هل تغيير مختارين في طرطوس يهدد السلم الأهلي؟!
نعم هناك دستور جديد للبلاد، ونعم جرى إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تقول بأن حزب البعث قائد للدولة والمجتمع، وبالتالي أصبح النظام السياسي الجديد لسورية هو نظام سياسي تعددي حزبي، وأصبح حزب البعث في الدستور مثل أي حزب آخر من أحزاب البلد الأخرى المرخصة، والدستور الجديد واضح كوضوح الشمس، فالسوريون جميعاً متساوون تحت سقف القانون دون أي تحيز على أساس حزبي أو ديني أو طائفي، ورغم ذلك هناك الكثيرون ممن لم يتعظوا بعد من سيل الدماء السورية الطاهرة، ولا يريدون أن يفهموا أن الأزمة التي تجتاج بلدنا الغالي من أسبابها الأساسية سياسة الفساد والإفساد والإقصاء والإلغاء والتهميش وتمييز السوريين وعدم تكافؤ الفرص، ناهيك عن عقلية ابن الست وأبن الجارية التي سادت لسنوات طويلة، وهذا ما حدث سابقاً وما زال يحدث، خاصةً في الانتخابات البلدية والنيابية التي تمنى السوريون أن يكون هذا الاستحقاق بداية السير بالدستور الجديد نحو سورية الجديدة، التي ننشدها جميعاً لكي نخرج من هذه الأزمة الوطنية العميقة التي تعصف بنا منذ عام ونصف.
وكل هذه المدة، ولايزال الوطن في خطر بسبب تيارين متطرفين لا يهمهما إلا مصالحهما الأنانية الضيقة، فمتطرفو المعارضة المتمثلون بمجلس اسطنبول يدعون إلى التدخل العسكري الخارجي لإسقاط النظام ويعزفون على الوتر الطائفي بشكل وقح، ومعهم الكثير من الفضائيات المسمومة التي لا يهمها لا وحدة الشعب السوري ولا اندلاع حرب أهلية لا تبقي شيئاً، ولا يهمهم نهر الدماء السورية التي تجري من العسكريين والمدنيين، أما داخل النظام فلدينا متطرفون يحاولون ليل نهار ويقاومون بشراسة كل إصلاح حقيقي وكل خطوة للخروج من أزمتنا العميقة، وهم مجموعة من الفاسدين والانتهازيين الذين لا يريدون أن يكون في سورية نظام ديمقراطي حضاري عادل، لأن ذلك سيهدد مصالحهم، وقد يطالب بمحاكمتهم، ودائماً لسان حالهم يقول «أنا ومن بعدي الطوفان»..
بين مطرقة متطرفي المعارضة الخارجية في مجلس اسطنبول، وسندان متطرفي النظام الفاسدين، يقع المواطن السوري الشريف، وتتعرض الغالبية الساحقة من الشعب السوري إلى خسران الدم والمال والاقتصاد، وحتى قد تخسر الوطن إذا لم نتحد لإنقاذه، وهنا نعود إلى الاستحقاق الانتخابي لمجالس البلديات ومجلس الشعب ولنعرض بعض الشكاوى التي وردت إلى «قاسيون» من عدد كبير من المواطنين، تتكلم عن عقلية الحزب الواحد والسلطة والإقصاء التي ما زال الكثيرون وللأسف يمارسها وكأنه لا يعيش في سورية.. ففي طرطوس مازال أنصار الحرس القديم وأنصار العقلية المتسلطة وأنصار عقلية الحزب الواحد يتصرفون وكأن الوطن هو مزرعة لهم، وأما باقي السوريين فهم أتباع ومواطنون من الدرجة الثانية، ولهذا وصلت الكثير من الشكاوى إلى «قاسيون» تتحدث عن تدخل الجهاز الحزبي (حزب البعث) أمناء فرق وشعب وبعض من الجهاز الأمني في شؤون البلديات والمخاتير، وصلت في الكثير من الأحيان إلى التهديد من بعض هؤلاء أصحاب العقول المتحجرة، فمثلاً تدور إحدى الشكاوى من أهالي قرية «جب الأملس» التابعة لمنطقة صافيتا، تدور حول إصرار أمين الفرقة الحزبية وشعبة الحزب بصافيتا وضغطهم على رئيس البلدية المنتخب وأعضاء المجلس البلدية لكي يفرضوا مختاراً تجاوز السبعين من العمر، علماً أنه ليس عضواً بمجلس القرية ولا يحمل الشهادة الإعدادية، وقد وصل التهديد لحد أنهم قالوا مجيء مختار جديد يهدد السلم الأهلي، فتصورا هكذا عقلية!
على ما يبدو فإن الجهاز الحزبي يحاول الانتقام من مجلس البلدية الفائز بالبلدية بعكس إرادتهم، وفي قرية بيت شيحان التابعة لبلدية النقيب قامت الدنيا ولم تقعد من الفرقة الحزبية في القرية بسبب اقتراح المجلس الاختياري لقرية بيت شيحان المعين من مجلس بلدية نقيب لأن هذا المختار ليس بعثياً، وإنما هو عضو في حزب الإرادة الشعبية، وكأن حزب الإرادة الشعبية قادم من المريخ!!
وفي بلدية «يحمور» قام المجلس البلدي بتعيين المجلس الاختياري من أحد عشر عضواً، جميعهم بعثيون، في منطقة معروفة بتنوعها السياسي منذ خمسين عاماً، وهي معقل معروف لحزب الإرادة الشعبية، فاعترض الأهالي ووقعوا بالمئات على عريضة تطالب بغير هذا المجلس فاضطروا لتغييره مراعاة للتوازن الموجود.
ومن هذا المنطلق، نقول إن عقلية الإقصاء والإلغاء والتهميش التي يمارسها البعض من الرفاق في حزب البعث لا تساعد في خروجنا من أزمتنا الوطنية العميقة.