رغم قرار وزارة التربية.. قرى بكاملها ما تزال دون مراكز تدريسية في الرقة!
لا شكّ أنّ أي بناء يتمّ تدريجياً وبجهد جماعي ويحتاج إلى زمن مناسب.. وكذلك بناء الأوطان.. ولا شكّ أيضاً أنّ بناء الإنسان المواطن أدقّ وأصعب.. وهو معيار قوة الأوطان، لكن الهدم أسرع وأسهل بأيدي الفاسدين ومعاولهم التخريبية التي طالت كلّ شيء.
لقد كان للتعليم العام الحكومي دور مهم في بناء وتمتين مجتمعنا ووطنا الحبيب سورية.. لكنه في السنوات الأخيرة تراجع كماً وكيفاً بسبب التراجع العام في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والناجم عن سوء السياسات المتّبعة، ومنها السياسة التعليمية بمستوياتها ومراحلها كافة والتي تدفع باتجاه الخصخصة عبر الاستيعاب وغيرها، والتي شرّعت الأبواب للفساد... وها نحن اليوم على أبواب أزمة تعليمية تربوية من ملامحها ارتفاع نسبة الجهل والأمية وانخفاض المستوى العلمي والتعليمي في كثير من المناطق، ما يؤدي إلى تحميل المواطن المزيد من الأعباء المادية فوق أعبائه المعيشية، ناهيك عن التخبط الذي يعيشه التلاميذ نتيجة عدم استقرار المناهج وعدم توفير مستلزمات التعليم، وقد تجلى كل ذلك في انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية والمعاهد التعليمية الخاصة، وانتشار الرشوة والفساد ما هو إلاّ تجلٍّ بسيط لما يعيشه قطاع التعليم من مشكلات يزيدها الإهمال خطورةً..
ومن المعروف على المستوى العالمي أنه إذا وصل الفساد إلى القضاء والتعليم فإن ذلك يعني بداية انهيار الأوطان.
إنّ مناقشة الواقع العلمي والتعليمي والتربوي في المدارس السورية اليوم، يحتاج إلى جهود ومواقف على مستوى الوطن كله للحيلولة دون انهيار منظومة التعليم من أساسها.. ولكننا سنتناول قضيةً مهمة باتت حديث المواطنين وأبنائهم من الطلاب والتلاميذ.. فقد أصدرت وزارة التربية قراراً عمّم على مديرياتها في المحافظات ومنها الرقة استناداً إلى المرسوم 35 في هذا العام، ويقضي القرار بإحداث معاهد خاصة تابعة لمديريات التربية في المدارس بعد نهاية الدوام الرسمي بالاعتماد على الكادر التدريسي نفسه، وذلك بدلاً من المعاهد التدريسية الخاصة، وبهدف القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية التي كانت ترهق المواطنين الفقراء وتضطرهم لبيع حتى حاجاتهم المنزلية في محاولة منهم لتأمين فرصة متابعة الدراسة لأبنائهم..
وصحيح أن هذا يقودنا إلى استنتاج مهم وهو أنّ المدارس لم تكن تقدم الجرعات التعليمية المناسبة وأسباب ذلك مرتبطةٌ بالسياسة التعليمية المرتبطة بالسياسة الاقتصادية الاجتماعية العامة.. ولكن بالعودة إلى مديرية التربية بالرقة التي أحدثت استناداً إلى قرار الوزارة مراكز تعليمية في كل من المدينة، ومنطقتي الثورة والدبسي، نجد أنها تجاهلت وتناست- لسبب أو لآخر- منطقة المزارع وقراها الممتدة على نحو 30 كم، والتي تضم ما لا يقل عن 20 ألف مواطن، فلم تُحدث المديرية في هذه المنطقة مركزاً واحداً سواء أكان ابتدائياً أو إعداديا أو ثانوياً.. علماً أن طلاب هذه المزارع الغربية والقرى- بدءاً من مزرعة ربيعة وانتهاءً بمزرعة الرشيد- لا يستطيعون الالتحاق بالمراكز المحدثة لعدة أسباب أهمها بعد المسافة وندرة وسائل المواصلات لقطعها في الوقت المناسب قبل بدء الدوام في هذه المراكز، خاصةً أن وسائل النقل تكاد تكون معدومةً طوال فترة الظهيرة، ناهيك عن الأعباء المادية المترتبة على المواصلات- إن وجدت- والتي ستزيد الطين بلةً..
وهنا نتساءل: أليس أبناؤنا الطلاب في مدارس هذه المزارع والقرى من طلاب الوطن؟.. أليسوا أبناء الفلاحين المنتجين والعمال الزراعيين وهم أولى من غيرهم ما لم يكونوا أحقّ بالحصول على مراكز تدريسية خاصة بهم، ولاسيما أنّ ذلك على نفقة الطلاب وأسرهم وليس منّةً من أحد؟!.
أهذه التنمية الريفية التي تجري «الطنطنة» بها.. أم أنّ التعليم لناس وناس ..!؟ وأخيراً؛ لمصلحة من عدم إحداث مراكز لهؤلاء؟!.
إننا نتوجه إلى مديرية التربية في الرقة ونطالبها باسم أبناء هذه المزارع والقرى الذين لجؤوا لـ«قاسيون» بفتح مركزين في ثانوية مزرعة القحطانية وثانوية مزرعة الرشيد.