الفساد بين العام.. والخاص
غالباً تعلن الدوائر والمؤسسات الحكومية عن مشاريع من مختلف الأصناف بمناقصات داخلية، مثل التشييد والبناء أو مشاريع خدمية أو توريد وتركيب معدات معينة، وهذه المشاريع تكون عائدة لهذه الوزارة أو تلك على امتداد ساحة الوطن، ويتم تلزيم غالبية المشاريع لشركات القطاع الخاص ومقاولين أفراد، رغم وجود شركات في القطاع العام قادرة على القيام بمثل هذه الأعمال، وقد يندرج هذا ضمن إشراك القطاع الخاص بدعم الاقتصاد الوطني.
ولكن بسبب تجذر الفساد في كل مفاصل الدولة تلجأ الجهات الرسمية إلى تلزيم مشاريعها للقطاع الخاص كون حصتهم من الكعكة ستكون أكبر منها في حال إلزامها إلى القطاع العام، فإذا كان الفساد ينخر شركات القطاع العام، فإن القطاع الخاص هو الذي أسس لهذا الفساد عبر علاقة جدلية بين فاسدي القطاعين، ونجد أن الكثيرين من المقاولين يلجؤون إلى أسلوب كسر السعر أثناء فض العروض بنسبة تتجاوز الـ%30 من القيمة الإجمالية للمشاريع، معتمدين لتعويض ما ينقصهم على الفساد والغش والتآمر بشكل مسبق مع الجهات الفنية المشرفة على المشروع، أو مع رؤساء الدوائر الحكومية، لغض النظر عند الخروج عن شروط العقد المبرم مع هؤلاء المتعهدين وشركاتهم، لذلك الضرورة أن يتضمن العقد ما يلي:
ـ لا يجوز الكسر من القيمة التقديرية لأي مشروع أكثر من %6.
ـ أن يرفق المقاول أو الشركة مع أوراقه الثبوتية كشفاً تفصيلياً عن الأعمال التي نفذها سابقاً ونوعيتها مصدقاً من الجهة صاحبة المشروع المنفَّذ، على أن لا تقل مشاريعه المنفذة عن خمسة عشر مشروعاً خلال مدة معينة.
ـ أن يقدم المقاول أو الشركة ما يثبت أنه يزاول هذه المهنة لمدة لا تقل عن خمسة عشر عاماً.
ـ عدم الاعتماد عند تلزيم المشروع على التصنيف التجاري الممنوح من نقابة المقاولين أو غرف الصناعة أو التجارة، كونه يمنح لمن يدفع رسوماً أعلى، وليس على أساس الكفاءة.
ـ أن يتم تعيين مهندسي إشراف حسب الحاجة مشهود لهم بالنزاهة وعلى نفقة المتعهد أو الشركة، تختارهم الجهة صاحبة المشروع نفسها على أن يتم تبديلهم بمهندسين آخرين عند انتهاء كل مرحلة من مراحل المشروع، إضافة إلى الجهة أو الدائرة الفنية المشرفة على سير التنفيذ من الوزارة صاحبة المشروع، وهذا أيضاً ينطبق على شركات القطاع العام التي تقوم بتنفيذ أي مشروع، إضافة إلى ضرورة تشكيل لجنة من نقابة المهندسين ومن خارج المحافظة التي يقام فيها المشروع، وتضم مهندسين من مجلس المحافظة أو المدينة التي يقام المشروع ضمن حدودها الإدارية.
بهذه الإجراءات قد نساهم بإغلاق باب من أبواب الفساد الكبير، إضافة إلى إمكانية إنجاز المشاريع ضمن المدد الزمنية المحددة لها، حيث لا تزال هناك بعض المشاريع التي بُدِئ العمل بها منذ سنوات ولم تنتهِ نتيجة الفساد المستفحل فيها، ونكون قد أوجدنا منافسة شريفة بين القطاعين العام والخاص، وأغلقنا أبواب الفساد المنظم، وفي ذلك صون لكرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار.