حصار اقتصادي.. فساد.. وجشع.. من المسؤول عن حرمان المواطن من الغاز والمازوت؟!
مع تزايد وتيرة الأزمة في سورية، وتصاعد الحراك الشعبي المطالب بحقوقه المشروعة، تزداد الأوضاع المعيشية للمواطن السوري سوءاً يوماً بعد يوم نتيجة الحصار الاقتصادي والفساد والجشع، والذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن في حياة اليومية،
كارتفاع أسعار المواد الغذائية والصحية، وصولاً إلى ارتفاع أسعار المحروقات مثل (المازوت، والغاز) وصعوبة الحصول عليها، في ظل غياب الرقابة الحكومة والمحاسبة، خصوصاً إذا ما علمنا أن جشع بعض تجار الأزمات وبعض المستغلين الذين يحاولون بناء ثرواتهم على حساب الفقراء من أبناء سورية، والذين يعتبرون الطرف الأساسي في تأثير الأزمة المعيشية في سورية، والتي ستعمق الأزمة التي تعيشها سورية بشكل عام.
أزمة المازوت
رغم انقضاء فصل الشتاء الذي من المفترض معه انخفاض الطلب على هذه المادة، إلا أن ذلك لم يقلل من تضرر بعض المواطنين من ارتفاع أسعار المازوت، وصعوبة الحصول عليه، خصوصاً أولئك المواطنون الذين يعتمدون في تحصيل قوت يومهم على العمل في قطاع المواصلات، فمن المعروف أن معظم وسائل النقل في شوارع سورية (الميكروباص) تعتمد على مادة المازوت،
بات سعرها يرتفع وينخفض بحسب البائع لا حسب ما حددته الحكومة، مما أجبر بعض أصحاب الميكروباص على رفع الأجرة متجاوزاً السعر المحدد، حتى يستطيع الاستمرار في العمل، الأمر الذي أدى إلى نشوب شجارات ومشاحنات بين السائقين والركاب؛ فالسائق يتحجج بارتفاع سعر المازوت وعدم قدرته على الاستمرار باعتماد على التسعيرة القديمة، والراكب يرفض دفع ما أضيف على الأجرة، بداعي أن الظروف الاقتصادية المتردية لم تستثنه هو الآخر.
الميكروباص و أزمة المازوت
التقت «قاسيون» ببعض الذين تأثروا بهذه الأزمة، وفي هذا السياق أوضح أبو محمد، وهو سائق ميكروباص على خط مزة جبل يعمل بإيجار يومي لدى صاحب الميكروباص، معاناته جراء تلاعب بعض أصحاب محطات الوقود بالأسعار بالقول: «إن ارتفاع أسعار مادة المازوت لم يعد يتناسب مع الأجرة التي نتقاضاها من الراكب، فتنكة المازوت وصل سعرها إلى (800) ل.س، والأجرة (10) ل.س لكامل الخط، و(5) ل.س لنصفه، وبذلك فإن ما نحصل عليه من أجرة طوال اليوم لا يكفي إلا ثمن المازوت وما يحتاجه الميكروباص من صيانة ليتابع سيره في الشوارع السيئة وغير الصالحة لسير المركبات عليها، دون أن يبقى منه ما يعيلنا ويطعم أطفالنا، فنحن نعمل طوال اليوم لنضع ما نحصل عليه من نقود في جيب أصحاب محطات الوقود وورشات صيانة الميكروباص، لذلك يضطر بعض أصحاب الميكروباص إلى رفع التسعيرة خاصةً وأنه قد طال بنا انتظار أن ترفعه المحافظة، ما يجعلنا ندخل في مشاحنات مع الركاب يومياً، عندما يرفض دفع مبلغ إضافي على التسعيرة السابقة، و أنا لا ألومه، لأن الظروف المعيشية الصعبة لم تستثنه هو أيضاً، ولكن ما باليد حيلة فهذا الميكروباص يعيل عائلتي وعائلة صاحب الميكروباص، خصوصاً أن معظم سائقي الميكروباص في سورية ليسوا أصحاب ما يعملون عليه، كما أن هذا الميكروباص يتناوب عليه أكثر من سائق، فكيف ستعيل الأجرة الحالية من يعملون في هذا القطاع؟».
أما أبو عمر، وهو سائق على خط كراجات مخيم الوافدين، فأبدى لـ«قاسيون» استغرابه، ويقول: «الغريب في الأمر أنه لا يوجد سعر موحد بين محطات الوقود، فكل محطة تبيع ليتر المازوت بسعر يختلف عن الأخرى، رغم أن سعر الليتر الواحد وفق التسعيرة الحكومية (20) ل.س، إلا أن سعر ليتر المازوت يصل إلى (28) ل.س في إحدى محطات الوقود الواقعة بالقرب من مشفى البيروني مثلاً، وفي محطات أخرى قريبة يباع اللتر الواحد من المازوت بـ(25) ل.س، أو (27) ل.س».
ويضيف أبو عمر: «في إحدى المرات عندما أبديت انزعاجي، وسألت عامل محطة الوقود لماذا يبيعون ليتر المازوت بـ(27) ل.س قال لي (إذا مو عاجبك روح اشتكي) بنبرة واثقة بأن شكواي للجهة المسؤولة عن محطات الوقود لن تجدي نفعاً، الأمر الذي يدل على علم الحكومة بما يحدث في محطات الوقود أو على الأقل على أنها تغض النظر، وفعلياً لم تتخذ الجهات المعنية أية إجراءات عقابية بحق أصحاب هذه المحطات، فهل هذا هو الإصلاح الذي يتحدث المسؤولون عنه؟».
أما أبو ضياء، وهو سائق على خط عدرا كراجات، فيصف صعوبة الحصول على مادة المازوت من محطات الوقود، والمدة الطويلة التي يقضيها ليحصل على كمية قليلة من المازوت يحددها أصحاب المحطات بالقول: «نقف كل يوم ما يقارب أربع إلى خمس ساعات في طابور الدور للحصول على كمية قليلة من المازوت لا تكفي لتشغيل الميكروباص طوال اليوم، وفي بعض الأحيان لا يصل دورنا إلا وقد نفدت كمية الموجود في المحطة من مادة المازوت، وبذلك يكون الوقت الذي قضيناه في الانتظار ذهب سدى، لتبدأ عملية الوقوف في طابور الدور في محطة أخرى من جديد، وإضاعة وقت مضاعف من اليوم، بذلك يضيع يومنا هكذا دون عمل». ويضيف: «يرجع سبب عدم حصولنا على مادة المازوت رغم الوقت الطويل الذي نقضيه في محطة الوقود، إلى أن العاملين في هذه المحطات لا يتقيدون بالدور في بيع مادة المازوت لأصحاب المركبات (من ميكروباص أو شاحنات، أو سيارات خصوصية)، فنحن نقف في طابور الدور وآخرون يحصلون على مادة المازوت دون الحاجة للوقوف في الطابور، بسبب فساد العاملين في محطات الوقود، وتقاضيهم للبخشيش مقابل حصول بعض القادرين على دفعه لمادة المازوت دون أن يتكبدوا عناء الوقوف في طابور الدور مثلنا لساعات طويلة، وقس على ذلك كم تحصل هذه الحالة خلال وقوفنا الطويل في طابور الدور».
ليتر المازوت (40) ل.س
من جانبه أبو فادي، وهو سائق على خط ضمير كراجات، تحدث عن صهاريج المازوت المنتشرة على طول الطريق والتي يستغل أصحابها الازدحام الموجود في محطات الوقود، ورغبة أصحاب الميكروباص بعدم إضاعة وقتهم بالانتظار، لاستغلاله في العمل لتأمين قوت عائلاتهم.. وقال: «نشاهد يومياً صهاريج مازوت خاصة تقف على طول الطريق، لبيع المازوت بأسعار خيالية، حيث يصل سعر الليتر الواحد من مادت المازوت عند هذه الصهاريج إلى (40) ل.س، وعندما نسأل كيف تحصل هذه الصهاريج على مادة المازوت من محطات الوقود إذا كانت هذه المحطات ترفض إعطاء أكثر من عشرين ليتر مازوت لكل ميكروباص يومياً أو كيف يبيع أصحاب هذه المحطات مادة المازوت لهذه الصهاريج، فلا نجد جواباً، ألا يدل ذلك على تنسيق أصحاب هذه المحطات مع بعض التجار الذين يحاولون استغلال الأزمة التي تمر بها سورية، وما يرافقها من حصار اقتصادي؟!».
لقد أدت قلة كمية مادة المازوت المتوفرة في سورية، لجني أرباح مضاعفة على حساب المواطن البسيط، واستغلال حاجته لهذه المادة ليستطيع الاستمرار في عمله، و يتساءل أبو فادي: «أين الحكومة و أجهزة الرقابة مما يحدث في هذه المحطات، أم أن صمتها دليل مشاركتها في استغلال المواطن ومعاقبته على مطالبته بالإصلاح وبحقوقه المشروعة؟».
أزمة الغاز
تعتبر مادة الغاز من المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية، والتي دخلت هي الأخرى ضمن دائرة الأزمة في سورية، نتيجة الحصار الاقتصادي التي تشهده البلاد من جهة، واستغلال بعض تجار الأزمات لنقص هذه المادة من الأسواق لاستغلال المواطن وزيادة أرباحهم على حسابه من جهة ثانية، وكل ذلك يجري في ظل ما يصرح به المسؤولون عن نقص في الكميات اضطرهم إلى عدم نشرها في الأسواق إلا بكميات قليلة كنوع من التقنين لتوفير مادة الغاز لأطول فترة ممكنة، في ظل استمرار الأزمة، لكن هذه الكميات لا تكفي حاجة المواطنين في سورية، لقلتها أولاً، ولاستغلال تجار الأزمات الذين يملكون رخصة بيع الغاز، حيث أن بعضهم رغم ما يحصل عليه من عدد محدد وقليل من عبوات الغاز التي لا تكفي حاجة المنطقة التي يخدمها، يحرص على عدم بيع كامل الكمية التي أعطيت له من مؤسسة الغاز بالسعر الذي حددته المؤسسة، والذي يبلغ بعد أن رفعته الجهات الرسمية المسؤولة عن مادة الغاز منذ بداية الأزمة (420) ل.س، وهو بذلك يوزع نصف الكمية لمحلات الغاز، ويحتكر النصف الآخر ليبيعه بأسعار مرتفعة تتراوح بين (1500 أو 2000) ل.س، مستغلين بذلك نقص كمية هذه المادة في الأسواق وحاجة المواطنين خصوصاً في ظل تباعد الفترات التي توزع بها مؤسسة الغاز هذه المادة والتي قد تصل لأسبوعين أو ثلاثة في بعض المناطق، فقد بدأ العمل بنظام القسيمة أي على كل مواطن أن يحصل على بطاقة قبل أسبوع أو أسبوعين من محل بيع الغاز ليحصل على عبوة غاز في حال وصول الكمية إلى منطقته والتي تنفد بمجرد وصولها، وفي حال عدم علم بعض المواطنين بوصولها، فإنهم سيضطرون للانتظار لأسبوعين أو ثلاثة آخرين للحصول على عبوة واحدة، وبذلك سيحرمون من هذه المادة عدة أسابيع، ما يضطرهم للبحث عن بدائل أخرى، لطهي الطعام في بيوتهم كالاعتماد على الحطب في طهي طعامهم يومياً كما هي الحال في معظم الأرياف، و مخيم الوافدين أحد هذه الأرياف التي تعاني من نقص مادة الغاز وباتوا يطهون طعامهم على الحطب على سطوح منازلهم.
مواطنون بلا غاز
(أم شادي) ربة منزل تسكن في مخيم الوافدين، تصف لـ«قاسيون» ما تعانيه مع عائلتها جراء عدم توفر مادة الغاز، فتقول: «منذ ثلاثة أسابيع ونحن في بيتنا لا نملك جرة غاز، ونعتمد في طهي طعامنا وإعداد القهوة والشاي لضيوفنا على الحطب، نتيجة قلة كمية مادة الغاز المخصصة لمخيم الوافدين والتي لا يوصلها الموزعون كاملة إلى مراكز التوزيع، وفي حال عدم علمنا بوصولها تنفد الكمية مباشرة دون أن نتمكن من الحصول على عبوة غاز كما حصل معنا حالياً، فهل تعاني أسر المسؤولين في سورية من نقص هذه المادة؟ وهل يدركون معنى طهي الطعام على الحطب ونحن في عام 2012؟ أم أن لهم الأولوية في الحصول على الغاز الذي يصل إلى بيوتهم دون الحاجة لتكبد عناء الوقوف في طابور الدور والدخول في شجارات ومشاحنات مع من يقف في هذا الطابور؟».
أمّا (أحمد) وهو من سكان منطقة المهاجرين بدمشق فيتحدث عما يعانيه وزوجته جراء عدم توفر مادة الغاز في بيته الذي لا يوجد فيه لا شرفة ولا سطح يمكنه من الاعتماد على الحطب لطهي طعامه ريثما يحصل على عبوة غاز.. يقول: «منذ شهر تقريباً ونحن دون غاز في بيتنا، لم أتمكن من الحصول على عبوة غاز حتى الآن، وأنا وزوجتي نضطر منذ شهر لزيارة أهلي أو أهل زوجتي لتناول طعام الغداء، عدة مرات سمعت عن أشخاص يبيعون عبوة الغاز الواحدة بـ(2000) ل.س، لكن ضعف إمكانياتي المادية لا تسمح لي بدفع هذا المبلغ، كما أني في عملي طوال اليوم في الوقت الذي يتم توزيع مادة الغاز في منطقة المهاجرين، والتي تنفد بمجرد وصولها، فكيف سأحصل على هذه المادة؟ لا أعرف.. خصوصاً أنني أعمل في قطاع خاص، و في حال غيابي سيخصم من راتبي الذي هو أصلاً لا يكفيني وزوجتي لنصف الشهر رغم أني لم أرزق بأطفال بعد ولا أفكر حالياً بالإنجاب حتى لا يعانوا ما نعانيه أنا وزوجتي».
فساد المؤسسات الاستهلاكية
أما (أبو صالح) وهو من أهالي منطقة مساكن برزة، فيوضح معاناته في الحصول على عبوة غاز واحدة من المراكز الرسمية الحكومية؛ ويقول: «قصدت إحدى المؤسسات الرسمية التابعة لمؤسسة الغاز لشراء عبوة غاز اضطررت للوقوف أكثر من ساعتين، ولم أتمكن مع عدد كبير من المواطنين من الحصول على عبوة غاز واحدة، ليس لعدم توفر كمية تكفي من يقف في طابور الدور، بل بسبب المحسوبيات والرشاوى، خلال الفترة التي قضيتها في انتظار دوري، وأنا أرى أشخاصاً برتب عسكرية وأشخاص يبدو عليهم الثراء يدخلون ويخرجون بوقت لا يتجاوز خمس دقائق ويخرجون بأكثر من خمس أو ست عبوات غاز، وعندما بدأ الواقفون في طابور الدور يتذمرون كان جواب الموظفين في المؤسسة، (هاد عسكري ما فينا نرفضلوا طلب وهاد مسؤول بيبهدلنا، وهداك مدعوم و الله بيخرب بيتنا)، إضافة إلى فساد بعض الموظفين في المؤسسات الاستهلاكية الحكومية المسؤولة عن بيع هذه المادة، حيث يتقاضى بعض الموظفين الرشاوى من بعض المواطنين القادرين على دفع الرشاوى لتأمين عبوة أو عبوتين من الغاز دون أن يقفوا في طابور الدور مثلنا، ما يجعل الكمية المتوفرة من مادة الغاز في هذه المؤسسات لا تكفي لكل الأشخاص الواقفين في طابور الدور، فالبعض يحصل على خمس عبوات من مادة الغاز لأنه من المسؤولين أو لأنه ثري، والفقراء (انشالله عمرهم)».
ويضيف (أبو صالح): «اذا كانت المؤسسات الاستهلاكية الرسمية لا تحترم حقوق المواطن في الحصول على مادة الغاز فلا عتب على تجار الغاز غير الرسميين».
أين الرقابة على الغاز و المازوت؟
سؤال يطرحه المواطن يومياً، أين رقابة الجهات الرسمية المسؤولة عن مادتي الغاز والمازوت؟ وهل تقاعسها عن ضبط الأسعار ومحاسبة تجار الأزمات وضعاف النفوس من موظفيها، نتيجة ضعف في جهازها الحكومي؟ أم نتيجة الفساد المستشري في أروقة المؤسسات الحكومية؟ وهل يمكن اعتبارها مساهمة في زيادة حدة الأزمة التي تشهدها مادتي الغاز والمازوت خصوصاً من خلال غض طرفها عن كل هذا الاستغلال الذي يعاني منه المواطن في سورية؟ وهل يدركون أن حرمان المواطن من أهم متطلبات الأساسية التي لا يمكنه الاستغناء عنها، سيؤدي إلى زيادة الحراك الشعبي المطالب بحقوقه المشروعة، وبالتالي زيادة حدة الأزمة في سورية؟!.
والسؤال الأهم الذي يطرحه المواطن هذه الأيام: هل غياب الرقابة على أسعار المواد الأساسية الضرورية لحياة المواطن اليومية أحد منجزات الإصلاح الذي يتحدث عنه المسؤولون في سورية، وهو سؤال نضعه برسم كل مسؤول يتحدث عن الإصلاح ولا يقف هو أو أحد أبنائه على الطوابير الممتلئة للحصول على جرة غاز أو «غالون» مازوت!!.