على أعتاب الخطة الخمسية الحادية عشرة.. استحقاقات غير مدركة الأبعاد والأخطار حكومياً!
لم تلحظ الإجراءات الاقتصادية التي تمت في سورية في السنوات الخمس الماضية وحتى الآن، السياسة الاجتماعية إلا في تصريحات رئيس الوزراء، والنائب الاقتصادي، والوزراء.. بينما الآثار السلبية الاقتصادية- الاجتماعية التي تمخضت عن هذه الإجراءات كانت هائلة، وكان من أبرز نتائجها تراجع دور الدولة التنموي، الذي أدى للضغط على إمكانية توليد فرص عمل في القطاع العام، في حين بقي القطاع الخاص عاجزاً في ظروفه الراهنة وطبيعة رساميله وهياكلها ومصادرها على ردم الفجوة الاستثمارية، أو الوفاء بمتطلبات تحسين معدل الاستثمار الذي استهدفته الخطة الخمسية العاشرة، وهذا ما انعكس على إمكانيات خلق فرص عمل جديدة في سوق العمل بما يتناسب مع عرض العمل السنوي بحدود /250/ ألف نسمة.
بين البطالة والتهرب الضريبي
وصلت البطالة إلى رقم مخيف، وحدثت زيادة في عدد الفقراء وتدهورت الأحوال المعيشية لأكثرية الشعب، ولم يلمس المواطن (حسنات) السياسة المالية رغم مرور سنوات على تعديلها وتتالي الحديث عن إعادة توزيع الدخل لمصلحة الفقراء.. فالمستوى الضريبي الذي يشكل /12%/ ليس لديه القدرة على إعادة توزيع الدخل، بينما يصل في الدول الصناعية إلى /40%/ حيث يستطيع عند ذلك أن يلعب الدور المتميز في تمكين الدولة من لعب الدور الاجتماعي المناط بها. يرافق ذلك بأن ما جرى على الصعيد الاقتصادي لم يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي، وانخفضت الشرائع الضريبية من /35% ـ 25%/ وأدى تخفيض ضريبة الشركات إلى زيادة الدخول لدى الأغنياء، وزاد من حجم ثرواتهم ومدخراتهم، وبالتالي مازال معدل النمو الاقتصادي في أدنى الحدود مقارنة مع الإصلاح المالي، وكان هدفه كما يقول وزير المالية بشكل دائم، حفز النمو، وزيادة معدلات الاستثمار. ورغم توسيع قاعدة التكليف ما يزال القسم الأكبر من الدخول العالية جداً تحصل على إعفاءات ضريبية..
لقد أعفى التشريع المتاجرة بالعقارات من أية ضرائب مما فسح المجال أمام اشتداد المضاربة وخسارة الدولة مبالغ طائلة، مع استمرار التهرب الضريبي الذي يعتبر السمة الغالبة للنشاط المالي والاقتصادي. وقد بشرت الإصلاحات والخطة الخمسية العاشرة بالضمان الصحي، ولكن لم يرصد له في الخطة سوى /3%/ من الحاجة الفعلية، فتضاعفت الانعكاسات الاجتماعية السلبية على المواطن، وسوف تتضاعف في السنة الأولى من الخطة الخمسية القادمة، وذلك من خلال حزمة من الإجراءات سوف تتخذ على الصعيد الصحي والتعليمي من خلال ليس تقليص الخدمات الاجتماعية فقط، وإنما إنهاء هذه الخدمات نهائياً.. إنهاء الخدمات المجانية في مشافي الدولة ودفع رسوم، وذلك تحت يافطة صناديق الضمان الصحي الموجودة في الشركات والنقابات رغم محدودية الإنفاق على الصحة سنوياً والذي لا يتجاوز اسمياً /71/ مليار ل.س، وفعلياً أقل من ذاك. ويساهم القطاع العام بحوالي /28/ مليار، والخاص بحوالي /43/ مليار، ويشكل الإنفاق على الصحة /6.1%/ من إجمالي الدخل الوطني.
إنخفاض قدرة الانتاج الوطني
علماً أن /660/ ألف عامل من أصل مليون ونصف، غير مستفيدين من الرعاية الصحية، إذ أن عدد العاملين في القطاع العام يفوق المليون، موزعين على قطاعين: القطاع الاقتصادي وعدد عماله /375/ ألف عامل، بينما يصل عدد عمال القطاع الإداري إلى /675/ ألف عامل، ويقول اتحاد العمال في مذكرة رفعت إلى الجهات الوصائية: إن المستفيدين من الرعاية الصحية هو مجموع العاملين في القطاع الاقتصادي فقط، بالإضافة إلى /15/ ألف عامل من القطاع الإداري، وبالتالي يصبح عدد المستفيدين /380/ ألفاً، بينما يحرم من الرعاية الصحية ثلثا العاملين، علماً أن الكلفة السنوية للعامل الواحد المشمول بالطبابة في الجهات العامة /4498/ ل.س سنوياً، تحدث رئيس الوزراء في اجتماع عقد في شهر شباط الماضي أمام قيادات الجبهة الوطنية عن الضمان الصحي وصدر بعد ذلك مرسوم حوله وحتى الآن لم ينفذ شيء والسؤال أي نوع من الضمان الصحي سوف يطبق ومن يتكفل بنفقاته والمخيف هنا أن يكون هذا القرار أو هذا الرسوم قد صدر لمصلحة شركات التأمين الخاصة وهذا هو الأرجح.
منذ أشهر ومع إعداد الخطة الخمسية الحادية عشرة والفريق الاقتصادي يشهد مناقشات مغلقة من أجل رفع الدعم عما تبقى من دعم، والمسألة هنا رفع الدعم عن الدقيق، أي عن رغيف الخبر، تحت يافطة إرهاق خزينة الدولة بالمليارات من الليرات السورية بسبب تهريب الطحين، وهنا تثبت الحكومة عجزها، وتحمّل هذا العجز للمواطن، وبالمحصلة سوف يدفع الاقتصاد السوري الثمن ذاته الذي دفعه مع تحرير أسعار النفط، والوقائع تقول إن زيادة أسعار المازوت محصلتها زيادة كلف الإنتاج في كل القطاعات من صناعة وزراعة ونقل وسياحة، وبالتالي انخفاض قدرة الإنتاج الوطني على المنافسة في الداخل والخارج، ما يعني إغلاق آلاف المعامل والورش وتحول أصحابها إلى تجار وسماسرة، وهذا بدوره سينتج عنه تدهور اجتماعي ومعيشي لـ/80%/ من الشعب السوري، وهم في الأساس تحت خط الفقر حسب الإحصاءات الرسمية.
ظاهرة الانقسام الطبقي
سياسة الدعم التي طبقت في العقود الماضية في سورية هي من السياسات التي ساهمت في ترسيخ قيم العدالة في المجتمع السوري، وساهمت في تحسين المؤشرات الاقتصادية، ولاسيما النمو في القطاعات المنتجة المادية الزراعية والصناعية.
والتساؤل: ألم تزل الحاجة ملحة لاستمرار الدولة في تقديم الدعم وخاصة لبعض مكونات السلة الغذائية الخبز والسكر والرز، سيما وأن من أهم مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعية كما يقول النائب الاقتصادي: تحقيق العدالة في التوزيع، والعمل بكفاءة اقتصادية في كل القطاعات، وهو الأمر الذي لا يتناقض مع أهداف سياسة تقديم الدعم.
كان للدعم السعري للمشتقات النفطية أهداف اجتماعية تتمثل في مكافحة الفقر والبطالة، أيضاً له أهداف سياسية تنسجم وتتقاطع مع الأهداف الاجتماعية حيث أن أسعاراً أقل تعني بالمحصلة منتوجاً وطنياً ذا قدرة تنافسية أعلى، وتعني أيضاً مكوناً مهماً من مكونات البيئة الاستثمارية ولاسيما في قطاع الإنتاج المادي، أيضاً فإن لسياسة الدعم هدفاً سياسياً يتمثل في تحقيق أعلى درجات الاستقرار الأمني والسياسي.
ولكن يبدو أن الفريق الاقتصادي لا يفكر إلا في تنفيذ توصيات البنك الدولي، وإذا كان يسير في سياسته تحت يافطة تخفيض العجز في الموازنة، فإن لهذا التخفيض مداخل عديدة أهمها الإصلاح الضريبي وقمع التهرب فيه ومنه، ووقف التهرب الجمركي، والفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة.
والسؤال أيضاً: أين الأهداف الاجتماعية التي تتحدث عنها الحكومة؟ أليس رفع الدعم جزئياً في الخطة الخمسية العاشرة والتفكير الآن في رفع الدعم نهائياً عما تبقى هو سياسة الصندوق والبنك الدوليين، ويعني إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، ويعني بشكل واضح زيادة تركز الثروة بأيدي قليلة في المجتمع، وتعميق ظاهرة الانقسام الطبقي فيه؟
يضاف إلى ذلك أن هذه السياسات ستجعل الاقتصاد، بل جعلته فعلاً رهناً لأمزجة المضاربين وأصحاب رؤوس الأموال، وعرضته لتلقي الصدمات الآتية من الخارج مرة تلو المرة.
رفع الدعم عن التعليم
تؤكد مقررات حزب البعث والدستور السوري على:
- تحقيق ديمقراطية التعليم وتكافؤ الفرص.
- تنفيذ سياسة التعليم الإلزامي.
- ربط خطط التعليم الفني بخطط التنمية الاقتصادية لمواجهة الحاجات المتجددة للاقتصاد الوطني، واستيعاب الطلاب جميعهم وقبولهم في الجامعات السورية.
- مجانية التعليم بدءاً من الابتدائي حتى أخر مرحلة، وقد حققت الخطة الخمسية «إنجازات» هامة جداً في هذا المجال من خلال فتح الطريق أمام القطاع الخاص ليصول ويجول في قطاع التعليم مع تبريرات مفادها عدم وجود إمكانية لدى الحكومة للتوسع في افتتاح جامعات. والآن وبعد تجربة عشرات الجامعات العربية والأجنبية والسورية الخاصة ما هي المحصلة؟
عشرات الآلاف من الطلاب يهيمون على وجوههم لعدم استطاعتهم دفع الأقساط في الجامعات الخاصة، والتي لا يهمها سوى الربح على حساب الشعب، وهذا يعني المزيد من البطالة والبؤس.. والخطير الآن أن الخطة الخمسية الحادية عشرة تتجه لرفع الدعم عن قطاع التعليم بشكل عام.. فأين يمضي بنا الليبراليون الجدد؟ وهل ستتحمل البلاد تبعات ذلك؟.