موسم الأمطار يقترب.. والهواجس والتخوفات تكبر هل من إجراءات واحتياطات لحماية البنى التحتية وتحسين جاهزيتها؟
يوسف البني يوسف البني

موسم الأمطار يقترب.. والهواجس والتخوفات تكبر هل من إجراءات واحتياطات لحماية البنى التحتية وتحسين جاهزيتها؟

في كل موسم للأمطار يعيش المواطنون ليالي ثقيلة ومفرغة خوفاً من فيضانات متوقعة، أو انقطاع للكهرباء، أو الاتصالات، أو من أزمات مرورية خانقة تسببها السيول في الشوارع أو فيضانات الإنفاق، وإن غزارة الأمطار غير المتوقعة والتي نرجو ونتوسل أن تهطل علينا لتجلب الخير والغلال الوفيرة، قد تتحول إلى عكس الغاية المرجوة منها بفضل البنى التحتية التعيسة، لأن ما حدث على أرض الواقع في السنوات السابقة يؤكد إشكالية تثير الجدل بشدة، إذ أن بضعة ميلليمترات من الأمطار كانت كافية لأن تغرق شوارعنا ومداخل أبنيتنا والأقبية السكنية في المدن السورية، وفي بداية كل فصل شتاء تتحدث السلطات المختصة عن أنها قامت بكل الإجراءات المطلوبة لمتطلبات موسم الأمطار، وخاصة تنظيف المجاري والمنافذ المائية في الشوارع كي تستوعب بالسرعة المطلوبة أي انهمار غزير للأمطار.. ولكن؟!!

 

ماض غير مشجع

ما يحدث عادة أنه مع أول قطرات المطر تغرق شوارعنا وبيوتنا وأقبيتنا، وتستمر البحيرات والمستنقعات منتشرة في الأزقة والساحات لأيام عديدة. فهل الاستعدادات والإجراءات المتخذة لهذا العام لاستيعاب مياه موسم الأمطار مناسبة؟! وهل قامت وستقوم الحكومة بما يتوجب عليها لمواجهة هذا التحدي؟! أم أن موسم الأمطار وبشائر الخير قد يتحول إلى كوارث بسبب أن المعنيين بالأمر لم يقوموا بواجبهم، ولم يؤدوا المهمات والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم على أكمل وجه؟!

فمع بداية موسم الأمطار في كل عام، تضاف هموم جديدة إلى أعباء الهموم اليومية التي يعيشها المواطنون السوريون، وتوقعاً مشتركاً يسيطر على تفكير معظمهم، وهو أن أياماً سوداء يوشكون على مواجهتها تضاف إلى الأيام السوداء التي يعيشونها، ويزداد على مَر السنوات، الخوف والتوجس من النتائج الكارثية للأمطار التي قد تهطل بغزارة جنونية، أو قد لا تهطل أبداً مسببة الجفاف والقحط وقلة المواسم... والجوع، ومع أن هطولها هو نعمة وأمنية يصلي الكثيرون لتحقيقها، إلا أنها قد تتحول إلى نقمة وخراب بيوت، إذا لم تسارع الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات والتدابير والاحتياطات اللازمة لاستيعاب أية مشكلة قد تنجم عن الأمطار وحلها فوراً.

الصرف الصحي المشكلة الكبرى

نفذت مشاريع شبكات الصرف الصحي في الكثير من المحافظات ضمن صفقات فساد وهدر للمال العام، ولم تحقق الغاية المنشودة منها في كثير من المدن والبلدات، وسببت الهطولات فيضانات في الأقبية السكنية للكثير من المنازل وفي محافظات متعددة مثل دمشق وحمص وحلب وغيرها.. وتكررت في أكثر من سنة، ولم تعمل الجهات المختصة على تدارك تجهيز البنى التحتية للحؤول دون تكرار المشكلات نفسها في العام التالي، وكأن البنى التحتية في سورية مجهزة لفصل الصيف فقط دون موسم الأمطار، وقنوات الصرف الصحي والمشاريع التي نفذت لهذا الغرض والتي صرح الكثير من المسؤولين أنها بحالة جيدة وتحقق الهدف المنشود منها أثبتت خلاف ذلك عدة مرات، حيث فاضت الكثير من القنوات بالمياه الآسنة أو حتى النظيفة منها، وغمرت الشوارع والأقبية وتحت الجسور وفي الأنفاق.

وهناك بعض الأودية والمستنقعات في مناطق متفرقة مازالت مكشوفة وتحمل المخالفات بشكل يسبب  إزعاجاً وتلوثاً بيئياً كبيراً وخطراً على صحة المواطنين ومبعثاً للروائح الكريهة في فصل الصيف، ومع موسم الأمطار تتحول إلى مستنقعات آسنة أكثر تلوثاً وأشد خطراً، وتصبح الأمطار مصدر نقمة بدلاً من أن تكون مصدر نعمة.

وأثبتت السنوات الماضية أن الكثير من شوارعنا وأحيائنا في مختلف المدن والبلدات مهددة بالفيضانات عند هطول الزحات الغزيرة غير المتوقفة، لأنها لم تدخل في حسابات المخططين والمنفذين لمشاريع البنى التحتية، ولم تكن هناك أية احتياطات أو إجراءات لتفادي المشكلة، رغم الوعود والتصريحات التي دائماً ما يأتي موسم الأمطار بخلاف مضامينها. فقد ذهبت أدراج الرياح المبالغ الخيالية التي صرفتها الحكومة على مشاريع الصرف الصحي الذي تم تنفيذه في كل المحافظات السورية، بسبب تعهيد المشروع لمتعهدين فاسدين وشركات القطاع الخاص التي نفذت المشاريع دون دراسات صحيحة، وبتنفيذ غير مُجدٍ، بعيداً عن الرقابة والمحاسبة، علماً أن هناك شركات إنشائية في القطاع العام تملك الإمكانات والمعدات اللازمة لتنفيذ المشروع، وكان من الممكن أن تسهم العائدات المصروفة بتقوية هذه الشركات وتنميتها والحفاظ عليها من الانهيار، بدلاً من تكديسها في جيوب المتعهدين وحيتان المال من القطاع الخاص، وقد ظهر سوء التنفيذ عندما لم تعمل مصارف المياه على استيعاب مياه الأمطار، وفاضت المجارير، وتكبد المواطنون خسائر كبيرة في ممتلكاتهم، وغرقت الكثير من الشوارع والأحياء بالوحول والمخاضات النتنة.

الكهرباء والاتصالات تشاؤم يرافق الخير

اعتدنا دائماً أن تترافق مواسم الخير بوقع أليم وكارثي على المقومات الرئيسية للبنية التحتية الخدمية في سورية، وتتضرر شبكات الكهرباء والاتصالات، وبات من المؤشرات الهامة والخطيرة على ضعف البنية التحتية والتخلف عن مواكبة التطور، وقصور الخطط التنموية التي لا تراعي الزيادة الطبيعية في عدد السكان، الأزمة الكبيرة في قطاع الكهرباء والطاقة، والانقطاعات المستمرة بسبب الأعطال الناتجة عن الحمولات الزائدة، أو برامج التقنين المترتبة على عدم كفاية الطاقة المولَّدة للاستعمالات اليومية العادية، وخاصة عندما تتذرع الحكومة بأن المواطنين يستخدمون الكهرباء للتدفئة.

وعند انهمار المطر قد يعيش المواطنون في مختلف المناطق ساعات طويلة في ظلام دامس أو انقطاع كامل عن كل مقومات الحضارة، وقد تحدث تماسات خطيرة في شبكة الكهرباء وتؤدي إلى حوادث مؤسفة، وهذا قد حدث أكثر من مرة أصيب فيها مواطنون بأسلاك الكهرباء وأودت بحياة البعض منهم، وهذه التماسات نفسها قد تسبب تماسات وانقطاعات في خطوط الاتصالات ما يجعل الناس يعيشون في عزلة تامة وغربة قاتلة، وتدعي الحكومة في موسم الأمطار أن سبب الانقطاع الكهرباء هو استخدام المواطنين للكهرباء في التدفئة، وقد يكون هذا جزءاً صغيراً من المشكلة، ولكن المشكلة الرئيسية هي في التنفيذ السيئ لشبكات التوصيل وغرف التفتيش للتمديدات الرئيسية للكهرباء والهاتف، وانعدام الصيانة لمحطات التوليد والتحويل، وعدم كفاءة الطاقة المولَّدة أساساً، وعدم تناسبها مع الاحتياجات الحقيقية للحياة اليومية للمواطنين بسبب القصور الكبير في التخطيط والتنفيذ الذي لم يأخذ بالاعتبار تزايد الاحتياج إلى تطوير الخدمات، بما يتناسب مع  الزيادات السكانية والعمرانية، أو بسبب الفساد الذي يذهب بالميزانيات المرصودة سنوياً لتحسين خدمات البنى التحتية وتطويرها وليس هناك من يحاسب أو يطالب بالتنفيذ ويراقب ما أنجز وما لم ينجز!! وها هو موسم المطر والخير على الأبواب فهل ستضع الحكومة في حساباتها المشكلات التي حصلت في المواسم السابقة وتعمل على تفاديها قبل وقوعها؟!

تضرُّر الشوارع والطرقات وكثرة الحفر

صحيح أن الآراء والمواقف مما ينتظرنا مع حلول الأمطار لم تتبلور بعد، إلا أن هناك تخوفاً وقلقاً وتساؤلات كثيرة تشغل بال المواطنين، وهي تخوفات مبررة نتيجة ما واجهوه من مشاكل ومصاعب رافقت مواسم الأمطار الماضية، وقد رصدت «قاسيون» بعضاً منها في دوما وحرستا والمليحة:

ـ المواطن حسام السمان قال: «مع أن موسم الأمطار قد اقترب كثيراً إلا أن الكثير من الشوارع في بعض المناطق الشعبية لم يتم تخديمها بطبقة إسفلتية (قميص)، وخاصة بعد حفرها وتخديمها بخطوط الصرف الصحي، حيث مازالت الأتربة والغبار تغطي الكثير من الشوارع، وهناك شوارع تم شقها حديثاً، ومع أول زخّة مطر فإننا نغوص في الأوحال حتى الركب».

ـ المواطن عادل ب قال: «أصبحنا نكره فصل الخير والمطر بسبب الأوحال والمغاصات الكبيرة التي تقلق راحتنا وتجعل عيشتنا «بهدلة في بهدلة»، وكل واحد يرمي المسؤولية على ظهر غيره، وقد طافت خطوط الصرف الصحي عند موسم الشتاء الماضي، فهل سنتعرض إلى هذه البهدلة هذه السنة أيضاً؟».

ـ المواطن مأمون الحلاق قال: إن الكثير من الشوارع تملؤها الحفر والتموجات والانتفاخات الحاصلة من تداخل الزفت والتراب والوحل بعد تمديد شبكة الصرف الصحي، وحتى اليوم لم تتم صيانة الشوارع والحارات بطبقة إسفلتية (قميص)، ومع اقتراب موسم الأمطار يزداد قلق المواطنين من مستنقعات الوحل والطين التي تعم معظم الشوارع، والمشكلة الأكبر التي نعاني منها عند هطول الأمطار بغزارة هي مشكلة انقطاع الكهرباء وشبكة الهاتف الأرضية، فنحن نعيش كأننا معزولون تماماً عن العالم الخارجي، وكأننا لسنا من هذا الوطن».

نعم، هكذا وبعيداً عن كل أشكال الحضارة والتطور تغرق شوارعنا بالوحول والفوضى والاضطرابات بسبب التنفيذ السيئ لمشاريع التعبيد والتزفيت الذي ما تلبث أن تظهر بعدها مباشرة الحفر والتموجات والانتفاخات في هياكل الطرق، وليس هناك من يراقب أو يحاسب أيضاً، فالفساد حتى هنا يمنعنا من الاستمتاع ببوادر الخير وتباشير الغلال الوفيرة ويحولها إلى نقمة نكره أن نشهدها، لأننا مع أول زخة مطر نغوص في الأوحال حتى الركب، وأصبحنا نكره فصل الخير والمطر بسبب الأوحال التي تقلق راحتنا وتجعل عيشتنا «بهدلة في بهدلة».

الاختناقات المرورية مشهد إضافي لأزمة الخير

تغص شوارعنا بالأعداد الهائلة من السيارات التي تم ضخها إلى الشارع في مخطط غير مدروس، فمع أن السيارة قد أصبحت من الاحتياجات الضرورية لكل مواطن، ومن الأساسيات لحياته اليومية في عمله وبيته وتنقلاته، إلا أن جدوى استيعاب شوارعنا لهذه الأعداد المتزايدة من السيارات غير ممكنة، وغير مخصصة لذلك، وغير مدروسة أصلاً لتتماشى مع النمو السكاني والعمراني وتزايد الاحتياجات الضرورية للمواطنين، هذا التهميش أدى إلى وقوع الكثير من الأزمات، وأهمها اختناق الشوارع بالأعداد الخيالية من السيارات حتى في الأوقات العادية، ولكن مع قدوم موسم الأمطار تتحول الأزمة إلى كارثة حقيقية، فالسيول التي تملأ الشوارع والأنفاق تؤدي إلى اختناقات أكبر وأزمات مرورية وعرقلة تكاد تصل حد حالات الطوارئ، وهذا حصل في العام الماضي في نفق الثورة مثلاً، وفي النفق القديم الموجود تحت بداية طريق المطار الدولي عند ساحة حسن الخراط (دوار البيطرة سابقاً)، الواصل إلى مفرق الدويلعة، وهذان المركزان اللذان حصل فيهما الاختناق المروري وغيرهما من نقاط المرور الهامة، هي نقاط اكتظاظ دائم وازدحام مروري حساس يجب دراستها وتأهيلها لاستيعاب الأزمات الطارئة بحل مشكلة الفيضانات والسيول الناجمة عن المطر حلاً جذرياً.

قبل أن تقع الفأس بالرأس

هذه بعض تخوفات وتوجسات مواطنينا في سورية، بلد الخيرات والعطاء، تعيش عصراً من الاضطراب والقلق والعزلة، فمتى كان أهلها يخافون مواسم الخير والمطر؟!

إن «قاسيون» تضم تخوفها وتساؤلها لما أبداه بعض المواطنين، وتطالب باتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة قبل وقوع وتكرار ما خبرناه في كثير من الأعوام السابقة، وإن من حقنا الحصول على الخدمات التي ندفع الضرائب من أجلها، وليس فقط من أجل ذلك، بل من أجل جمالية مدننا ووجهها الحضاري. يجب تزفيت الشوارع المحفّرة بطبقة إسفلتية (قميص) قبل هطول الأمطار، كي لا يصبح من المتعذر حينها عمل ذلك. ويجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتوفير الطاقة الكهربائية الكافية لتأمين احتياجات المواطنين المتزايدة، وإجراءالصيانة اللازمة لغرف التفتيش والتوصيلات الرئيسية للكهرباء والهاتف.

إن «قاسيون» إذ تطالب بكل ذلك تعلم علم اليقين أن ليس هناك من عائق، لأن الإمكانيات اللازمة متوفرة وبانتظار الفعل فقط، وإن في تأمين ذلك خدمة كبيرة للمواطن، ومظهراً جيداً من مظاهر الحضارة والحداثة، وحفظاً لكرامة الوطن والمواطن.