من الذاكرة : مازلنا في رحابه
كان الشيوعيون الأوائل زمن الاحتلال الفرنسي يواكبون ذكرى موقعة ميسلون الخالدة، فيزورون بطاحها، ويقفون في المكان الذي سطرت على ترابه تلك الملحمة المشرفة، فينشدون نشيدها الذي أبدع كلماته الرفيق الشاعر قبلان مكرزل، يستحثون همم الرجال ليحققوا بتضحياتهم جلاء الغاصبين وقد عدت بالذاكرة إلى كلماته التي كنت أحفظها، فلبتني الذاكرة:
«هنا ميسلون، فعوجوا نحيي جميعاً ثرى ميسلون
هنا استبسل العرب ضد الغزاة هنا استشهد الباسلون
فكان لجيش الغزاة انتصار ونير علينا جديد
وكان على الشعب إما الخنوع وإما النضال العنيد».
وكان النضال العنيد، وتحقق الجلاء الكامل للقوات الفرنسية والانكليزية، وكان لرفاقنا قسطهم في هذا الإنجاز الرائع مما دفع الكثيرين إلى تسمية حزبناوعن جدارة حزب الجلاء.
إن التاريخ لم يذكر أن وطناً من الأوطان استطاع أبناؤه أن يدفعوا عنه الأخطار باستدرار عطف الآخرين، بل بالنضال والتضحيات وهذا ما جهر به الرفيق خالد بكداش عام 1933 أمام زعماء الكتلة الوطنية في اجتماع شعبي حاشد «أرونا شعباً نال استقلاله بالاتفاقات والمعاهدات؟» وفي عام1936 وتحت ضغط الثورات والمظاهرات والاضرابات المستمرة لسنوات رضخ الفرنسيون ووقعوا مع الوفد السوري المفاوض في باريس معاهدة ما لبثت فرنسا أن وضعت في طريق تنفيذها كل العراقيل، وفي عام 1945 انتهت الحرب العالمية الثانية، إلا أن قوات الاحتلال الفرنسي واصلت عدوانها الهمجي على المدن السورية، وفي 29 أيار من العام ذاته أمطرت دمشق بحمم الطائرات والمدفعية واقتحمت مبنى البرلمان السوري مرتكبة مجزرة وحشية أودت بحياة حامية البرلمان، ومثلت بجثثهم، ومنهم الرفيق الضابط «الطيب شربك»، وعلى الرغم من كل الآلام والمآسي بقيت سورية وبقيت الفيحاء:
«أنت يا فيحاء أصل الأصل... أنت الكبرياء... عصفت في ساحك الريح العتية... كل بيت في الوطن... عبّ المرارة... صدّعت أركانه حمّى القنابل... راهنوا الهامات تعنو... وجياد العز تكبو... يابلادي ألف هولاكو غزاكِ... ألف تيمورٍ غزاكِ... وتواروا في سراديب الظلامِ... وانتصرتِ»
لقد واصل شعبنا كفاحه الوطني إلى أن أجبر المحتلين على الجلاء الكامل عن أرض سورية البطلة في 15 نيسان 1946، واحتفلت بلادنا في السابع عشر من نيسان بالحرية، وأصبح ذلك اليوم عيداً وطنياً.. بل عيد أعيادنا الوطنية.
لكن الأيام الصعبة لم تنته بحلول الجلاء، إذ أن شعار الدفاع عن الاستقلال ضد المستعمرين الذين خرجوا من الباب وفي نيتهم أن يعودوا من الشباك,شعار الدفاع عن لقمة الشعب وكرامته، وبناء سورية الحرة الديمقراطية المزدهرة الموحدة أرضاً وشعباً، وضع أمام القوى الوطنية دون استثناء مهمات واجبة التحقيق فالنداء الذي أطلقه قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش عام1925 «أيها السوريون» مازال يدوي في أسماعنا «إن الوطن يناديكم» وكما لباه الثوار الأحرار, وحققوا جلاء المستعمرين الفرنسيين والانكليز، فعلى جميع الوطنيين اليوم أن يلبوا نداء الوطن في خوض معركته ضد كل أعدائه، وفي مقدمة المهمات الراهنة الإسراع إلى الحل السياسي، وإلى المصالحة الوطنية، وعزل وكسر جميع الأطراف المتشددة التي تعيق هذه العملية بأدوات مختلفة تمتد من «التشبيح إلى التدبيح» وما بينهما من أدوات إعلام خارجي وخاص أوشبه رسمي، ومن سرقات وتعديات على حياة الناس وكراماتهم، وقد أصبح واضحاً إسهام قوى الفساد في إعاقة هذه المهمة، وبخاصة تلك التي تتلطى داخل جهاز الدولة، ولا تتوقف عن توجيه الطعنات للشعب السوري وللحل السياسي على حد سواء. وكما قال حزبنا حزب الإرادة الشعبية:
إن قداسة الدماء السورية التي تسفك, والمصالح الوطنية العليا، تضع أمام القوى الوطنية مهمة أساسية تكمن في الضغط للإسراع في الحوار الوطني الجدي كأداة وحيدة للحل السياسي وصولاً إلى المصالحة الوطنية، وبالتالي قطع الطريق على كل أشكال العنف.