ضرائب غير عادلة على فلاحي سهل البقيعة سد المزينة مجرد مستنقع وشبكة الري غير مجدية والخاسر هو الفلاح
فرضت وزارة الري رسوم ري على قرى سهل البقيعة ووادي النضارة البالغة حوالي خمس عشرة قرية بحجة الاستفادة الأراضي من الري من مياه سد المزينة وشملت هذه الرسوم ضرائب عن ثلاث سنوات سابقة علماً أن الفلاحين لا يستفيدون من مياه السد لري أراضيهم لكثير من الأخطاء الواردة على تنفيذ المشروع وشبكة الري على أرض الواقع والسوء في توزيع المياه وعدم الاستفادة الكثيرين منها. حول موضوع ري الأراضي من سد المزينة وعدم عدالتها وباعتبارها عبئاً جديداً على الفلاحين وتحميلهم صعوبات وتكاليف إضافية غير عادلة إضافة إلى أعبائهم وصعوباتهم السابقة،
كانت «قاسيون» قد نشرت شكوى الفلاحين من هذه الضريبة في العدد /482/ الصادر بتاريخ 18/12/2010، ووجهت نداءً لوزارة الري بضرورة دعم الفلاحين ورفع الأعباء عنهم وضرورة تشجيعهم على الالتصاق بأرضهم والتشبث بالزراعة بتحسين وضعهم المعيشي وخفض تكاليف الإنتاج. وحول تفاعلات هذا الموضوع كان ل«قاسيون» اللقاءات التالية مع فلاحي سهل البقيعة الذين اجتمعوا في ناحية الحواش وحدثونا عن مشكلاتهم وضرورة حلها:
ـ أحد الفلاحين قال: «رغم وجود لجنة فنية لدراسة السد كان التنفيذ غير مطابق للمواصفات الفنية المطلوبة، أول عطل هو السكر الرئيسي الذي يهرب المياه، وحين شكونا للمهندس قال السكر عاطل، نحن نعرف أنه عاطل، ولكن ألا يمكن إصلاحه؟! ألا يجب إصلاحه؟! ثم يقول إن الخط الفلاني لا يمكن تمرير المياه فيه بحجة أنه لا يتحمل الضغط، كيف ذلك؟! أين الدراسة الفنية والمواصفات؟ أين حساب ارتفاع الأراضي والضغط المحتمل ومواصفات البواري التي تحتمل هذا الضغط؟ ومن وضع الشروط؟».
ـ فلاح آخر تابع: «فرضوا علينا ضريبة ورسوم ري على السنوات الثلاث الأخيرة، بعد أن أخبرونا في السنين السابقة أن السد تحت التجريب، وفجأة يصدموننا بفرض رسوم ثلاث سنوات، وحتى لو فرضنا أننا نسقي حقاً من السد، كيف لا يخبروننا بالرسوم كل عام بأوانه ويفاجئون الفلاحين برسوم ثلاث سنوات دفعة واحدة؟ ألا يكفينا ما نتحمل من أعباء وخسائر وضغوط؟».
أحد الفلاحين قال: «فرضوا رسوم ري على الأراضي المزروعة حنطة وهذا ظلم وغير منطقي وغير عادل فالحنطة عندنا موسم شتوي ولا تحتاج لسقاية من السد، وإذا حدث أن احتاجت حقول الحنطة للري كما حدث هذا العام بسبب الجفاف وتأخر الشتاء، وحكينا مع المهندس عن حاجتنا للري وطياف الحقول فقال «لا يوجد مياه في السد»، وفعلاً لو نزلت إلى السد لوجدت أنه ليس أكثر من مستنقع، فمياهه تهرب عبر الشبكة الخربانة منذ أكثر من سنتين ولم يتم إصلاحها، نحن لسنا ضد الحضارة، السد أوفر من المازوت، ونحن مع السقاية بالتنقيط فإنه حسب الدراسة النظرية يخفف العبء والتكاليف على الفلاح، ولكن تأخذ رسوماً عن خدمة لا توفرها؟! هات مياه عبر الشبكة وخذ رسوماً قدر ما تريد».
ـ وآخر قال: «السد لا يمكن أن يكفي قرى سهل البقيعة البالغة حوالي /15/ قرية ومنها الحواش، المزينة، البساس، قلعة السقا، التلة، عناز، باروحة، عش الشوحة، والشميسة وغيرها، مياه السد تذهب هدراً أمام أعين الجميع وتصب في الريكار، والشبكة مكسورة منذ أكثر من عامين، تم إصلاحها مرة ولم يتوقف تدفق المياه إلى الريغار وناموا على الموضوع، المياه تجري خسارة أمام أعيننا وتعتصر قلوبنا حسرة على هذه الخسارة ولا أحد يكترث. وحسب التنفيذ الحالي الري من السد بالتنقيط لا يمكن أن يكون عملياً ولا يمكن أن يكون مفيداً، لأنه مياه مجارير حيث أن كل خطوط الصرف الصحي لكل القرى المحيطة به تصب في السد، وهذه ظاهرة خطيرة وسيئة، المياه مليئة بالأوساخ والموثات».
تنفيذ الحضارة بالتخريب والتدمير
حتى الأراضي المجوفة المفرغة من التربة الزراعية الجيدة لصالح السد والتي لا يستفيد أصحابها منها صيفاً وشتاء، لأنها في الشتاء هي بحيرات ومستنقعات حيث أصبحت أراضٍي منخفضة المنسوب بالنسبة للأراضي التي حولها والتي لم يتم تجريف التربة منها، وفي الصيف لا يوجد مياه حتى في السد لسقايتها، ومع ذلك فقد تم فرض رسوم الري على هذه الأراضي التي خسرها أصحابها كأراضٍ زراعية وأصبحت عديمة الفائدة.
في حينه وعند بناء جسم السد حضرت آليات الشركة المنفذة للمشروع مدعمة بقوات حفظ النظام والشبيحة الذين أطلقوا النار على الفلاحين الذين دافعوا عن أراضيهم ضد تجريف تربتها الزراعية الغنية، وعند فتح التحقيق أحصى المحققون حينذاك /15/ ألف طلقة أُطلِقت على المواطنين والفلاحين، وتم توقيف فلاح عجوز عمره /77/ عاماً ووابنته لأنهما دافعا عن أرضهما ضد التجريف، والفلاح الذي لم يستطع الدفاع عن أرضه وتم تجريفها خرجت من تصنيف الأراضي الزراعية، ولم يعد لها أية فائدة، فانظروا كم هي الخسارة كبيرة.
ـ فلاح قال: «لا يوجد تعاون بين اتحاد الفلاحين ووزارة الزراعة ووزارة الري، وحتى الإرشاديات فكل قراراتها وكل ممارساتها ضد الفلاح، وكأن هناك سياسة مقصودة ومرسومة لتدمير الزراعة وتهجير الفلاح من أرضه وتتريكه الزراعة. وزارة الزراعة ضد الفلاح، لا يمكن إتمام معاملة إلا بشق النفس، الإرشاديات (تعوِّفنا اللي خلقنا) الإرشاديات ضدنا عينك عينك، من أين سيحصل الفلاح على الرسوم لثلاث سنوات؟ وخاصة الذي لم يسقِ أرضه ولم يستفيد من مياه السد! نسوا أن هناك خطة لتحسين وضع الفلاح ودعمه ولكن الممارسات الفعلية تدل على أن هناك شيئاً مقصوداً لتهجير الفلاح من أرضه، كل السياسات في هذا البلد ضد الفلاح وضد المواطنين بشكل عام، من الوزارات للمحافظ لكل القرارات والقوانين».
ـ من زاوية بعيدة انطلق صوت يقول: «الذي خطط لهذا المشروع على الورق أراد لسهل البقيعة أن يكون قطعة من الجنة، فالمشروع نظرياً حضاري جداً ومفيد ومريح للفلاح، فكم جميل أن تقف عند السكر وتفتحه فتأتيك المياه التي تريدها، فهذه حضارة ما بعدها حضارة، ولكن التنفيذ على أرض الواقع لا يواكب هذه الوعود والمخططات، الفلاح رمز للعطاء والخير والتضحية، ومن المفروض أن نقابل هذا العطاء بعطاء ونبادله المعاملة مثلما يقدم لهذا البلد، من هنا كيف تأخذ مني رسوم المياه وأنت لا تعطيني المياه؟! أتحمِّلني هموماً وأعباء إضافية فوق معاناتي ومعاندتي للطبيعة وقساوة الأيام وصعوبة العمل؟! المشروع غير ناجح ولا يؤدي المهمة المتوخاة منه! ما هي الأسباب لا أدري! أنا كفلاح بسيط لا أعرف ما الأسباب! سألنا الشركة فقالوا الأنابيب لا تتحمل الضغط، وإذا لم يتم ضغط المياه فإنها لا تصل إلى الكثير من الحقول المرتفعة! وعلى حديث المسؤولين في الشركة فإن نوعيات البواري سيئة رغم أن الدراسة والجدوى الاقتصادية موجودة».
القضاء على البيئة الزراعية للحفاظ على السياحة
صدر قرار عن محافظة حمص بمنع تربية المواشي والدواجن عند فلاحي سهل البقيعة بحجة أنها تؤثر على السياحة، فكيف يمكن أن يعيش الفلاح دون تربية المواشي كالبقر والأغنام والدواجن؟ وكيف يسمى فلاحاً أصلاً؟ فالتربية من صلب العمل الزراعي وتساعد على رفع مستوى المعيشة في المنطقة. وكيف تؤثر تربية الأبقار والدواجن عند الفلاحين على السياحة؟! ففي أوربا وفي أفضل الدول السياحية يتم توزيع /5/ دجاجات على كل بيت لتربيتها قسراً، وذلك للعمل على التخلص من كثير من النفايات، فهي بالإضافة إلى فائدتها الاجتماعية الاقتصادية تساعد على تنظيف البيئة، فبأي قانون يتم منع تربية الدواجن والمواشي عند فلاحي سهل البقيعة؟! ومن الذي اخترع هذا القرار؟ وبناء على ماذا؟
ـ صوت آخر قال: «كل سنة تأخذ الشركة مياه نبع الناصرية وتديرها قبلي وترجعها إلى السواقي القديمة التي خربتها، لو أن المشروع ناجح ويؤدي وظيفته فهل هم ملزمون بالقيام بهذا الأسلوب المتخلف؟! نبع الناصرية كان يروي الأراضي حسب خطة قديمة اعتاد الفلاحون عليها وكل أرض لها سعة إرواء مدروسة فجاؤوا بهذا المشروع وأخذوا مياهنا وخربوا السواقي ولم يعوضوا علينا المياه، ويريدون الآن أجور الري»
ـ وآخر قال: «من عام 1997 حتى الآن بالرغم من كل التسويف والوعود وأنهم سوف يصلحون الشبكة ويوفرون المياه وسنعمل وسنقدم وسَوف وسَوف... وفجأة يأتوننا بثلاث سنوات ضرائب ورسوم وأجور ري، هل يسمح القانون بذلك؟! كانوا خلال السنوات السابقة يأتوننا فيقولون سنجرب الري هذه السنة من السد والمياه مجاناً، والفلاحون يستجدونهم (كرمى لله ابعثوا لنا مياه إلى أراضينا)».
افتعال نقمة بين الأهالي
ـ شرح فلاح آخر مشكلة اجتماعية خطيرة فقال: «سمعنا أنه من أهداف السد تخفيف العبء على الفلاح لحثه على الالتصاق بأرضه، ولكن بسبب هذا السد وهذه السياسة التي يعاملوننا بها فإن جاري في الأرض الذي عشت العمر معه كالأخوة، جدّي وجدّه عاشوا سوية، وأبي وأبوه عاشوا سوية، وأولادنا ربيناهم سوية، وفجأة أصبح عدوي، واختلفنا على دور السقاية، وأصبحنا نتقاتل ويزداد الخلاف والشقاق بيننا يوماً بعد يوم، كلما رأيته قادماً ليسقي أرضه أتعوذ بالله من الشيطان، وأدعو له بالعرقلة، ويارب يمرض، يارب يروح فيها، يارب يكون عنده مشكلة تعيقه من السقاية، لأن (زرنوقة) المياه إن أخذها قبلي فلن تصل المياه إلى أرضي، فما الحل؟ وأين يكمن هذا الحل؟ بيد من؟! من يتأخر عن حل المشكلات؟! ومن يساهم بخلقها بشكل مقصود؟! على الورق كل المسؤولين يعملون على إيجاد صيغ لترتيب وتجميل الواقع، ولكن الحقيقة أن الواقع سيء ويجب إيجاد حل له، زبدة الكلام أن هذه المليارات التي تم توظيفها في هذا السد بهدف خدمة الفلاح، ولكنها ليس فقط ذهبت هدراً، بل تم توظيفها لافتعال نقمة بين الأهالي والفلاحين، بينما لتقوية النهج المقاوم فالمطلوب هو عكس هذه الممارسات، دعم مسيرة البناء والحفاظ على كرامة الوطن والمواطن تتطلب عكس ما نراه على أرض الواقع».
ـ شارك آخر برأيه فقال: «مشكلة استصلاح الأراضي ستخلق مشكلة أخرى في المستقبل، أسلوب التجفيف الذي يتبعونه سيؤدي إلى تملح الأرض بعد بضع سنوات وسيلزمها إعادة استصلاح من جديد. قالوا إنهم سيأخذون منا رسوم استصلاح وتجفيف من العام القادم وعلى مدى /33/ عاماً. رسوم الري تفرض حتى على من سار البوري بأرضه وحتى لو كان غير مستفيد منه، مثل العقارات والمساكن التي ضمن المخطط التنظيمي، تدفع رسوم ري فقط لأن البوري من عقارك إلى الأراضي الزراعية التي تليك. السد خذل الفلاحين ولم يخدمهم، إننا نطالب فقط أن يكون سد المزينة تماماً مثل سد تل حوش، في سد تل حوش المياه موجودة ليلاً نهاراً في الشبكة وصيفاً وشتاءً، متى أراد الفلاح سقاية أرضه عليه فقط فتح السكر، إلا أن سهل البقيعة مغضوب عليه مع أنه من أجمل وأخصب سهول سورية، وخيراته ومنتجاته من أفضل الأنواع طعماً وشكلاً».
ـ أحد سكان البلدة قال: «حتى الأراضي التي على الجبل فوق مفروض عليها رسوم ري، ما ذنب صاحب العقار على الجبل فوق ولا يستفيد من شبكة الري حتى توضع على عقاره إشارة من الري ليمنع حتى من الترخيص إذا أراد استحصال رخصة بناء وحتى ضمن المخطط التنظيمي؟! قلنا لهم في حينها ألا يمدوا الأنابيب ضمن التنظيم، هنالك أنابيب ري ليس لها داعٍ بين البيوت والتجمع السكني، وحتى لو كانت موضوعة على مخطط الشبكة قبل التوسع التنظيمي، فإن تنفيذها والإصرار عليها في حينه وبعد صدور مخطط التوسع كان خطأ فادحاً يدفع المواطنون ثمنه الآن، مدوها ضمن البيوت وهدموا جدراناً، ويدفِّعون المواطنين رسوم ري».
ـ فلاح آخر قال: «الفلاح الذي يزرع التبغ يحس أنه كي يحصل على حقه بسعر جيد لمحصوله يجب أن يذل نفسه ويقبِّل الأيادي، فالموظف الذي يأتي ليأخذ محصول التبغ يفرض عليك أتاوة على كل بالة /100/ ل.س، هكذا وبكل وقاحة، وإلا فإنك لن تستلم ثمن محصولك، هذا بالإضافة إلى السعر البخس الذي حددته الحكومة لكيلوغرام التبغ، والذي لا يرد حتى تكاليف إنتاجه».
إلى أين نحن ذاهبون
أية حضارة هذه؟! وأية سياحة تلك التي نشجعها لتقضي على الزراعة والثروة الحيوانية وتربية المواشي؟! وأية أعباء وهموم إضافية نرميها فوق كاهل الفلاح الذي هو عماد الأمن الغذائي ومصدر رزقنا وداعم لقمة عيشنا؟! هل فعلاً هو مخطط مقصود لإكراه الفلاح على ترك كار أهله وجدوده؟ وترك مواردنا وخيراتنا في مهب العواصف والرياح؟! هل هنالك غاية لا نعرفها وراء إتباع هذه السياسات؟! لقد ضاقت بالسواد الأعظم من شعبنا سبل العيش، وبات غالبية المواطنين تعاني الأمرين في الحصول على قوت اليوم! فلا تكن القرارات والسياسات سبباً لحرمانهم هذا القوت، بل نحن في هذه المرحلة الحرجة من الزمن نحتاج لسياسات تدعم وتقوي أسس الوحدة الوطنية الداخلية، وتحفظ كرامة الوطن والمواطن.