فقرهم لا يستحق من الحكومة غير الصدقة!.

في الميدان لم يغب عن سجلات المسح من كان عنده أملاك وعقارات وحصص في البنوك، أما أغلب الغائبين أو الجالسين يرجون رحمة الله هم أولئك الذين لا يملكون شيئاً على وجه المعمورة، قائمة المحرومين هذه تثير جدلاً عما إذا كانت المبالغ التي وفرت عن رفع الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية والمقدرة بالمليارات السورية ذهبت إلى غير رجعة.

مخططو البلاد وصلوا إلى أن /10/ مليارات أو /12/ مليار ليرة في أحسن الأحوال تكفي لقتل الفقر أقبح المظاهر في سورية، فالفقر أصاب حتى الآن نحو /5.3/ ملايين إنسان، لكن الكارثة الكبرى أن الذين يتسابقون على «صندوق التسول» هم الأغنياء قبل الفقراء، فالفقير الحقيقي سينال من الكعكعة «السمسمة» وحسب، لأن المعادلة الجيوحكومية والمتضمنة توفير المليارات من رفع دعم المحروقات وتوزيعها في صندوق يعمل على حساب السوريين أنفسهم، لم تبق لهؤلاء المواطنين كرامة ينافسون عليها في الوقت بدل الضائع الذي فرضته معارك الفريق الاقتصادي.

الرابح طبعاً هو الذي سيحافظ على كرامته، ففي مبلغ الـ /500 ليرة أو 1000 ليرة/ اللذين لا يكفي أكبرهما للحد من  ظاهرة التسرب المدرسي، ولا يكفي في أغلب الأحيان لوصفة طبيب واحدة.

إن الاكتفاء بفكرة الصندوق الوطني للمعونة وسط هذه الظروف المتغيرة والأسعار الآخذة بالارتفاع، لا يكفي لترقيع حاجة الأسر والعائلات الفقيرة ولا يعمل على تحريك ساكن وسط أسواق تتعكز على مبلغ /500/ ليرة شهرياً، والأجدى بالحكومة أن تخفض أسعار المواد الغذائية التي رفعت أسعارها حين رفعت الدعم عن المازوت، وعليها أن تراقب الأسواق بالإضافة للصندوق الذي تمنن الفقراء به.

إن ما يجري من خطوات لفتح الاقتصاد نحو اقتصاد السوق الحر، يجعل من المواطن مواطناً بلا امتيازات، مهزوم الشخصية، وهذا الصندوق لا يشفي العلة بل يزيد في البلوى والقضايا الاقتصادية عقداً مستحيلة الحل في بلدنا فالحكومة تعطي بيد وتأخذ بالأخرى، والمواطن السوري ليس بحاجة للعطف وإنما بحاجة للوصول لقدرة شرائية عالية تسد احتياجاته اليومية بدلاً من صندوق شحيح الوصفات والقدرات، ومفكك البنيان لدرجة أن ينطبق عليه المثل الشعبي: «يا طالب الدبس من (توت) النمس كفاك الله شر العسل»!