يحدث في الســــــويداء...
• «الشعب السعيد» يهنّئ بعضه على الطوابير.. مع كل ربطة خبز وكل كيس رز أو سكر، ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر دخل البنزين في مسببات البهجة للناس، قوائم الأقرباء والأصدقاء والأحبة طويلة وبمجرد أن يرد الخبر عن قدوم المادة إلى إحدى المحطات تبدأ الاتصالات والنخوات، و«الشعب السعيد» يهوى الانتظار والليل والسهر لذا يتم تقسيم المهام بين مواد العشاء الخفيف الشهي والبزر وحتى الأركيلة، أما المتة والتبّولة فللمترفين فقط.. نتندر بقصص الانتظار ونهنّئ بعضنا ونتواعد أننا في الغد سنراقب المحطة الأخرى، فقد سمعنا تسريبات...!
كم يسعدنا البنزين في حياتنا...!
• « أدخل الباص وأجد معظم الركّاب جالسين على الكرسي البعيد عن الشبّاك، ومن يصل متأخراً سيقبل بحظه العاثر فلا مجال للنقاش هنا. أتفهم أن الجميع يخاف من القنص على طريق دمشق السويداء وشخصياً لا أهتم كثيراً بذلك. أجلس قرب «شبّاك الموت المحتمل» على يمين الباص _ تلك الجهة المشؤومة للجميع_ وأنا حقاً متعب وأرغب بغفوة طوال الرحلة، أرجع كرسيي قليلاً إلى الخلف... فيرجع من بجنبي الكرسي بنفس المقدار تماماً.. ويرجع الآخرين على الجهة اليسارية كرسيهما أيضاً بالمثل.. أحرك الكرسي للأمام أو الخلف فيحركونه ليظلوا موازين لي تماماً.. أشعر أن في الأمر وقاحة حتى يعبّروا بهذا الوضوح أنه من المفترض أن أموت أنا وليس هم، لأني أجلس بقرب الشبّاك...!» يقول «عروة» الطالب الذي يكثر السفر على طريق عادي بمخاطر عاديّة.
• يعود كل ثلاثة أو أربعة أيام إلى بيته في زيارة قصيرة، ثم يعود إلى دوامه في إحدى المراكز الطبيّة في مدينة درعا. تعود على واقع أنه قد يموت في أي يوم عادي من حياته منذ سنتين، وتعوّد وأهله وزوجته على الأمر أيضاً. في الأشهر الأخيرة باتت زياراته القصيرة حتمية ومتكررة أكثر رغم المخاطر التي يعانيها في كل مرّة، لكن لا خيار آخر، فتلك الزيارت تعزز مصادر الغذاء للعائلة من الخضار والفواكه وبعض المواد التموينية الضرورية التي يحضرها معه، ببساطة لأن الأسعار هناك.. في البعيد البعيد.. في مدينة درعا، أقل بكثير مما هي في السويداء، يقول أنه ورفاقه _وهم كُثُر_ اعتادوا هذا الروتين الجديد، ويعلّق بحسرة: « حتماً لا أتمنى لمدينتي المعاناة التي يعانيها الناس في درعا بسبب الأوضاع الأمنية الرديئة، لكن يعصب عليّ تفسير كيف أن المدينة التي ينعم فيها جهاز الدولة بكل الوقت والإمكانات والطمأنينة لضبط النهب والفساد هي المدينة التي تعاني من أكبر معدّلات السرقة وانفلات الأسعار واحتكار المواد..وكأن قوّة خفية تعاقب السويداء لذنوب وأشياء أخرى!».