حماية حمص
السيد آلان جوبيه يقول، إنه سيتشاور مع أصدقائه في الأمم المتحدة من أجل العمل أو استصدار قرارات لحماية حمص، وربما سيضيق الاهتمام في المستقبل، فيعمل لحماية بابا عمرو، أو باب السباع، أو قد يهتم في المستقبل بمقهى الروضة، لأن «حصارها» يهدد السلم العالمي، ويستوجب تدخل الأطلسي، أو الزحف التركي إلى درعا.
لولا احترام فرنسا لكان من الممكن وصف السيد آلان جوبيه بأنه كلب أمريكي، والوقاحة الأمريكية في هذا المجال لا حدود لها، ولا ينقصها المنطق فقط، وإنما الذوق السليم، بل والمصالح الاستراتيجية والدولية.
لقد جرى تهريب أطنان الأسلحة المتطورة، وتدريب المئات ومنهم غير سوريين (يمنيين وعراقيين وأردنيين، إلخ) وكل ذلك فشل في اصطناع «ثورة» أمريكية، واستخدمت أعلى تقنيات الكذب في الفضائيات، والمسجلات، لاصطناع احتجاجات وهمية.
إضافة إلى ذلك، ثمة إصرار على استصدار قرار من مجلس الأمن يبرر العدوان الأطلسي، أو الأمريكي الأطلسي.
ماذا فعل الشعب السوري للإدارة الأمريكية من أجل الإصرار على ضربه وسفك دمه؟ وماذا فعلت سورية من أجل تلك النوايا العدوانية في احتلالها وتمزيقها؟.
المنطقة العربية اليوم هي أهدأ تجاه الإدارة الأمريكية من أي وقت مضى: إسرائيل تبيد الفلسطينيين، ولا نأمة احتجاج عربية، البترول العربي يذهب هنيئاً مريئاً إلى الاحتكارات الأمريكية، الأموال العربية تعود إلى البنوك الأمريكية لتساهم في حل الأزمات المالية، ماذا تريد الإدارة الأمريكية لتساهم في حل الأزمات المالية؟ ماذا تريد الإدارة الأمريكية أكثر من ذلك؟ هل تحل مشكلاتها المالية والاجتماعية إذا احتلت المنطقة بدءاً من سورية؟ ربما تستطيع الإدارة الأمريكية بترساناتها النووية، أن ترتكب جريمة إنسانية كبرى بعدوان نووي على إيران، لأنه بغير العدوان النووي تخسر كثيراً، فهل تحل مشكلاتها بمثل هذه الجريمة؟
لقد فشل التخريب في سورية، ولم تتحول تلبيسة (القرية السورية الصغيرة) إلى بنغازي في سورية. لقد تعرض الشعب السوري لألم كبير، وأحرق التخريب الكثير من الدماء، ولكن فشل وفشلت تقنيات الكذب في إعطاء ذريعة العدوان.
والإدارة الأمريكية لا تنقصها الذريعة، فليس أي عدوان مستبعداً، على الأقل سيستمر التخريب والحصار، ودبلوماسية العواء، إلى أن يقدّر استراتيجيو البنتاغون، أنه آن الأوان للانقضاض.
الحرب ليست كارثة للبلد الضحية ولشعبها فقط، وإنما أيضاً للبلد المعتدي، ورغم أن الإدارة الأمريكية تعتدي بيد أوروبا، بيد الأطلسي، الذي سيبقى إلى أمد طويل تحت الوصاية الأمريكية، فإن منعكسات الحرب في العراق وأفغانستان انعكست على الشعب الأمريكي أزمة معاشية، وعلى البنوك والشركات الأمريكية أزمة إفلاس، وعلى الدولار الأمريكي أزمة مالية، وعلى البلدان الأوروبية أزمة متكاملة، لا يحلها التقشف الذي أصبح معمّماً تقريباً في القارة العجوز، لأن التقشف يعني تخفيض الانفاق العام على الخدمات (الصحية، التعليمية، العلمية، إلخ)، والعدوان على أجور العمال، التي هي أصلاً غير كافية للعيش المقبول، وكل ذلك العدوان الاجتماعي لا يوفر ما يسد المديونيات الأسطورية والانهيارات المالية الضخمة.
الحرب، إن حصلت ستزيد الأزمات، وستتسبب بانهيارات لم يسبق لها مثيل، والهدف الذي هو الشرق الأوسط الجديد لا يستحق ذلك.
الإدارة الأمريكية لديها منظور إعادة احتلال العالم، وإعادته إلى القرن التاسع عشر مع مزيد كبير من الهمجية.
قد يعود العالم تحت الضربات النووية إلى جثة هامدة، ولكنه لن يعود إلى القرن التاسع عشر. والمنظور العدواني الخطر، سيكون خطراً أيضاً على الشعب الأمريكي العظيم صاحب الانتصارات العلمية والعملية- التكنولوجية الخارقة.
واستخدام العلم والتكنولوجيا لحياة الكرة الأرضية، بدلاً من استخدامه العدواني لتدميرها، هو الذي يعود بالخير على شعوب العالم وشعب الولايات المتحدة.
والسيد آلان جوبيه، يفترض به، إذا كان يعمل لخير وطنه، أن يسعى لرفع الوصاية الأمريكية عنه، لا للاهتمام بـ«تلبيسه»، حاول الرئيس ديغول من قبل رفع تلك الوصاية وفشل مع الأسف.