صورة شاحبة للمدينة الجامعية بدمشق..
ليست نصيحة أبداً القيام بزيارة للمدينة الجامعية والتعرف عليها عن قرب والنظر فيها وتحليل واقعها ودراسة أحوالها المتعثرة، فمن ستضطره الظروف للزيارة أو الإقامة، سوف يرى بكل تأكيد، أشياء لا تسر العين ولا تبهج القلب، وستفاجئه مظاهر قد تسبب له الصدمة من الواقع الرديء للمدينة وسوء أحوالها، وسيشعر بداية بقشعريرة ونفور تباغته بها أروقتها وغرفها الرطبة الموحشة؟
ففي هذه المدينة التي نُذرت لخدمة الطلاب أبناء المحافظات الأخرى من الشرائح الوسطى وما دون، تغيب فيها أدنى الشروط المطلوبة للعيش والاستقرار والتهيؤ للتعلم والدراسة، ومن ثم الإبداع.. فلا خدمات جيدة، ولا نظافة، ولا صيانة دورية أو غير دورية، ولا راحة... كل ما هنالك الفوضى، والازدحام، والضجيج، وتراكم القاذورات.. كل شيء مستباح في هذا المكان، وثمة إدارة آخر همها معرفة هموم الطلاب ومتابعة أحوال البناء الذي يضم أشخاصاً يضع الوطن جل أمله فيهم، مراهناً على مقدراتهم وكفاءاتهم في المستقبل.
فمن الأمور الواقعة والملحوظة بشدة التأخر الدائم بصدور القوائم التي تنص بتوزيع الطلبة على الغرف المخصصة لهم في المدينة الجامعية، فكيف يستقر الطالب في حياته ما لم يعرف أين يقيم إلا بعد بدء العام الدراسي بشهرين؟.
وإذا أردنا الحديث عن الأسباب الحقيقية لتأخر صدور قوائم توزيع الغرف، سنجدها كثيرة ومن الصعب حصرها، ولكن أهم هذه الأسباب يكمن في ما يلي:
تسجيل أسماء وهمية لطلاب في غرفة ما، وهم مستأجرون خارج المدينة أصلاً مما يوحي للمسؤولين بالزيادة العددية.
البطء في العمل والتسجيل من جانب المسؤولين عن توزيع الغرف في المدينة.
اتباع بعض الطلاب سياسة تطفيش الطلاب الجدد من الغرفة، وذلك لاستقدام أصدقائهم للسكن معهم في الغرفة ذاتها.
إن إدارة المدينة الجامعية لا تعمل بجد لحل هذه المشكلة، كما أنها لا تتعب نفسها أصلاً في الكشف عن بقية المشكلات التي تحدث. فلو نظرنا إلى واقع الغرف الموجودة مثلاً، لتبين لنا أنه رغم سوء وضع الغرف من الداخل نجد كل منها تحوي 5 أو 6 طلاب، مما يحول الغرفة الضيقة أساساً إلى مستودع، وينفي احتمال أن تكون صالحة للسكن، فهذا العدد لا يتناسب أبداً مع المساحة المتوفرة، فإذا قمنا بتقسيم مساحة الغرفة على عدد الطلاب لحصل كل طالب على متر أو مترين كأقصى حد، فكيف لطالب أن يدرس وينجح بمترين فقط؟ إضافة إلى أن العدد الكبير في الغرفة يخلق بعض المشكلات المستمرة نتيجة الشللية التي تنشأ، واختلاف الأمزجة بين الطلاب وحرمانهم من حرياتهم.
بالإضافة إلى ذلك، هناك سوء في التجهيزات، وتراكم في الأعطال الموجودة، سواء في المجاري الصحية أو في أنابيب المياه أو خطوط الكهرباء، فالمجاري مصطومة بشكل دائم، والمياه شحيحة، والكهرباء متذبذبة.. أما من حيث تجهيزات المرافق العامة فتغيب عنها أدنى الخدمات الرئيسية. المطابخ خالية من البرادات، والأبواب لا توصد، ومفاتيح الكهرباء قديمة ولا تعمل، والفرش سيئ، وسخانات المياه غالباً لا يتم تشغيلها إلا في أيام العطل، والمصاعد معطلة!.
أما من ناحية النظافة فهي معدومة، وكل الزوايا مليئة بالقمامة، حتى الدرج والحديقة والمكتبة التي من كثرة الضجيج أصبحت ملهى، ولم تعد مكاناً للقراءة!
من جهة أخرى، لا يمكن أن ننسى فرع نهر بردى المار بالمدينة، والذي أصبح سريراً للمياه الآسنة، حيث راح ينهك المنطقة بالحشرات والقوارض، وليس هناك من ينظر جدياً في موضوعه.
ومع كل هذه المساوئ نجد أن قيمة السكن الجامعي ما زالت ترتفع عاماً بعد عام، وقد أصبحت اليوم تتجاوز /4/ آلاف ل.س في العام الواحد، وذلك بذريعة القيام بالتجهيزات والإصلاحات والصيانة وتحسين البنية التحتية والمرافق العامة والعمل على إنشاء هيئة مستقلة لإدارة المدينة.. لكن كل هذا يبقى كلاماً في الهواء، ولا تقوم الإدارة بأية تحسينات ملموسة على أرض الواقع.. فإلى متى يبقى الحال على هذه الصورة البشعة؟!.