الأسئلة المباحة عن مشاريعنا المتعثرة.. من جسر السومرية الكهربائي.. إلى صدع قاسيون

الأسئلة المباحة عن مشاريعنا المتعثرة.. من جسر السومرية الكهربائي.. إلى صدع قاسيون

لا يمكن إلا أن ينتابك شعور بالحسرة والألم وأنت تعبر الطريق بجوار خزانات المياه المتناثرة، وخطوط نقلها الضخمة التي كانت قبل خمس سنوات مشروعاً حيوياً لإرواء قرى ريف دمشق.. أما اليوم فهي لا تعدو أن تكون مجرد غرف لا حياة فيها ولا ماء ولا رائحة توحي بحياة قد تتجدد.

 مشروع جر مياه قرية (ريمة) في جبل الشيخ هو من أهم المشاريع التي تعثرت كما تقول وزارة الإسكان، لأن الدراسات لم تكن متكاملة لهذا المشروع.. وهو عينة عن مشاريع كلفت الملايين من الليرات السورية، سواء بمنح خارجية، ومعونات على شكل قروض، أو من خزينة الدولة وعلى حساب جيوب الناس وعرقهم وكدحهم، ولكنها توقفت لأعذار في أغلبها مردها إلى الفساد الإداري أو سوء التخطيط مع غلبة (النية الحسنة) التي لا يُعمل فيها بمثل هذه المشاريع.

المشاريع التي سنتناولها ليست مشاريع سكن (رغم أهميتها وفساد إداراتها)، ولا بناء فندق، أو منتجع سياحي، أو أكذوبة لينال من خطط لها ورسم لها قروضاً بالملايين.. إنها مشاريع حيوية من أجل مواطن يئن تحت الأزمات المتلاحقة.. ولا يمكن بحال من الأحوال التعاطي معها برخاوة أو بتلكؤ.. فالناس بحاجة ماسة إليها لتبقى على قيد الحياة والإيمان بانتمائها لأرضها..

 

(الريمة).. مياه متعثرة

في آخر تصريحاته يقول مدير مؤسسة مياه الشرب في دمشق وريفها: (إن عام  2012 هو عام تحد حقيقي لمؤسسة مياه دمشق وريفها من خلال قيامها وضمن خبراتها المحلية بالاستغناء عن مشاريع قروض بنك الاستثمار الأوروبي الذي كان مقرراً لمشروع بالمنطقة الغربية لـ 14 تجمعاً، بدءاً من سعسع وانتهاء بالكسوة، ومشروع قروض بنك الإعمار الألماني لتخديم منطقة السيدة زينب، وبعد اعتذارهما عن هذين المشروعين قامت المؤسسة بإكمال دراستهما بخبراتها، وسيتم التنفيذ أيضاً بخبرات محلية وتمت المباشرة بإعداد الأضابير المناسبة لهما، وسيتم الإعلان عنهما قريباً، وتنفيذهما على مراحل، وبشكل متكامل حيث تم رصد مبلغ 1.5 مليار ليرة سورية ضمن خطة هذا العام لهذين المشروعين).

هذه التصريحات تأتي في ظروف صعبة، ومن أهمها أن الدعم المالي لهذه المشاريع قد نزعته العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، وبالتالي سيصرف لها من خطة هذه السنة، وأيضاً سيكون للدراسات شأن آخر في تسلسلها البيروقراطي وتعديلاتها، وإعادتها، وكلنا نتذكر دراسات المترو وساحة الأمويين وسواها.

أسوق كلام المدير العام من أجل التذكير بمشروع (الريمة) الذي كان من المقرر أن يروي عشرات القرى في ريف دمشق، ومئات الألوف من بشرها، ومزروعات المنطقة التي تعتبر اقتصادها بامتياز.. ولكن المشروع الكبير كتب له ببساطة: التعثر؟.

في أسباب هذه النهاية المفجعة لمشروع جاء من منحة يابانية، وتكلفته المقدرة بنحو  500  مليون لبيرة سورية ضاعت كما تقول وزارة الإسكان لأن الدراسات لم تكن متكاملة لهذا المشروع.

وبقي الكلام مبهماً كالعادة، ولما يتكرم أحد بتفسير ما الذي تعنيه دراسة غير متكاملة، وأما أبسط الأسباب التي يعرفها سكان المنطقة المجاورة لنبع الريمة فتقول إن النبع لا يستطيع بسبب سنوات الجفاف تخديم المناطق العطشى فهو أيضاً يعاني منها، وبالكاد هو يسقي المنطقة التي تحيط به.

الدراسات غير المتكاملة لمشروع كلفته 500 مليون ليرة سورية ماذا كلفت، وهل تعني أن أخطاء بسيطة لا يمكن تصحيحيها كانت وراء التوقف غير المفهوم؟ وهل تمت محاسبة واضعي الدراسة، ومن هم، أم أنها عادتنا في النوم على قرارات تفتيش فاضحة (إن وجدت)، أم كأن شيئاً لم يكن فنحن نعمل على مبدأ (لم ندفع من جيبنا)؟؟.

 

جسر بـ (115) مليون ليرة سورية

حكاية جسر السومرية في أصلها لا تزيد عن حكاية جسر مشاة عادي في شارع مزدحم بالبشر، وقد تنادت صحف ووسائل إعلام مختلفة من أجل إشادة جسر لأهالي السومرية ومن يستخدمون (كراجها) كي لا يموتوا بثمن بخس بسبب عبوره من منصفات هم من صنعوها بحسب تسلل سكنهم، وقد تسبب هذا العبور الكيفي في مقتل الكثيرين، ومنهم بعض أطفال المدارس والعجائز.

ولكن ومع قيام محافظة دمشق بإعادة تجميل مداخل المدينة العاصمة تم ضم فكرة الجسر إلى المدخل، وهنا جاءت فكرة الجسر الكهربائي الذي سيعطي للمدخل الغربي لدمشق جمالاً فوق جمال.

وللحقيقة تم إنجاز المدخل بطريقة جميلة رغم الوقت الطويل الذي كان من الممكن اختصاره، وتوفير الكثير من العناء على مستخدميه، من سيارات ومشاة، وتقليل الغبار وأصوات الآليات التي طغت على المنطقة المأهولة في ضاحية السومرية.

ولكن بقيت ومنذ ما يقارب الشهور السبعة معضلة الجسر العملاق الذي لا يتجاوز طوله عشرين متراً بين ضفتي الطريق، وأما الصدمة فكانت في تقرير المكتب التنفيذي في محافظة دمشق حول التكلفة المقدرة لإنجاز هذا الصرح  بـ 115 مليون ليرة سورية.

من أجل جسر يشبه القلعة تدفع الدولة 115 مليون ليرة سورية من حجم تكلفة المدخل الغربي، ويتأخر تشغيله حتى بعد وضع اللمسات ما قبل الأخيرة على المشروع، ويبقى عالقاً مع الجسر استكمال الطريق الذي تحول دون إتمامه محلات مخالفة لبيع الخمور والمشروبات والدخان الأجنبي المهرب، وهذا ما أفصحت المحافظة عن  اتخاذها قراراً نهائياً بإزالة جميع الأكشاك والمحال في منطقة السومرية، وذلك لإنجاز عملية توسيع أوتستراد السلام الدولي الذي يصل دمشق بمدينة القنيطرة.

ويبرر المهندس معن قنواتي مدير الإشراف في المحافظة هذا التأخير وهذه التكلفة : ( إن هذا الجسر تم بناؤه ليس من أجل حركة عبور بسيطة للناس بشكل يومي، وإنما هو جزء من مشروع ضخم.. النصف الأول تم، والآخر قيد الدراسة).

مدير الإشراف لا ينسى المواطن الذي من أجل راحته دفعت هذه الملايين: ( الحركة تبدأ من السومرية، وحتى الآن تم تنفيذ جزء منه وهو الجزء الشمالي، والقسم المقابل هو الجزء الجنوبي ، وبينها يوجد جسر مشاة مميز وضخم يحمل نواقل كهربائية سريعة، والقصد منه هو تسهيل حركة نقل المواطن، وبالأخص المواطن المسافر ومعه حقائب وأمتعة ، فيعبر الطريق بحركة سلسة وبأمان).

إذاً هما اثنان في واحد، الآخر نفذ ولم يعمل، والثاني قيد الدراسة، وإذا ما أخفق الأول (لا سمح الله) فلأن الدراسة لم تستكمل، و على المواطن الذي سينتقل عبر الجسر المريح أن ينتظر استكمال المشروعين؟.

أما إذا ما قادتك المقادير صباحاً إلى السومرية وهذه طريق سكان خمس محافظات (دمشق، ريف دمشق، القنيطرة، درعا، السويداء) فستعرف ماذا يعني هذا الكلام على أرض الواقع.. شارع تتراكم فيه السيارات، وبشر يتجاوزون من كل الممرات المتاحة، وكل الموظفين من هذه المحافظات وأصحاب المصالح يعبرون في وقت واحد إلى العاصمة، وعلى أطراف الطريق ثمة عمل يتواصل، وأكشاك تبيع الدخان المهرب والقهوة السريعة، والباصات الكبيرة لجميع خطوط المدينة تأتي وتغادر وسط زحام صباحي غريب، وتراكض بشري لتأمين كرسي في الباصات القديمة الذاهبة إلى (العباسيين) عن طريق المتحلق الجنوبي، وأما سيارات التكسي العمومية ف لها حصة في اصطياد راكب متأخر، وتشارك بحصتها في الزحام.

فيما يبقى مثيراً منظر  شرطة المرور الذين يعبرون بين السيارات لتخفيف الزحام عن (الكراج) وتأمين اصطفاف سيارات نقل المواطنين، وتقصير وقت وقوف بعض السائقين الجشعين.

 

صدع قاسيون القاتل

نامت القصة عند تصريحات عن خطر محدق بساكني قاسيون، وقال البعض (أصحاب النوايا الشريرة) إن هناك مخططاً على ما يبدو وراء هذه التصريحات تفوح منها رائحة مشروع استثماري سياحي لأحد رجال الأعمال في ظل حملة استثمارات كبرى في السياحة، وخدمات المترفين.

وحتى لا يكون الكلام دون رائحة ومجرد دسائس فقد صرح مدير التنظيم العمراني في محافظة دمشق المهندس عبد الفتاح اياسو منذ ثلاث سنوات ولجريدة الثورة ما يلي : (انه يتوجب إجلاء نحو 4 آلاف عائلة من هذه المنطقة وفقا لدراسة جيولوجية رسمية أعدت مؤخراً).

في تفاصيل الدراسة يقول اياسو: (إن الدراسة أظهرت وجود صدع رئيس وآخر فرعي وهو ما يشكل خطرا على سلامة الأبنية المشيدة في تلك المنطقة، وتوجد في سفح جبل قاسيون آلاف المنازل التي أقيمت بطريقة عشوائية والتي تغص بالسكان).

ومن أجل الدراسة المفزعة ماذا فعلت محافظة دمشق يقول مدير التنظيم العمراني: (إن المحافظة أوقفت الدراسات الخاصة بتنظيم هذه العشوائيات ريثما تستكمل الدراسات الجيولوجية للمنطقة بشكل نهائي).

ومن ذلك الوقت لم يعد أحد يذكر 4000 أسرة في سفح قاسيون المتصدع من الممكن أن تطيح بهم هزة أرضية بدرجات قليلة على مقياس (ريختر)، وهم من دونها يتساقطون مع بيوتهم مع ازدياد بسيط لمطر دمشق القليل، والأدهى أن يُحدث أنبوب ماء مكسور لم يعالج لأيام فعل زلزال في طوكيو أن يدمر أربعة في قاسيون، وتكون المعالجة السريعة بنقل أهلها إلى مقام أهل الكهف قبل الذروة بقليل. 

هي مشاريع المواطن التي ما زالت عالقة، وهذا ما يقود إلى أسئلة طال البحث فيها عن أزمات مستعصية يتم حلها مرحلياً ريثما تخلق هذه الحلول أزمات جديدة... من مشاكل النقل التي استعنا عليها بالباصات الصينية وشركات النقل العامة الخاصة، وتوسيع شبكة الطرق، والمترو الذي ذبحته الدراسات الفرنسية والإيرانية والفساد.

وأما المياه فحدث ولا حرج عن مشاريع بملايين الليرات تم دفنها في الأرض في خطة على سبيل المثال لتجديد شبكة ريف دمشق، وتكتشف بعد فترة أنه جزء من مشاريعها لم يسلم بسبب استخدام أنابيب بمواصفات متدنية، وانفجارها في الشوارع لمجرد ارتفاع منسوب المياه، وهطولات مطرية غير متوقعة.

 مصائر متشابهة لهذه المشاريع الرئيسية.. بعضها تم الإفراج عنه بإعلان فشله وتعثره، فيما بقية المشاريع تنتظر شجاعة مسؤول بضمها إلى قائمة المشاريع المتعثرة، أو الإعلان عن تقديم من يمارس التسويف، وأصحاب الدراسات، والمنتفعين الكبار والصغار إلى المحاكم، وملاحقة أصحاب التصريحات الرنانة، فالبلاد بحاجة إلى الكثير من الرحمة، وأنه آن الأوان أن تعمل فيها يد محبة، وقامات مناسبة.