من الذاكرة..واستمر الاحتفال

من الذاكرة..واستمر الاحتفال

منذ سطع فجر الاستقلال في السابع عشر من نيسان عام 1946، أولى الحزب الشيوعي السوري كل الاهتمام بعيد الجلاء.. عيد أعيادنا الوطنية ــ كيف لا؟ وهو حزب الجلاء:

 حزب الجلاء بكل ساح تزدهي  *** بك ثورة الوطن الحبيب على الخضوع

وكان له في كل نيسان نشاطات واسعة في طول البلاد وعرضها لتمجيد كفاح شعبنا العظيم وثوارنا الأبطال وشهدائنا الأبرار الذين صاغوا ألق الحرية والتحرر، وسطروا بتضخياتهم ودمائهم ملحمة الثورة.. وجلاء المحتلين الغاصبين عن أرض سورية الغالية.

وفي دمشق كانت منظمة الحزب خلية عمل وحراك لافت في كل ذكرى للجلاء. وحتى في ظل القمع الديكتاتوري للحكم العسكري منذ عام 1949 وحتى عام 1954 لم يتوقف احتفالها بهذه الذكرى الخالدة. فاستعاضت عن الحشد في أماكن الاحتفال بمظاهرات «طيارة» تنطلق في إحدى ساحات المدينة وشوارعها الرئيسية إحياءً وتكريساً للروح الوطنية للدفاع عن الاستقلال وحماية السيادة الوطنية... محفزة جماهير الشعب لمتابعة النضال لتعزيز الاستقلال السياسي باستقلال اقتصادي وديمقراطية شعبية، حيث يقوم الرفاق بتوزيع البيانات والمنشورات السياسية في كل أرجاء العاصمة، وبعد زوال الحكم الديكتاتوري العسكري كرست منظمة الحزب تقليدها الوطني بإقامة احتفال مركزي بهذه المناسبة الهامة في حي من أحياء دمشق...

اليوم تعود بي الذكريات إلى عام 1956، لتنتعش الذاكرة بصورة احتفال حي الميدان وهو واحد من الأحياء الكبيرة والعريقة من أحياء دمشق.. هذا الحي الذي شهدت ساحاته وطرقه وأزقته فصولاً خالدة من أسطورة الثورة السورية الكبرى التي تحدث عنها الأديب الكاتب فارس زرزور في روايته المشهورة «حسن جبل»، لقد تألقت في سماء الميدان والوطن أسماء كبيرة لثوار ومجاهدين ميامين أمثال الثائر عمر البلهوان أبو إبراهيم والشيخ المجاهد محمد الأشمر الذي صار في عهد الحرية رئيساً لجميعة الصداقة السورية السوفياتية ونال وسام ستالين للسلام.

أعود إلى الاحتفال وأقول: في بيت طيني واسع لأسرة «عسّة» في زقاق القرشي بالميدان، أقامت منظمة العاصمة احتفالها المركزي ورفعت الأعلام السورية واللافتات التي تحمل شعارات النضال محيية أبطال وشهداء الجلاء، ونصبت أشرطة المصابيح الكهربائية، وزينت الجدران بالسجاد بدأ الاحتفال بكلمة عريف الحفل الرفيق النقابي خليل حريره الذي رحب بالحضور الحاشد، ثم وقف الجميع مرددين بكل الحماسة والفخر النشيد الوطني السوري، وألقى الرفيق خالد بكداش الأمين العام للحزب ونائب دمشق في البرلمان السوري كلمة جامعة أبرزت أهمية نضال وتضحيات شعبنا وأبطالنا الوطنيين التي صنعت الجلاء...

وأتذكر من الحضور الرفاق جورج عويشق وإبراهيم بكري وأستاذ الرياضيات خليل حنا وفؤاد بوبس وسعيد حوارنة وعبد الرحمن عسه وشقيقه الأكبر وهو كادر من منظمة الميدان وخلال الاحتفال قام أحد الحضور وهو من بيت شاويش ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين بمحاولة يائسة للتشويش وتعطيل الحقل، فرمى بكرسيه على شريط الكهرباء فانطفأت المصابيح وهب عدد من الرفاق للقبض عليه وأخرجوه من مكان الاحتفال، كما قام آخرون بالإحاطة بالرفاق القياديين لمنع اي اعتداء عليهم، وسارع أخرون لإصلاح العطل الكهربائي، فشعت من جديد المصابيح ليستمر الاحتفال.. وليسمع الحضور قصيدة رائعة للشاعر محمد الحريري بصوته الجهوري المؤثر.. فتهتز مشاعرهم وتثار حماستهم فقد أجادت القصيدة في التعبير عن عظمة الجلاء والكفاح الوطني والشهداء الأبرار الذين أراوا بدمائهم الذكية الدروب أمام شعبنا لمتابعة مسيرة الحرية والتقدم. وحتى اليوم مازلت أحفظ العديد من أبياتها ومطلعها:

سيّرتُ أفراحي مسير الجحفل *** وطفِقتُ أرقبها بلحظَي أجدل

آخر تعديل على الأحد, 30 آذار/مارس 2014 11:16