«لعيونك يا مدعوم».. وزير ومحافظ يتجاوزان مرسوماً جمهورياً بحجج واهية: جرّة قلم جعلت من مسجد.. مسكناً!
القانون جميل إن طبق، والأجمل من ذلك أن يستظل تحته الجميع القوي قبل الضعيف والمتنفذ قبل البسيط، قبل المواطن المسكين، وتنتفي عندها المحسوبيات...لكن المحسوبية جعلت المسؤولين في كل من وزارة الأوقاف ومحافظة دمشق يعملون جاهدين للتحايل على القانون وتحويل الصفة العمرانية لعقار من مسجد إلى سكن، تارة بتشكيل لجنة على الورق وتارةً أخرى بعرض الموضوع على مجلس المحافظة الذي بعض قراراته تؤخذ بالإجماع ولكن ترمى خلف الظهر ولا يعمل بها..
أسئلة كثيرة تدور في ذهن الصغير قبل الكبير مفادها: لماذا بات تجاوز القانون أو التحايل عليه أو القفز فوقه سمة شبه عامة لدى المسؤولين، ولاسيما في محافظة دمشق، وتحديداً ما يتعلق منها بعمل التنظيم والتخطيط؟!
هناك قرارات وتجاوزات يتم تمريرها بغطاء واهن، أو حتى دون غطاء، ومع ذلك تمر دون حسيب أو رقيب، ليبقى كل صوت يخالفها خافتاً أمام علو صوت المخالفين، وليس ذلك بحجة القانون التي يفترض أن تكون هي المانعة الرادعة، بل للأسف بسلطة التجاوز والالتفاف، بل وحتى عبر مبررات هشة أقل ما يقال فيها إنها (تضع العقل بالكف)، والأنكى أن محاولة التنصل من أية تبعية، وإلقاء الكرة في ملعب جهات أخرى ذات صلة، تبقى السمة الأبرز في محاولة للتنصل من المسؤولية واللامبالاة التي قد تصل أحياناً إلى حد استغباء الآخرين!.
قضية جامع الغزالي في مشروع دمر هي مثال حي على ما نقول، ومن البداية، تقول الحكاية يا سادة يا كرام إن هناك قطعة أرض في منطقة مشروع دمر، وفي الجزيرة 14 تحديداً، تعود ملكيتها إلى وزارة الأوقاف وتم تخصيصها لتشييد مسجد، وهذا مثبت بالمخطط التنظيمي التقسيمي رقم 74، والمصدق بالقرار 123/م د تاريخ 13/7/2005.. وبما أن قطعة الأرض المذكورة كانت خالية، فقد تم استخدام جزء منها من أحد القاطنين، والذي قام بتنفيذ طريق وجدار استنادي يصل من الطريق العام إلى مدخل (الكتلة 2 جهة آ)، ليسهل عليه الوصول إلى شقته، وذلك قبل أن يتم تخصيص هذه الأرض لبناء المسجد... إلا أنه (من قام بالمخالفة) تعهد بكتاب رسمي مصدق لدى الكاتب بالعدل وموجه إلى مديرية الأوقاف بالتنازل عن هذه المخالفة فور البدء بتشييد الجامع، أي تم التغاضي عن هذا الإجراء رغم أنه تعد على الأملاك العامة.
كتب رسمية ولكن؟
قامت إدارة تجمع دمر السكني بتوجيه كتابين رسميين إلى مديرية أوقاف دمشق، وذلك لاستلام الموقع المخصص لبناء المسجد في 19/8/2000، والى محافظة دمشق (دوائر الخدمات) لإزالة المخالفة ولكن أزيل جزء منها على استحياء.
وقد تقدم أحد المحسنين بطلب ترخيص إلى وزارة الأوقاف متبرعاً بتشييد الهيكل الإنشائي لجامع الإمام الغزالي على المقسم 18 الجزيرة 14، وعلى نفقته الخاصة، متعهداً بالالتزام بالمخططات المعتمدة أصولاً من مديرية الشؤون الفنية بوزارة الأوقاف، وتحت إشرافها ومسؤوليتها، وبناء على ذلك منح الترخيص.
قرار مفاجئ
وبعد أن تم البدء بالعمل وتم تنفيذ كامل البنية التحتية، والتي سبقتها الموافقة على مخطط الجامع، وبعد القيام بكل ما تتطلبه أعمال البناء وتم صرف ما يقارب 7 ملايين ليرة سورية، وبينما كانت الأعمال تجري بسلاسة وعلى قدم وساق، فوجئ القائمون على العمل بقرار محافظة دمشق (عن طريق دائرة خدمات دمر) بإيقاف أعمال البناء دون تبرير واضح أو مقنع، فقامت وزارة الأوقاف وبكتابها رقم 483/4/6 تاريخ 26/5/2010 بالطلب إلى المحافظة بضرورة الإيعاز إلى دائرة خدمات دمر بعدم الممانعة باستكمال أعمال البناء، إلا أن محافظة دمشق لم تكتف بإيقاف العمل بل عرضت الموضوع على المكتب التنفيذي، مقترحةً الموافقة على إعلان المخطط التفصيلي التقسيمي رقم 74/1/ج14، وتعديل الصفة العمرانية للمقسم 18 من جامع إلى سكني، بما يتجاهل القانون رقم 9 الصادر عن رئاسة الجمهورية تاريخ 27/1/1974، والمقر من قبل مجلس الشعب والذي تنص المادة 14 منه الفقرة ب بعدم جواز تغيير صفة (المشيدات العامة والمقاسم المخصصة لبناء مدارس ومعابد فلا يجوز تغيير صفتها..).
قرار مجلس المحافظة حبر على ورق
طرح هذا الموضوع في مجلس محافظة دمشق في دورته العادية الخامسة والأخيرة، ولاقى معارضة من قبل جميع أعضاء مجلس المحافظة بعدم تغيير الصفة العمرانية لمسجد الغزالي إلى سكن خاص، وأن التبرير الذي ورد على لسان مدير التنظيم والتخطيط العمراني يندرج تحت بند المضحك المبكي، أو إن شئتم تحت مسمى (صدق أو لا تصدق).
علماً أن عدداً من الزملاء الإعلاميين كان حاضراًً الجلسة وسمع رد مدير التنظيم، والذي أكد موافقة وزير الأوقاف على تعديل الصفة العمرانية من مسجد إلى سكن، وتحويل الأرض لتشييد أبنية للمنذرين بالهدم وفقاً لما طلبه وزير الأوقاف؟ مشيراً إلى أن الأرض لا تصلح لبناء مسجد نظراً لوجود فروق في مناسيبها..!
فماذا كان رد وزارة الأوقاف؟
المهندس محمود خباز مستشار وزير الأوقاف أكد أن الوزارة تشجع على بناء المساجد ولكن فيما يتعلق بمسجد الغزالي فقد عقد اجتماع بين وزير الأوقاف ومحافظ دمشق، وكانت نتيجته أن طلب المحافظ موافقة الوزارة على تعديل الصفة العمرانية للمسجد، ووعد بتأمين قطعة أرض أخرى في المنطقة ذاتها لبناء مسجد، ولفت إلى أن وزارة الأوقاف غير معنية من ناحية التخطيط والتنظيم بل إن محافظة دمشق هي المعنية أولاً وأخيراً.
وعلمنا من مصادر في محافظة دمشق أن وزير الأوقاف طلب من المحافظ وبكتاب رسمي الموافقة على تعديل الصفة العمرانية وتحويل العقار إلى سكن لطلاب الدراسة الشرعية، وتم عرض هذا الكتاب على المكتب التنفيذي الذي أحاله إلى لجنة الإنشاء والتعمير المنبثقة عن مجلس محافظة دمشق، إلا أن اللجنة لم توافق على التعديل وفي حاشية على كتاب موجه إلى عضو المكتب التنفيذي لتبيان أسباب وقف العمل ذكر في الحاشية أن هناك شكوى مقدمة من ثمانية أشخاص من القاطنين في المنطقة يطلبون تحويل الأرض إلى حديقة بحجة عدم القدرة على بناء المسجد في المقسم نفسه نظراً لضعف التربة!.
سباق في القرارات وأسرار خفية!ّ
وهكذا.. كتب من هذا إلى ذاك وسباق محموم لاستصدار قرار التعديل وتبريرات تجعل القائمين على هذا العمل في قائمة المدانين، وتفتح المجال لتساؤلات وتساؤلات تجعلنا نطالب محافظة دمشق بعدم الاستخفاف بعقول الآخرين واحترام قرارات وقناعات ورؤى المجلس الذي يمثل شرائح المجتمع كلها، ومع ذلك نجد أن في كل تبرير إدانة و..
وهنا نقول أياً كانت الجهة التي تتقاذف المسؤولية وتلقي على الأخرى تبعة هذا القرار... أين كانت محافظة دمشق عندما وافقت على إدراج الجامع في المخطط التنظيمي لمشروع دمر وعندما تمت دراسة الموقع ألم توافق عليه نقابة المهندسين؟ ألم تكن هناك دراسة كافية وافية عن التربة والمناسيب؟
وما السر في استفاقة المحافظة الفجائية لتجد أن الأرض (التي تساوي مئات الملايين من الليرات إن لم نقل أكثر) لا تصلح لبناء مسجد ولكنها مع ذلك تصلح لتشييد سكن عليها؟ وأي (مجنون) وليس عاقل سيقتنع بأن هذا القرار الذي يحمل في طياته رحمة ورأفة غير مسبوقة لتخصص الأرض للمنذرين بالهدم (حسب قول مدير التخطيط على لسان وزير الأوقاف)؟...
وهنا نتساءل: من هم هؤلاء المنذرون بالهدم وما عددهم أولئك الذين حلت عليهم رحمة السماء والأرض ليكونوا مميزين عن غيرهم من المنذرين؟ ألا تخشى محافظة دمشق من مطالبة من أسكنتهم في (الحسينية) بأن يتخلوا عن هذه القصور المنيفة التي أسكنتهم فيها بعد أن استملكت بيوتهم ورفعت بذلك عنهم لعنة القدر بأن يطالبوها بالمعاملة بالمثل..؟
أسئلة وأسئلة وأسئلة مازالت تدور في أذهان الجميع، وكلها تضع الفاعلين في دائرة الشكوك وتبحث عن إجابة شافية تجعلنا نقول «إن بعض الظن إثم». ولكن من هي الجهة الواجب عليها الحفاظ على أرض المسجد وعدم ضياع أموال المتبرع بين المحافظة والأوقاف؟!.