منظار متطابق
لا أحد يرانا كما نرى أنفسنا، ولا أحد بإمكانه أن يحس بأوجاعنا كما نحس، وببساطة متوحدة يمكن أن نقول إن آلامنا وحدنا من يئن لها، ولا يمكن لباحث من سقفه الوظيفي أو التحليلي أن يكتب كل شيء عنا، أو يسجله في مفكرته، أو في مذكرته الوظيفية.
تكثر الدراسات والبحوث والإحصائيات، ودائماً ثمة أرض خصبة لمفرداتها، ودائماً لها نتائج لا تعكس الواقع بتفاصيله الصغيرة، وبالكاد يخرج دارس أو باحث من (أناه)، أو أن يصور بحيادية أبعد من قلبه، ومن عقله.
خلال الشهرين المنصرمين لا حديث للناس إلا دعم المحروقات، وبالكاد تخلو صحيفة أو موقع الكتروني من قراءة لواقع المواطنين دون دعم، فالأزمات المتلاحقة قد تجعل من أزمة تطغى على أخرى، وأزمة السكر لم تستطع تحييد الأزمة الكبرى (المحروقات)، بالرغم أنها من صنف المواد المدعومة التي يتم التراجع عن دعمها مع وجود التدخل الإجرائي الحكومي عن طريق مؤسسات التدخل الإيجابي، ونوافذها التي لا تلبي كل رغباتنا، وحسوماتها التي لا تجبر كسر الراتب.
وانتقلت الأزمة في أروقة الحكومة، ومن الوزارة المعنية (المالية) إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في المطاف الأخير، فالمالية سحبت يدها وتحدثت عن نقل الملف إلى الشؤون على اعتبارها الأكثر دراية حكومياً بالواقع الاجتماعي لنا، وهي التي قامت بمسحنا حسب دخولنا المالية، وحددت من منا يستحق ومن لا يستحق، ومن ثم كان إقرار صندوق المعونة الاجتماعية الذي من الممكن أن ينقلنا إلى مستوى أفضل من الفقر.
وزيرة العمل شددت في حديثها الأخير (أن هذا الصندوق هو للمعونة الاجتماعية، والمعونة متضمنة مبلغ دعم المحروقات ولكن للأسر الأكثر احتياجاً.. أما موضوع دعم المحروقات بالنسبة للموظفين في القطاعين العام والخاص المنظم والمتقاعدين فهو موضوع مازال قيد الدراسة لدى الحكومة)، وأما الشرائح التي سيطالها مبلغ المعونة فسيصل إلى 3500 ليرة في الشهر، ويبدأ من 500 ليرة، وفي أقصى مبلغ سيدفعه الصندوق لن يصل إلى سعر برميل واحد من المازوت.
كما أن وزيرة العمل تشترط أن يستفيد المواطن من هذه المعونة في أساسيات أخرى (أحد الشروط المهمة للاستفادة منه هو أن يكون هناك التزام بقضية تعليم الأولاد في المدارس، وعدم التسرب منها، وأن يكون هناك التزام بعملية الرعاية الصحية الأولية من خلال التلقيح، وأحد الشروط أيضاً لما بعد عام هو أن تلك الأسر التي سيكون لديها أكثر من ثلاثة أولاد لن تستفيد من المعونة)..السيدة الوزيرة تطلب منا أن نحقق بمبلغ (500-3500) ليرة شهرياً انتصاراً ساحقاً على الفقر، وأن نسدد به كامل التزاماتنا.
ومن ثم تأتي المفردات الكبيرة، والدور الرعائي للوزارة، والتوعوي لمن وصف لها حالتنا (عدد الأسر يتراوح بين 415 و450 ألف أسرة، حيث تم التأكد من أن هذه الأسر ذات احتياج بثلاث طرق فلم نكتف بالتطابق المكتبي، ولم نكتف بالتطابق الإلكتروني، ولم نكتف بالتطابق الميداني بمفرده، بل أضفنا إليه رؤية المجتمع المحلي بكل تفاصيله لهذا الموضوع، وخرجنا بهذه النتائج التي نجزم بأنها جيدة بالمطلق)... بالمطلق سنكون بخير، وهذا ما تعرفه عنا الوزارة، وهذا ما كتب في الدراسات والبحوث والمسوحات عن شريحتنا العريضة السعيدة، نحن بخير وسنكون بخير أعم، وهنا لا ننكر أن هذا الصندوق سيعين الفقراء، ولكن لن يكون له نتائج إنقاذية وسحرية، وهذا ليس في خانة الإحباط بل من منظار الواقع.. ألم نوصف ذات يوم بأننا مجتمع دون فقراء؟