بالنسبة لإصلاح القضاء.. هل هكذا حقّاً تورد الإبل؟!
أن يكذب عليك صديق أو زميل عمل في شأن ما، هو أمر مقبول نسبياً ومتوقع الحدوث، خاصةً إذا كان ذلك لا يسبب لك أذى ينعكس عليك بأثر بالغ في حياتك اليومية، أما أن تصبح وتمسي يومياً على أمل تحقيق ما دعوت به، ولكن دون جدوى، لا بل مع مزيد من الاستهتار واللامبالاة بأهم أولويات الحياة، وهي المعيشة اليومية لك ولأفراد أسرتك، فهذا هو الأمر غير المقبول وغير المتوقع، وتحديداً عندما يصدر هذا الإهمال عن مسؤولين كبار وأصحاب قرار مسؤولين مباشرة عما لحق بك من الأذى وبيدهم إصلاح الخطأ ورفع الضرر!!.
بعد أن تم إخلاء سبيلهم بقرار رئيس محكمة الجنايات الثانية بدمشق عن مدة توقيف دامت خمسة وعشرين شهراً بسبب ما أطلق عليه ملف فساد المصالح العقارية، توقع القضاة العقاريون العاملون في محافظة ريف دمشق أن يتم إنصافهم وإعادة النظر فيما لفق لهم من إتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، ولم تبن على أي سند قانوني، لا بل كانت مخالفة لأحكام الدستور «مبدأ صيانة الحرية وحمايتها»، وكذلك للأصول القانونية «مخالفة آثار التقادم وحجية الأحكام المبرمة»، والأهم هو إحالتهم إلى القضاء الجزائي سنداً لضبط أمني استقر الاجتهاد القضائي على عدم جواز الاعتداد به كون هذه الجهة الأمنية «إدارة المخابرات الجوية» ليست ذات صفة عدلية، والتي أملت بدورها على إدارة الأمن الجنائي بوجوب نسخ ضبوطها وأخذ بصمات القضاة عليها قسراً تحت التهديد بإعادتهم إلى أقبية المخابرات الجوية في حال رفضوا البصم على هذه الضبوط، وكانت هذه حال 54 موقوفاً تمت إحالتهم بالملف نفسه وفي يوم واحد (قرار محكمة النقض غرفة الجنايالت الاقتصادية رقم /250/ لعام 2009، الاعتراف أمام الأمن لا يصلح للإدانة بجرم جنائي).
إن ما استقر عليه الإجتهاد القضائي أيضاً بخصوص الأحكام القضائية (نظرية الأحكام) هو أن «الأحكام المبرمة هي حجة بما انطوت عليه ولو بنيت على مخالفة لأحكام القانون»، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالتقادم الطويل على الفعل الجرمي، فقد نصت المادة /437/ أصول محاكمات جزائية على سقوط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي بانقضاء عشر سنوات من تاريخ وقوع الجناية إذا لم تجر ملاحقة بشأنها خلال تلك المدة. وهنا لابد من التساؤل: كيف يتم توقيف أحد القضاة العقاريين هؤلاء لمدة خمسة وعشرين شهراً بسبب ثلاثة أحكام صدرت عنه في أعوام 1993 و1996؟ أي بعد انقضاء التقادم الطويل عليها بسنوات! إذ أن التوقيف بسببها كان بتاريخ 26/4/2009.
والأغرب من ذلك أن هذه الأحكام مبرمة ومصدقة من محكمة الاستئناف جميعها، ما أكسبها حصانة قضائية تمنع حتى مناقشتها!! وإذا كان القاضي المذكور متهم بهذه الأحكام جدلاً فلماذا لم تتم مساءلة قضاة محكمة الاستئناف في ريف دمشق، والذين صدقوا هذه الأحكام وأيدوها نظراً لموافقتها الأصول القانونية؟ ومن هي الجهة المسؤولة عن توقيف قاض وإحالته للقضاء سنداً لأحكام متقادمة ومبرمة استئنافاً، ومحاكمته كما يحاكم المجرمون رغم إثارته لهذه الدفوع أمام الجهة الأمنية والقضائية، ورغم اجتهاد محكمة النقض الغرفة الجنائية الثالثة بقرارها رقم /1973/ لعام 2008 «في حالة إقامة الدعوى وتحريها بعد مرور مدة التقادم تعتبر الدعوى مستوجبة التشميل بالتقادم وعدم النظر بها لجهة الموضوع وتوفر أركان الجرم»؟.
إن ما يثير الاستغراب بشكل ملفت وفضائحي هو صرف بعض القضاة العقاريين من الخدمة دون سواهم من القضاة الموقوفين معهم وذلك بموجب قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم /1381/ تاريخ 18/3/2010 بشكل انتقائي ودون أي مسوغ قانوني، ما يدل على أن هذا القرار لا يعدو كونه مثالاً على سوء استعمال السلطة بحق المواطنين من العاملين في الدولة، مارسته الحكومة السابقة التي أمعنت في الفساد والإفساد.
وهنا يحق للمرء أن يسأل: لماذا لم يعامل هؤلاء القضاة وسواهم من العاملين في المصالح العقارية الذين صرفوا من الخدمة وتركت عائلاتهم بلا دخل أو مورد معيشه لمدة ثلاث سنوات حتى الآن بالطريقة نفسها التي عومل بها مهندسو وزارة الزراعة (مديرية زراعة ريف دمشق) الذين اعترفوا أمام الجهة الأمنية بأنهم نظموا ضبوطاً من شأنها إنقاذ مبادلة الأراضي لمصلحة جمعية الرخاء السكنية؟ حيث تركوا من قبل الجهة الأمنية ولم تتم إحالتهم إلى القضاء أصلاً ولم يصرفوا من الخدمة رغم اعترافهم بالرشاوى التي تقاضوها!.
هل هذا ما تنطوي عليه مسيرة الإصلاح فعلاً؟ هل هكذا يتم التطوير والتحديث وتحسين السوية المعيشية للمواطن بحيث يتم صرفة من الخدمة وإحالته للقضاء دون ارتكابه أية مخالفة للأصول القانونية والأخلاقية والاجتماعية؟.
من الطبيعي والمنطقي، بل والضروري، المطالبة بإنصاف هؤلاء القضاة العقاريين وإعادتهم إلى عملهم، خاصة وأنه لا يجوز من حيث المبدأ إحالتهم إلى القضاء إلا بعد أن تقول إدارة التفتيش القضائي كلمتها عملاً بأحكام المادة /23/ من القانون /7/ لعام 1990، هذا إذا كنا في بلد يحكمه القانون وليس الوساطة والمحسوبيات. علماً أنه سبق لرئاسة الحكومة الحالية أن ألغت قرارات الصرف من الخدمة الصادرة عن رئاسة الحكومة السابقة بحق مهندسي البلديات في محافظة حلب وكذلك مهندسي مديرية الأعلاف في حمص وهم على رأس عملهم حالياً.