صندوق معونة معاق!
بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 9 لعام 2011 القاضي بإنشاء الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية وقبل صدور اللائحة التنفيذية له أتحفتنا وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بوصفها هذا الصندوق بأنه (صندوق تنموي بامتياز).
ولكن عند قراءة ما بين السطور يتبدى لأول وهلة أن الهدف من إنشاء هذا الصندوق أن يكون ستاراً وبديلاً عن دعم الدولة للمازوت، وللمواد التموينية التي مازالت الدولة تدعمها وربما تتهيأ للإجهاز عليها ورفع الدعم كلياً عنها، وهذا ما يفسره تصريح النائب الاقتصادي (إن إيصال دعم المازوت خلال الخطة الخمسية القادمة 2011- 2015 سيكون عبر صندوق المعونة الاجتماعية)، رغم أن وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل قد نفت ذلك، ويؤكده أيضاً وزير المالية بقوله (آلية الدعم السابقة عن طريق تقديم العشرة آلاف ليرة لم تنقذ الفقير من فقره ولم تحل مشكلة المحتاج).
إذاً، إن إنشاء هذا الصندوق يهدف إلى الحد من زيادة النسل باعتبار أن نسب زيادة السكان في سورية تعتبر من أعلى نسب العالم 2.45%، الأمر الذي يؤكده قول الوزيرة موضحة بأنه (خلال العام القادم سوف تدرس آلية لحجب أو تخفيض أو إيقاف المعونة للأسر التي سيزيد عدد أولادها عن ثلاثة بذلك التاريخ)، ويفسر سبب انخفاض عدد الأسر المستفيدة منه إلى 420 ألف أسرة فقط. وباعتبار أن شرط المعونة هو ألا يزيد عدد أفراد الأسرة عن 5 أفراد، فأين تتواجد هذه الأسر إذاً؟!، وباعتبار أن عدد الأسر التي ستستفيد من هذا الصندوق بلغت 420 ألف عائلة فقط، فهذا يعني أن المعونة التي سيقدمها الصندوق لن تصل إلى الريف باعتبار أنه عادة ما يكون عدد أبناء الأسرة فيه أكثر من 3 عموماً، وإذا حسبنا أن نسبة من يعيش على الحد الأدنى للفقر حسب المعلومات الرسمية تبلغ 14%، فهذا يعني ضرورة مضاعفة عدد الأسر المستفيدة ليصل الرقم إلى 840 ألف - مليون أسرة وباعتبار أن القطاع الزراعي تلقى ضربات موجعة، لذلك فإن الفقر (المعند) و(البطالة) المعندة بلغة النائب الاقتصادي تتركز عموماً في الأرياف أكثر من المدن، ذلك أن هذه البطالة وهذا الفقر تشكلا وتفاقما أساساً بسبب السياسات الحكومية المتبعة، وتبريراً لأخطائها الفادحة تريد أن تقول بأنه لا حل دائماً لها، وهذا مخالف لطبيعة الأمور، وحسب الإحصائيات الرسمية فإن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الإجمالي المحلي انخفض من 30% إلى ما دون الـ14% في نهاية الخطة العاشرة مما أدى إلى نزوح وهجرة داخلية من الريف إلى المدن، وكل ذلك بسبب السياسات الليبرالية للفريق الاقتصادي، التي وجهت الضربة الفنية القاضية للزراعة، لذلك فإنه من أهم المشاكل التي يمكن لهذا الصندوق أن يساهم في حلها هي إعادة الأسر التي هاجرت من المنطقة الشرقية إلى مناطقهم ودعمهم بحيث يستطيعون العودة إلى أراضيهم وإلى زراعتهم مجدداً.
ولكن المبلغ المقترح رصده لهذا الصندوق لا يتعدى الـ12 مليار ل.س فما الذي يستطيع أن يحققه وهل سيؤدي الهدف الذي أحدث لأجله ، وبحسبة بسيطة إذا قسمنا هذا المبلغ على عدد أفراد الأسر المفترض أن لا يزيد عدد أفرادها عن 5 أفراد، فهذا يعني أن كل أسرة ستعان بـ28575 ل.س سنوياً و2381 ل.س شهرياً، فماذا يستطيع أن يفعل هذا الصندوق ذو الإمكانيات المتواضعة إذا كان الحديث يجري عن دعم لكل المواد الأساسية اللازمة للأسرة من الغذائيات والنقل والطاقة ومستلزمات التعليم والصحة، بل إن هذا يعني أن حكومتنا أحدثت هذا الصندوق دون دراسة جدية للواقع المعيشي المتردي للأسر السورية، لذلك حتى يؤدي الصندوق الحد الأدنى من هدف إنشائه، وإذا كان الحد الأدنى للفقر يعادل دولاراً واحداً حسب دراسة للأمم المتحدة فهذا يعني أن المبلغ الواجب رصده لهذا الصندوق باعتبار أن كل أسرة تحتاج إلى 250ل.س يومياً وإلى 7500ل.س شهريا يجب أن لا يقل عن خمسة وسبعين ملياراً وستمائة مليون ل.س، وعندها ستبقى هذه الأسر تعيش عند الحد الأدنى للفقر رغم دعم الصندوق لها، ولكن وبسبب الفساد المستشري والمحسوبيات المنتشرة والتي لا يمكن إنكار وجودها: هل فعلاً تم انتقاء الأسر على الأسس والمعايير المعتمدة؟ ومن يمكن أن يؤكد ذلك؟ وهل تم إجراء مسح شامل ذي طابع ديموغرافي وجغرافي لكل الأسر التي يمكن أن يشملها الدعم وتنطبق عليها تلك الأسس والمعايير المعتمدة؟ إنها أسئلة صعبة وليس هناك أجوبة دقيقة وجادة عليها، لذلك فإن الغاية التي أنشئ الصندوق لها قاصرة وغير مجدية، ولن تقدم حلاً لمشكلة الفقر والبطالة إطلاقاً، حتى لو رفع المبلغ المرصود من 12 مليار إلى 75 مليار وأكثر.
وأخيرا رغم مهام هذا الصندوق، هل يحتاج الشعب السوري إلى صدقات الحكومة ليحل مشاكله المعيشية المزمنة؟ إنه يحتاج قطعاً إلى تغيير تلك السياسات الليبرالية التي ساهمت وأدت إلى هذه المعاناة، أنه بحاجة إلى القضاء على البطالة والفقر وردم الهوة غير المقبولة بين الأجور والأسعار، والاستمرار بسياسة الدعم التي أثبتت الأحداث بأن التخلي عنها يشكل عبئا ثقيلاً لا يستطيع شعبنا المكافح تحمله.. إنه يحتاج إلى الاستثمار في القطاعات الإنتاجية الزراعة في الريف والصناعة عبر الحفاظ على قطاع الدولة ووقف خصخصته وإعادة الحياة إليه عبر إعادة ضخ الاستثمارات في شرايينه، وكل هذا لا يمكن أن يتم دون مشاركة شعبية واسعة في عملية الرقابة على الإنتاج والتوزيع التي يضع أساسها توسيع إطلاق الحريات الديمقراطية في المجتمع مما سيضمن نجاح تنفيذ هذه المهمة، التي هي إحدى ضمانات استمرار سورية في نهجها الوطني المواجه للمخططات الإمبريالية الأمريكية والصهيونية في المنطقة.