أزمة المازوت تتفاقم مرة أخرى ويتم تجاهلها رسمياً  فقدان الشعور بالأمن المعيشي أحد أسباب الأزمة الوطنية السورية
يوسف البني يوسف البني

أزمة المازوت تتفاقم مرة أخرى ويتم تجاهلها رسمياً فقدان الشعور بالأمن المعيشي أحد أسباب الأزمة الوطنية السورية

كثيراً ما تحدثنا عن معاناة المواطنين السوريين عامة، وذوي الدخل المحدود خاصة، في الحصول على الحاجات المعيشية الأساسية والمقومات الرئيسية للشعور بالكفاية والأمان، وبالمواطَنة والانتماء. فمن صعوبة تأمين لقمة العيش، إلى غلاء أسعار جميع المواد والخدمات، وفقدان معظمها، إلى المشكلة الأهم والأخطر، والتي هي مواجهة أيام الشتاء والبرد القارس بالحرمان من مقومات التدفئة في معظم الأحيان، وخاصة مادة المازوت التي شكا لنا المواطنون في تحقيقات كثيرة سابقة، ما يعانونه بسبب فقدانها، أو غلائها وصعوبة الحصول عليها. فالسوريون يقفون أمام محطات المحروقات في طوابير طويلة ولساعات طويلة للحصول على (بيدون مازوت) سعة 20 لتراً فقط. وكانت مثل هذه الأزمات والمعاناة أحد الأسباب الرئيسية الهامة التي دعت الشعب السوري، للنزول إلى الشارع والمطالبة بالحرية والكرامة وتحسين مستوى العيش، في مظاهرات واحتجاجات شعبية محقة، سرعان ما راحت تمتطيها قوى الظلام والتخريب والتآمر.

وإلى الآن لم تستطع الحكومة تبيان جراح الشعب لمداواتها، ولدرء الخراب المتربص بهذا الوطن، ومع أن الأمر بسيط، إلا أن بعض العقول التي تعمل في الحكومة لم تحاول اكتشافه، أو في الحقيقة لا تريد اكتشافه وكشفه ومعالجته، لأن ذلك سوف يشير إليها أولاً في إنتاج مواطن الخلل والأزمة. ومع غياب الجدية الحكومية في البحث عن حلول لهذه الأزمة، بل على العكس صدرت بعض التصريحات الرسمية المناقضة للواقع، والتي تقول إن إنتاجنا من مادة المازوت والغاز جيدٌ، ويكفي السوق المحلية، وليس هناك أزمة أو صعوبة في الحصول عليهما، وكما جرت العادة تم تحميل المسؤولية في هذه الأزمة للمواطن، حيث قالت التصريحات الرسمية إن المواطن هو الذي يفتعل هذه الأزمة ويخلق الفوضى في التوزيع والاستجرار والتخزين، وحتى وإنْ آمنَّا وصدقنا أن المواطن هو الذي يعمل على تأمين وتحقيق أمنه ومقوماته لمواجهة أيام البرد القاسية منفرداً، بعيداً عن اهتمام الحكومة بهذا المجال، أوليس هذا من حقه، نظراً لانعدام ثقته بأن الحكومة سوف تؤمن له حاجياته الأساسية عندما يحتاج إليها، ولفقدان إحساسه بالأمن والأمان والاطمئنان فيحاول تأمين ذلك كلٌّ بطريقته الخاصة، حتى وإن تعارضت مع مطالب وأحلام الآخرين؟! هذا هو الأمر الذي يخلق الفوضى والأزمات، فالمواطن هو الذي يخلق الأزمة حسب ادِّعاء الحكومة، وهذا هروب ساذج من المسؤولية، فالمواطن السوري الذي عاش عقوداً طويلة من الأزمات المتتالية، أصبح هو نفسه ابن الأزمة وأحد عناوينها، وهذا أبسط ما ينتج حين تتخلى الدولة عن مواطنيها البسطاء ومحدودي الدخل.

مع استمرار أزمة المازوت في سورية، وتفاقمها تحت سقف الأزمة الوطنية العامة، تتبادل الأطراف المعنية الاتهامات حول (من يتحمل المسؤولية، ومن المنوط به إيجاد الحلول الناجعة والسريعة)، وفي تساؤل لـ«قاسيون» مع بعض المواطنين حول هذه الظاهرة، كانت لنا منهم هذه التصريحات:

 فساد إداري في وزارة النفط وسادكوب

ـ المواطن (إحسان ص) قال: «إن المسؤول عن هذه الأزمة هم المسؤولون عن هذا القطاع في الحكومة، والساعون لخلقها والوقوف وراءها لجني المكاسب غير المشروعة، لأنهم فاسدون وتجار أزمات، ويستفيدون من مواقعهم في الوظيفة للتحكم بتوزيع صهاريج المازوت التي يتم تحويل الكثير منها إلى غير مكانه، في خطوة لتهريبه خارج سورية وحرمان المواطن السوري من حقه في الحصول على خيرات وثروات بلده عند الحاجة إليها. ويشارك معهم في استنزاف خيرات البلد المهربون المحميون من بعض القوى المخربة في جهاز السلطة، وطالما أن هناك تسيباً وعدم مبالاة في مواجهة من يقومون بهذه الأعمال ومحاسبتهم، سيبقى الوضع مغرياً للمهربين، وستستمر الأزمة، وكان الأجدر بالحكومات السابقة وصولاً إلى الحكومة الحالية، التي بنينا عليها الآمال الكبيرة لإخراج سورية من أزمتها، أن تجد الآليات الناجعة التي تجمع بين الحلين معاً: منع التهريب، وإيصال المازوت والدعم للمواطن السوري المستهدف بالدعم، دون التفريط بأحد الشرطين على حساب الآخر».

ـ المواطن (رامي ع) قال: «المسؤولية الكاملة، الآن وفي السابق، على وزارة النفط وشركة توزيع المحروقات سادكوب، وكل مَن خلفَها من الجهات الرقابية التي تغض الطرف عن التلاعب والفساد والابتزاز، وعلى مر السنوات الطويلة لم يتوصل المسؤولون في الجهتين المعنيتين مباشرة وبكل جدية بالأمر، إلى طريقة مثلى لتوزيع المازوت والغاز على المواطنين بشكل عادل وآمن، ولا سيما تخبطهم في القرارات خلال فترات الاستجرار الكبير في السنة، ويجب تخصيص المواطن بمخصصات من المازوت والغاز ضمن آلية توزيع ناجعة تضمن وصول المادة إلى المواطن عند الحاجة ودون تعرضه للابتزاز والمتاجرة، ويجب متابعة ذلك من الجهات الرقابية التي يجب أن تمنع الممارسات الفاسدة والتجاوزات العلنية في كثير من الأحيان، ويجب وضع حد للسماسرة والتجار الذين يستغلون الوضع والظروف الاستثنائية للإتجار بمخصصات وحقوق المواطنين، ومن المؤكد أن هؤلاء معروفون لكل الجهات الرقابية ومنافذ البيع أيضاً، لذلك فمادة الغاز المنزلي والمازوت يجب أن يتم توزيعهما في زمن الذروة من المحطات وتحت إشراف مراقبين فقط، وليس توزيعهما عن طريق المنافذ الخاصة من سيارات الغاز والصهاريج الخاصة الصغيرة، تحت شرط توفير المادة في منافذ البيع العامة، وإيجاد عدد كاف من مراكز التوزيع، وفي المؤسسات الاستهلاكية، وتشديد الرقابة على توزيع المازوت ضمن المحطات حصراً، بحيث يسهل الحصول عليها من المواطن الذي يجب أن يشعر بالاطمئنان إلى توافرها وقدرته على الحصول عليها في اللحظة التي يحتاجها».

 حل الأزمة

بمواجهتها وليس بتجاهلها

ـ المواطن (قيس ش) قال: «يجب أن نسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية، ولا نخفي أنفسنا وراء إصبعنا، هناك أزمة مازوت في سورية بسبب أنه لا يوجد مازوت مكرر يكفي السوق الداخلية إضافة إلى المسارب الأخرى الطارئة التي يتم استهلاك المازوت فيها، ولم تسعَ الحكومة إلى تعويض النقص أو إنتاج ما يسد الاحتياجات الطارئة، فظهر هذا النقص في الوقت الذي بدأ المواطن يحتاج فيه للمازوت ليواجه أيام البرد القاسية، يضاف إلى ذلك سوء التوزيع والفساد الذي نواجهه في المحطات الخاصة بتوزيع المازوت، وكذلك النقص في المخصصات التي يتم توجيهها إلى المحطات من شركة توزيع المحروقات سادكوب، فالمحطة التي كانت توزع ثلاثين صهريجاً شهرياً لا يصلها في هذه الأيام سوى خمسة أو ستة صهاريج، الأمر الذي سبب القلق والتوتر والشعور بعدم الاطمئنان إلى إمكانية توفر المادة، وبدأ الناس يتساءلون عن قدرة هذه الحكومة التي على أساس أنها حكومة إنقاذ وطني، على حل هذه المشكلة، وهل ستنتهي الأزمة ليستعيد المواطن ثقته بأن الحكومة ستوفر له احتياجاته الضرورية، وتحقق له من جديد إحساسه بالأمن المعيشي والاستقرار والطمأنينة».

ـ المواطن (إلياس ق) قال: «إن السياسات الاقتصادية الاجتماعية غير العادلة المتَّبَعة منذ القديم تجاه هذا الموضوع الحساس، هي التي خلقت التوتر والأزمة، ورفع أسعار المازوت بشكل غير معقول وغير عادل مقارنةً مع دخل المواطن السوري، هو الذي سبب جزءاً كبيراً من الاحتقان الشعبي، ودعا المواطنين للنزول إلى الشارع للمطالبة بتحقيق الخدمات الضرورية للمواطن، إضافة إلى مطالبته بالحياة الدستورية الحقيقية في الحرية والديمقراطية، وها هي الحكومة تعود اليوم لتمارس السياسات القديمة نفسها، بدلاً من أن تسعى إلى تخفيف الاحتقان وتنفيذ مطالب المواطنين، فرفعت منذ أيام سعر ليتر البنزين من 44 ل.س إلى 50 ل.س، أي بنسبة 15%، فارتفع سعر صفيحة البنزين بمعدل 120 ل.س، من 880 ل.س إلى 1000 ل.س، وهناك شائعة سيئة تُتداول في الشارع السوري تقول إن الحكومة سترفع من جديد سعر المازوت، ولا نعلم كم هي نسبة الرفع ونسبة العبء الإضافي الذي سيتحمله المواطن، ونحن في هذه المرحلة الحرجة من الانعطافات التاريخية أحوج ما نكون إلى تخفيف العبء عن المواطن وليس تحميله أعباء إضافية، ومن المؤكد أن هذه الخطوة، إنْ قامت بها الحكومة، ستزيد من التوتر والاحتقان والغضب الشعبي، الذي نتمنى أن تكون هناك خطوات تسعى لاحتوائه ومعالجته بشكل عقلاني وبسياسة اقتصادية اجتماعية عادلة، في الزمن المطلوب فيه تهدئة النفوس وطمأنة المواطنين، وليس استثارتهم من جديد».

  المطلوب سياسات اقتصادية اجتماعية عادلة

نعم... نحن في هذه المرحلة الحرجة أحوج ما نكون إلى سياسات اقتصادية ـ اجتماعية عادلة، تحقق للمواطنين مطالبهم بالعيش الكريم، وتلغي من نفوسنا القلق والتوتر والشعور بالغضب والاستياء، وتزرع مكانه تمتين الشعور بالانتماء لهذا الوطن وضرورة حمايته والحفاظ عليه، بينما نرى على أرض الواقع امتداداً للسياسات السائرة بتصميم نحو جر البلاد إلى الخراب، والعودة عن هذه السياسات والقطع معها مطلوب، وخاصة في هذه المرحلة الحرجة من الأزمة الوطنية. ويجب أن تبتعد الحكومة عن السياسات التي تؤدي إلى زيادة الأعباء على أصحاب الدخول المحدودة والفقراء والعمال والفلاحين وصغار الكَسَبة، ذلك أن السياسات المتبعة حتى أثناء الأزمة محابية للفئات الغنية، مع أن الحكومة الحالية يجب أن تتعلم أن مثل هذه السياسات هي التي جرت البلاد إلى المأزق الذي نواجهه الآن، فلماذا الإصرار في الوقت الحرج على تعقيد الحياة المعيشية للمواطن السوري؟ فالمازوت والكهرباء والغاز حاجات أساسية يحتاجها المواطنون لاتقاء شر الأيام الباردة، ولتأمين مستلزمات الغذاء والسكن والمواصلات، وكل احتياجاتهم التي يدخل فيها بشكل مباشر أو غير مباشر حساب تكلفة الطاقة.

السؤال الصارخ هنا يبقى منبِّهاً ومحذِّراً من مغبة الوقوع في الأخطاء مرة أخرى، أو التعمد باتِّباعها، لعل الهدف الرئيسي، وهو إنقاذ الوطن من الدمار المحتمل، وإخراجه من الأزمة بشكل آمن وفوري، يحفز المسؤولين على دراسة قراراتهم وسياساتهم بروح عالية من المسؤولية الوطنية، والخروج بخطط اقتصادية ـ اجتماعية عادلة، تحقق للوطن الاستقرار، وللمواطن الكرامة والعيش الكريم.