بين حكومتين.. وسياسة واحدة  المواطن السوري له نظرياته الاقتصادية أيضاً

بين حكومتين.. وسياسة واحدة المواطن السوري له نظرياته الاقتصادية أيضاً

 يستطيع أبو حسن من دكانه أن يحدد ملامح الاقتصاد القادم الذي تعتبره الحكومة الجديدة مختلفاً في إدارته وتوجهاته عن اقتصاد سابق، ليس بكثير من الوقت حدد هويته: فريق اقتصادي فاسد!.

ببساطته يحسبها كالتالي، وحسب أسعار المواد بين مرحلتين: (زيت الأونا يا رجل (نط) من 60 ليرة عام 2007 إلى 130 ليرة حالياً، وعلبة القهوة ماركة (حسيب) تقفز عشرين عشرين.. وأما السكر فهو بيضة قبان اقتصادنا.. بورصة لوحده).

أيضاً يحسبها أبو حسن بحسب دفتر الديون الذي دخلت إليه أسماء جديدة كانت قبل فترة وجيزة تشتري دون تدقيق سعر المادة، وأما الآن فهي في قائمة المديونية، وإن اشترت (بيفاصلك عالليرة).

أبو حسن يرتب بحسبة بسيطة قفزات الاقتصاد السوري للخلف والأمام.. أما حكومتنا الجديدة فتبدو اليوم وقد تفاجأت بأرقام نمو ومعدلات غير حقيقية، وغير منطقية أصدرتها الحكومة السابقة.

كيف ينظر السوريون إلى اقتصادهم بين مرحلتين؟ هذه هي مشاهدات ولقطات من أسواقنا، ووجهات نظر أبطالها مواطنون عاديون.. من نمط «أبو حسن».

أرقام واهية؟

بين حكومتين يعيش السوري صراعه في تدبير حياته، وفي الوقت نفسه يعيش الأمل الذي تنزعه واحدة، وتأخذه الأخرى، ولكنهما (الحكومتين) تبديان دائماً حتى في سجالهما الرغبة نفسها في مواطن سعيد، ومكتف.

وآخر صراعات الحكومتين، خصوصاً من باب المسؤولية عما وصل إليه اقتصادنا ما ذكر عن أرقام غير حقيقية قدمتها الحكومة المنصرمة، وسيقت على دفاتر إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء.

يتساءل وزير الاقتصاد مرتاباً حول المنطق في بعض الأرقام التي ساقتها الحكومة السابقة،وهي متعلقة بمؤشرات النمو، والبطالة ، وفرص العمل:  (حسب الإحصائيات السورية فإنه كلما زاد الإنفاق ارتفعت نسبة البطالة، وحسب المنطق السوري فإن تقليل الإنفاق يؤدي لتقليص البطالة، وهذا منطق غير مقبول نهائياً ويدل على أن هناك خطأ بالأرقام وهي تحتاج لتعديل، وتساءل إذا كان معدل البطالة مستقراً ويصل إلى 12% سنوياً فكيف تدخل سنوياً 300 ألف فرصة عمل لسورية وتمتص السوق منها 55 ألف فرصة عمل؟).

لا يتوقف وزير الاقتصاد في طرح شكوكه حول أرقام ما أنزل الله بها من سلطان: (كيف أصدق أن مليار دولار لدعم الصادرات تخلق 35 ألف فرصة عمل، هذا الرقم غير موثوق بالنسبة لي لأن الإحصائية هذه مرتبطة مع نسبة البطالة والتضخم غير المقنعين أصلاً).

ولكن في سجالها الداخلي تتوزع المسؤولية على عدد غير واضح الملامح، فمدير تنمية الصادرات رد الأمر إلى أخطاء غير مفهومة من جهات أخرى تعتبر مرجعية للدارسين والمهتمين بالاقتصاد السوري: (هذه الأرقام تعود للمكتب المركزي للإحصاء ونحن لم نقم بأكثر من عملية حسابية لهذه الأرقام لنكشف بعض المؤشرات، وكنا قد اعترضنا مؤخراً على بعض الأرقام التي أصدرها المكتب بعد أن اكتشفنا وجود أخطاء فيها.

اعترافات متأخرة

مدير تنمية الصادرات يتحدث عن تعاملات غير جيدة مع دول الخارج دون تحديد.. ونمو مع رأس مال يعاني:  (وصلت نسبة النمو إلى 3.3% في العام 2010 لكن رأس المال كان يعاني من قانون الغلة المتناقصة مع الزمن، كما أن التعامل السوري مع دول الخارج لم يكن جيداً في السنوات الفائتة ولم تساهم الصادرات بأكثر من 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي).

ويعطي المدير انطباعات للعاطلين عن العمل عن مدى تكبد الدولة عناء تأمين وظيفة، والتكلفة الواقعة على كاهلها في سبيل تأمين راتب شهري لا يغني ولا يسمن من جوع : (وتبين لنا أن كل مليار دولار لدعم الصادرات تخلق 35 ألف فرصة عمل في سورية، ما يعني أن كلفة خلق فرصة العمل الواحدة تصل إلى 30 ألف دولار تقريباً وهو رقم مقبول نسبياً).. وهو ما دعا الوزير إلى إبداء عدم القناعة والاستغراب، هذا عدا عن أرقام التضخم.

ولكن ما يدفع للتساؤل ما الذي كانت تفعله حكومة العطري في طلعاتها وجولاتها العالمية، وتأسيس المجالس الاستثمارية، والحديث عن استثمارات بالمليارات، وعلاقات تغني عن شراكة أوروبا.

أما عن الداخل فسقطت كل الوعود التي أعطيت للمواطن، والبطالة ترتفع فيما الحكومة تصدر تقارير عن عشرات آلاف الفرص التي من أجلها تخسر ملايين الدولارات.

بين حكومتين.. يوعز وزير الاقتصاد إلى هيئة تنمية الصادرات إرسال دراستها إلى المكتب المركزي للإحصاء ليطلع على تناقضات أرقامه... وهنا أتساءل أنا: ألم يكن أجدى بالسيد الوزير من إحساسه بالغرابة وعدم القناعة بالتحقيق في من يتحمل مسؤولية التناقض، وأين ذهبت هذه الأموال؟

يكتفي السيد الوزير بالقول حسب بعض المصادر الإعلامية: (نتساءل كوزارة اقتصاد كيف لا تركب الأرقام مع المسلمات؟ وسنطلب من الإحصاء أن يقدموا لنا شرحاً ومعالجة ما يحتاج لمعالجة، لأن هذه الأرقام تربك سياستنا وتجعلها خاطئة).

سوق التوقعات.. والتحليلات

البسطاء يحسبونها على (قدهم)، وحسساباتهم لا تدخل في سياسات الحكومة، ولا تساعدها في بياناتها الاقتصادية، لكنها فقط بالنسبة لهم أكثر من مؤشرات لحسابات حياتهم، ومصائرهم، ولقمة أبنائهم.

أبو سليمان البقال الذي يجيد الحساب بشكل جيد، وهو حاصل على ابتدائية (سرتفيكه) يحسبها بطريقته التالية: أنا لا (بشوف) تلفزيون، ولا أفهم بالبورصة، لكنني في الخامسة صباحاً أذهب إلى سوق (الهال).. هناك الاقتصاد، وارتفاع سعر(جرزة) البقدونس ليرة واحدة مؤشر اقتصادي عندي خصوصاً عندما تقول الحكومة أن سبب الارتفاع هو موجة الصقيع، ويكون الطقس دافئاً.

أبو سليمان أيضاً يبيع اللبن الرائب في دكانه ومن صنع زوجته، فهو لا يشتري من الموزعين الذين يعتبرهم لصوصاً، واللبن مؤشر آخر عن ارتفاع الأسعار، وعدم هبوطها إلى الطبيعي عندما يكون الموسم ماطراً، ويقول منتقداً: هؤلاء (الموزعون) شياطين، فقط يهمهم الربح، وهم يأتون باللبن من معامل تعتبر اللبن مثل (الدهان) أي لا تهمهم الخلطة، والحلاّب هو مجرد ثدي بقرة زائد بعض الماء، وكيلو اللبن بـ 40 ليرة.

أما عن توقعات أبي سليمان حول مستقبل اقتصادنا السوري: مع قلة الضمير لا أمل، والحالة من سيئ إلى أسوأ.. وعلى الحكومة أن تضرب بيد من حديد (عن جد مو حكي) كل من يمنع عن الناس حوائجهم، وهل من المعقول أنه وفي هكذا أزمة يصبح سعر الشمعة 10 ليرات؟.

باسل صاحب سوبر ماركت صغير استطاع خلال فترة وجيزة أن يسرق زبائن بائع الجملة جاره، وهو على عكس أبو سليمان يبيع بالإشاعة، وحسب (السوق بيسوق) هي نظريته الاقتصادية التي من خلالها يبيع ويشتري، وهو يزداد وزناً وابتساماً.

يرى باسل أن سعر باكيت (الجيتان) يعني أننا نعاني، وأن هذا الارتفاع بسبب تدهور الليرة، وانخفاض قيمتها أمام الدولار، كما أن هذا مؤشراً على أن الحصار الاقتصادي يضيق علينا.

يقول باسل: سعر باكيت (الجيتان) حالياً بـ 80 ليرة سورية، وقفز خلال شهر تقريباً ما يعادل 25 ليرة أي زيادة بمعدل 50% وهذا ما لم يحصل سابقاً، وأما (الجيتان) القديم فسعره 100 ليرة.

البسكويت التركي

حتى عن علاقاتنا الاقتصادية في هذه الأزمة يرى بعض المواطنين أنها منظورة من استهلاك بعضها، وفقدان سلع أخرى.

زبون في محل تجاري يسال عن بسكويت من إنتاج تركي، يجيبه البقال: والله ما عاد (جبنا منو).. يتأمل الزبون قليلاً، ثم يضرب كفاً بأخرى كأنما تذكر شيئاً، ويقول بصوت عال: صحيح علاقاتنا مع تركيا (انتزعت).

نظريات الأزمات

فيما يتهم مسؤولون المواطن في أنه السبب الرئيس في أزمة الوقود، ومسؤولون آخرون يعدون الناس بحل أزمة الغاز خلال أيام.. للناس نظرياتهم أيضاً وقراءاتهم.

- مواطنة تنتظر في طابور الغاز الطويل: يعني فجأة تحدث أزمة، ويصبح الغاز بالدور وعند المختار.

- مواطن يعلق على الطابور: من طابور لطابور.

 صاحب إحدى محطات الوقود: كان هناك أزمة عادية، ولكن منذ أن وضعوا الشرطة لتنظيم الطابور زادت الأزمة.

يعلق آخر: هذا صحيح، انظر إلى أية إشارة يقف عليها شرطي، يا رجل المكان الذي يتواجد فيه الشرطي يصبح أكثر ازدحاماً.

مواطن تجاوز عمره السبعين، من نوع (المتعيش)، يعمل الآن (ناطور بيدونات) في محطات الوقود.. حيث يقف في الكازيات لمدة اثنتي عشرة ساعة، يحفظ أدوار من لا يستطيعون البقاء في الطابور طويلاَ مقابل عشر ليرات على كل بيدون مازوت!!

نقد في التشابه

الأزمات متشابهة في العهدين الحكوميين رغم فارق المرحلة، ولكن المواطنين يرون أن الواقع لم يتغير من حيث الخطاب وتفاقم الأزمة.

أبو نايف: ما الذي تغير، أزمة المازوت قائمة سواء في عهد هذه الحكومة أو التي سبقتها، وما زلنا ننتظر الوعود، و(عالوعد  يا كمون).

جاره الخبيث أبو قاسم: يا رجل على (القليل) حكومة العطري وعدت بالدعم ودعمتنا (شوي)، وهذه الحكومة تحدثت عن الدعم ثم (طنشت).

الحاجة أم ياسين (على بساطتها وعمقها) : ما في عنا حكومتين.. ليش صار انقلاب لا سمح الله.. الحكومة هي نفسها ما تغيرت.. والحال متل مانك شايف: ما بتسر لا عدو ولا صديق.. الغلاء هو نفسه، والشحار هو نفسه، والتعتير هو نفسه، والكهرباء والمي والغاز والمواصلات... كل شي كل شي هو ذاته!!

أخيراً... من المسؤول؟

إذا كانت حكومة الأزمة الحالية راغبة في حل معضلات وتركات الحكومة السابقة فمن الواجب عليها الانتقال من حالة الكلام، والاتهامات التي لا تعني فقط لمجرد إطلاقها سوى الركون لأمر واقع لا مسؤولية فيه لأحد مما يحصل الآن.

إن تحديد المسؤول فقط دون محاسبته لا يصب إلا في خانة تكريس الفساد، فأين ذهبت المليارات التي من المفترض أن تنقذ جيلاً من العاطلين؟.. وإن تأمين  35 ألف فرصة عمل كانت بالتأكيد ستحدث نقلة في رؤية الحكومة الإستراتيجية، وتخلق حالة ثقة متبادلة مع الناس.

إن المراقب العادي لتصريحات وزراء الحكومة المعنيين باقتصادنا يؤكد بما لا يدعو مجالاً للشك دور الحكومة السابقة في إيصال الاقتصاد السوري إلى ما هو عليه من تهالك، وأما ما على الحكومة الجديدة فعله فهو ممارسة دورها الوطني في المحاسبة وعدم الاكتفاء بالتنصل من المسؤولية.. فالمواطن أيضاً يحلل ويرى.

الأزمة ما (خلصت) أيها السادة.. إنها تتفجر أكثر!!