مستقبل في مهب الريح..
يعاني الموفدون في وزارة التعليم العالي لإكمال دراستهم العليا في بلاد أوروبية عدة من الضبابية في معرفة ما سيؤول إليه حالهم، وماذا سيكون عليه مستقبلهم!! حيث تم تجميد قرارات الإيفاد الخارجي منذ شهر شباط 2011 ولغاية شهر 8 آب 2012، مع تسريبات حول تحويل هؤلاء الموفدين إلى الإيفاد الداخلي أو تحويلهم إلى المنح التي تقدمها دول أجنبية مثل (الصين، الهند، إيران، روسيا). دون البت بأمرهم حتى هذه اللحظة!.
المعاناة التي يتعرض لها الموفدون (بعثات علمية ــ معيدون) يكمن في الأمور التالية:
ـ معظم الموفدين المعلق قرار إيفادهم هم من البعثات العلمية التي صدرت في عام 2010 أو من المعيدين الذين تم تعيينهم في السنة نفسها تقريباً.
ـ معظم موفدي البعثات المعلق إيفادهم هم من الموفدين إلى الدول الأوروبية، وهذا الإيفاد تم من الوزارة نفسها وليس من اختيار الطالب، وهناك العديد من الطلاب الذي كان إيفادهم إلى دول أخرى مثل روسيا أو غيرها، ولكن وبسبب إشكاليات بين الوزارة والجهة الروسية، لم يقبل الطلاب السوريون هناك، وبالتالي تم تحويلهم إلى دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وهذا ما أدى إلى تأخير هؤلاء الطلاب بشكل إجباري بسبب عدم دراسة وضع البلد وإمكانية الإيفاد قبل إصدار قرار الإيفاد.. وعليه فإن هؤلاء الطلاب تأخروا في الالتحاق بدورة اللغة بناء على القرار الذي ينص على تعلم لغة البلد الموفد إليه، وبالتالي فقد تأخروا سنة كاملة إلى أن تقرر وضعهم، والسنة التالية بعد أن التحقوا بدورة اللغة الفرنسية أو الألمانية أو غيرها، وقد صدر قرار تعليق الإيفاد وانتشرت التسريبات ذاتها حول تحويل الإيفاد أو الإيفاد الداخلي، وعندما حاول الموفدون معرفة حقيقة الوضع لمعرفة ما سيؤول إليه مصيرهم، ولكي يستطيعوا اتخاذ قرار أو اتخاذ أي إجراء آخر يتعلق مصيرهم.
لطالما تساءل الموفدون عن مصير إيفادهم، وكان رد الوزارة دائماً هو أنه لا يوجد أي شيء واضح، مع مطالبة الطلاب ببلوغ مستوى اللغة المطلوب بعد 9 شهور من دراسة اللغة، وهذا المستوى وبحسب تقدير أساتذة اللغة الذين درسوا طلاب الإيفاد هو مستوى عال جداً، ولا يمكن للطالب أن يحصل عليه خلال 9 شهور، وعلى الرغم من الكتب العديدة التي رفعها الطلاب إلى وزير التعليم العالي لتخفيض مستوى اللغة، إلا أن الوزير أصر على قراره وكان الشرط لإيفاد الطلاب إلى الدول الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بلجيكا) إحضار مستوى اللغة، وعلى هذا الأساس التحق الطلاب الموفدون بدورة اللغة لعام 2011 ــ 2012 واجتهدوا في الدراسة، وعملوا في الوقت نفسه على مراسلة الجامعات في الدولة الموفدين إليها لتأمين القبولات الجامعية، وقاموا بكل الإجراءات المطلوبة منهم ليستطيعوا أن يحصلوا على قرار إيفادهم ويلتحقوا بالعام الدراسي 2012 ــ 2013، ولكن على الرغم من كل الصعوبات والضغوط النفسية التي مر بها هؤلاء الطلاب وكل التسريبات التي ظهرت وانتشرت حول عدم الإيفاد وعدم جدوى دراسة اللغة (الفرنسية، الألمانية، الانكليزية) لأنه لن يتم إيفادهم إلى هذه الدول، فإن العديد من هؤلاء الطلاب ثابروا في دراستهم، وعندما أنهوا الشهور التسعة من دراسة لغة البلد الموفدين إليه، سافروا وخاطروا بحياتهم في هذه الأوضاع الأمنية الصعبة وسافروا إلى الأردن لتقديم الامتحان الرسمي المطلوب منهم، حيث أن جميع المراكز الثقافية الأوروبية في سورية مغلقة والطلاب يضطرون للسفر إلى بلدان مجاورة لتقديم الامتحانات الرسمية التي تطلبها الوزارة، والتي لم تراع كل هذه الظروف ولم تعر إنتباهاً لها، واستمرت في مطالبتها للطلاب بمستوى اللغة دون أن تصرح بنواياها حول ما تريده أن تفعله بهؤلاء الطلاب.
(م.س) أحد الطلاب الموفدين الذين اتبعوا دورة اللغة الفرنسية لعام 2011 ــ 2012 لمدة تسعة شهور، وهو معيد في كلية الفنون الجميلة في السويداء وقد اتبع دورة اللغة بعد أن أمن قبولاً جامعياً من فرنسا، يقول: «لقد تم تعييني كمعيد في نهاية عام 2009 وباشرت عملي في كلية كمعيد وفي هذه الأثناء بدأت أراسل الجامعات في فرنسا لتأمين قبول منها وقد استهلك مني الكثير من الوقت والجهد حتى استطعت تأمين قبول جامعين لعام 2012 ــ 2013، وبناء عليه قدمت أوراقي لرئاسة الجامعة بدمشق وتم إلحاقي بدورة اللغة الفرنسية للموفدين لعام 2011 ــ 2012 تمهيداً لإيفادي إلى فرنسا بعد حصولي على مستوى اللغة المطلوب، وعلى الرغم من كل الصعوبات التي واجهناها للحصول على المستوى المطلوب لقد استطعت في النهاية الحصول عليه، ومع ذلك فأنا الآن لا أعرف ما هو مصيري بعد كل هذه السنوات التي قضيها تحضيراً لأسافر وأكمل دراستي».
(ل.ح) إحدى الطالبات الموفدات إلى ألمانيا، أتمت جميع أوراقها المطلوبة وحصلت على الفيزا إلى ألمانيا بعد أن صدر قرار إيفادها الخارجي، وها هي الآن تنتظر منذ شهر شباط الماضي (حوالي 6 ــ 7 شهور) ليصدر قرار بتحويل الإيفاد!.
(ن.ع) طالبة فنون مسرحية موفدة، صدر قرار بعثتها عام 2010 إلى إيطاليا وبعد إجراء الأوراق المطلوبة والتحاقها بدورة اللغة الإيطالية بحسب إجراءات الوزارة، لم يتم إدراج اسمها في الاتفاقية الإيطالية، وعليه لم تستطع أن تؤمّن القبول الجامعي في اختصاصها، وبعد أن أنهت دورة اللغة الإيطالية لمدة تسعة شهور خيرتها الوزارة أن تبقى على بلد الإيفاد (إيطاليا) بشرط أن تؤمن قبولاً جامعياً على مسؤوليتها الشخصية، وهذا ما ليس ممكناً لعدم توفر اختصاصها في جامعات إيطاليا، أو أن تغير بلد الإيفاد وتحصل على القبول الجامعي ومستوى اللغة على عاتقها الشخصي وبتكلفتها المادية الشخصية.. وفعلاً استطاعت (ن.ع) تأمين قبول جامعي من جامعة فرنسا وعملت على دراسة اللغة وحصلت على المستوى، وها هي اليوم بعد سنتين من دراسة اللغات والقيام بإجراءات بروقراطية كثيرة وأوراق رسمية، مهددة بأن يتم تحويل إيفادها للمرة الثانية وتضييع عامين آخرين في التحضير قبل أن يتم إيفادها الخارجي.
كل ذلك كان بسبب عدم التخطيط المدروس من الوزارة عندما أصدرت قرار البعثات دون الاتفاق مع الدولة الموفد إليها على نوع الاختصاص.
أما من جهة الوزارة فعندما سأل الطلاب عن سبب التوجه لعدم الإيفاد إلى أوروبا كان الجواب بأن هناك صعوبات كبيرة في إيصال رواتب الموفدين للدول الأوروبية بسبب العقوبات على سورية، وصحيح أن هناك صعوبات كبيرة، ولكن الحل لا يمكن أن يكون في منع الإيفاد إلى أوروبا، فهذا حل غير واقعي على الإطلاق، حيث أنه لا يمكن إنكار أن الدول الأوروبية والجامعات الأوروبية هي من أهم الجامعات في العالم وعليه فإن بناء وتعليم الكوادر العلمية المستقبلية في الجامعات الأوروبية يعني المؤسسة التعليمية في سورية ويرفع من مستواها، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في بلدان أخرى لا تتمتع جامعتها بامتيازات وكفاءات علمية قادرة على تخرج كوادر علمية بشهادات عليا يمكن الاعتماد عليها في جامعاتنا. لذلك ضمن هذه المعطيات يمكن إيجاد حلول بديلة لإرسال رواتب الموفدين في أوروبا، كأن يوكّل كل موفد شخصاً من أفراد عائلته ليستلم عنه راتبه ويرسله بشكل شخصي وهو أمر ممكن جداً؛ أو أن يتم تسليم عدة رواتب مع بعضها كل ستة أشهر للطالب نفسه في سورية فيمكن للطالب في هذه الحالة أن يأتي في إجازته إلى سورية ويستلم رواتبه سلفاً.
في النهاية، نطالب وزير التعليم العالي للنظر في أمر هؤلاء الطلاب الموفدين وندعوه لإصدار قرارات الإيفاد الخارجي لكل طالب استوجب كل الشروط المطلوبة منه وأوراقه جاهزة لكي يسافر ويلتحق بالجامعة للعام 2012 ــ 2013، وذلك حرصاً منا على المؤسسة التعليمية واستمراريتها للتتطور و تنمو وتساهم في بناء الوطن وحمايته من هجرة العقول أو انتشار الجهل والتخلف في المجتمع نتيجة تراجع دور التعليم وتراجع دور الدولة في حماية حق التعليم لكل أبنائها.