وزارة الثقافة توجه باستملاك عقارات أثرية بدمشق.. والمحافظة تنفذ!

وزارة الثقافة توجه باستملاك عقارات أثرية بدمشق.. والمحافظة تنفذ!

يعيش بعض سكان ساروجة (عقيبة) بدمشق على أعصابهم منذ حوالي العام، فعدا عن سوء المحيط المهمل من محافظة دمشق، أصدرت الأخيرة بطلب من وزارة الثقافة في تاريخ 7122011 القرار رقم (1220م ت) القاضي باستملاك عقاراتهم (649-650-653-645/4-655/1-656-658/2-659-660-677) لمصلحة «فعاليات ثقافية»،

 لم توضح  ماهيتها لا لمحافظة دمشق ولا لأصحاب العقارات حتى، الذين رفضوا القرار من أساسه لما رأوا فيه سلباً لتراثهم وحقوقهم في الملكية.

لم تكن محافظة دمشق في هذه القضية سوى طرف تنفيذي، تضامن مع السكان حول ضرورة معرفة توصيف هذه الفعاليات المزمع إقامتها على حساب تراث بعض الأسر رغم اصدارها قرار الاستملاك، علماً أن هذه العقارات لها طابع أثري ومحافظ عليها بالأساس.

وإلى اليوم لم يكتمل القرار ومازال معلقاً، ما أثار مخاوف وشكوك أصحاب هذه العقارات، محاولين اقناع الجهات المعنية بالعدول عنه، ورغم المناشدات السابقة بالتراجع عن القرار، كون «قانون الاستملاك لا يعطي القيمة الحقيقية المستحقة لأي عقار مستملك»، إضافةً إلى «الخوف على مسقط رأس عائلات هذه الأسر القديمة في حال هدمت البيوت» بحسب أصحاب الملك، دفعهم للضغط من جديد على الموضوع.

استملاكات 2012 على قانون 1983

وقبل الغوص بتفاصيل القضية، تجدر الإشارة هنا إلى قانون الاستملاك السابق رقم 20 من عام 1983 الذي صدر  القرار المشار إليه  في هذا التحقيق ضمنه، وبناءً عليه يحق للوزارات وللإدارات والمؤسسات العامة والهيئات الإدارية ولجهات القطاع العام أن تستملك العقارات المبنية وغير المبنية سواء كانت ملكاً صرفاً أو ملكاً للوقف، أو مثقلة بحق وقفي وذلك لتنفيذ مشاريعها ذات النفع العام المنصوص عليها في هذا المرسوم التشريعي.

 ويقصد بالمشاريع ذات النفع العام كل ما يتعلق بالأعمال الآتية:

آ ـ فتح الطرق الجديدة وتوسيع الطرق الموجودة أو تقويمها والمنشآت التابعة لها وإنشاء الساحات والملاعب والأسواق والحدائق العامة والبحيرات ومجاري المياه.

ب ـ إنشاء دور العبادة والثكنات العسكرية والمطارات والمرافئ والسكك الحديدية والمخافر والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والمعاهد والجامعات والمذابح ودور الأيتام وملاجئ العجزة وأبنية المراكز الثقافية والأندية الرياضية، والمنشآت الخاصة بحزب البعث العربي الاشتراكي والمنظمات الشعبية التي يتطلبها تحقيق مهام هذه الجهات وبشكل عام وجميع المباني والإنشاءات التي تخصص للأعمال العامة أو المنافع العامة.

ج ـ الأعمال والمنشآت الزراعية ومشروعات الري والشرب والسدود.

د ـ مشاريع النفط والغاز والكهرباء والثروة المعدنية والمناطق الصناعية.

هـ ـ إنشاء الملاجئ والخنادق والمنافذ والمشاريع التي تقضيها متطلبات الأمن والدفاع.

و ـ الإنشاءات السياحية والتموينية والإنشاءات والمشاريع المتعلقة بتنفيذ الخطط الإنمائية والاستثمارية المقررة أصولاً.

ز ـ جميع المشاريع التي تدخل في نطاق اختصاص أي من الجهات العامة والقطاع العام ومهماتها المحددة في القوانين والأنظمة النافذة وفق خطط الدولة المقررة أصولاً.

إلا أنه وبحسب المادة /15/ من الدستور الجديد، لا يتم الاستملاك إلا للنفع العام، ويتم التعويض العادل للمواطنين الذين استملكت عقاراتهم حسب الأسعار الرائجة حالياً، ويتم التنفيذ السريع للمشروع الذي استملكت من أجله هذه العقارات.

أصحاب هذه العقارات أكدوا بأن «قرار استملاك عقاراتهم اصدر بصفة استعجال قبل صدور الدستور الجديد، الذي صان الملكية الفردية وجعل الاستملاك لضرورة قصوى لا لأغراض مبهمة وغير مفسرة فعاليات ثقافية» على حد تعبيرهم، مضيفين أنه «جاء بغفلة عنهم» معلنين تخوفهم من ضياع إرث عائلاتهم العريق مقابل مبلغ مالي لا يساوي قيمة هذه العقارات المعنوية ولا المادية بالنسبة إليهم.

ما أثار شكوك أصحاب هذه العقارات، هو أساس قرار الاستملاك هذا، ففي نص القرار جاء بأنه لمصلحة «فعاليات ثقافية» أي أن السبب غير موصف ومجرد كلام في العموم، ما قد يجعلهم يخسرون «بيت العيلة» مقابل لا شيء.

قدم أهل الحي  عند علمهم بالقرار اعتراضاً مجتمعين إلى المحافظة، إلا أنهم فوجئوا  بصدور المخطط التنظيمي رقم /455/ بتاريخ 13/6/2012 والذي تم فيه تعديل الصفة العمرانية للعقارات (649-650-651-652-653-655) إلى فعاليات ثقافية.

مشروع متوقف لكنه سار

 الجهات المعنية مازالت متخبطة منذ عام 2011، فالقرار لم يأخذ طابع القرار بعد، وعلى هذا قال مدير التخطيط والتنظيم العمراني  لجريدة قاسيون إنه «تم استملاك هذه العقارات بناءً على طلب وزارة الثقافة، وفقاً لقانون الاستملاك السابق العائد لعام 1983، إلا أنه إن استكمل القرار الذي مازال متوقفاً، فسيتم تقييم العقارات وفقاً للأسعار الرائجة حالياً».

ولكن، كم تبلغ قيمة بيت مساحته 400 م وسط دمشق مصنفاً تجارياً أو سكنياً وكم قيمته مصنفا فعاليات ثقافية؟.

 أكد إياسو بأن«القرار لم يكتمل حتى الآن ولم ينفذ بعد» مشيراً إلى أنه «يحتاج إلى وقت كبير، رغم  تعديل صفة هذه العقارات إلى صفة فعاليات ثقافية».

«المشروع مازال في محافظة دمشق وضمن حدوده الضيقة، ولم يطبق بعد، ويحتاج إلى مرسوم رئاسي للموافقة، ومع هذا لا يمكن التراجع عنه إلا في حال تراجع الجهة الطالبة للاستملاك وهي وزارة الثقافة» بحسب إياسو الذي أكد أن «محافظة دمشق ليست إلا جهة منفذة وليست بجهة مستفيدة».

سبب توقف عمل اللجنة المكلفة بهذا المشروع هو عدم وضوح سبب رغبة وزارة الثقافة بالاستملاك، وعدم توضيح وتوصيف ماهية الإشغال الجديد لهذه العقارات واختصار طلبها بعبارة «فعاليات ثقافية»، ما دعا محافظة دمشق بضغط من الأهالي إلى مخاطبة الوزارة المعنية للتوضيح، إلا أن الرد لم يأت بعد.

ورغم استشفاف عدم رغبة الطرفين باستملاك هذه العقارات (محافظة دمشق، ووزارة الثقافة) عند الحديث معهما، إلا أن المشروع رغم توقفه مازال قائماً.

قاسيون توجهت إلى مديرية المباني والتوثيق الأثري في المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة لوزارة الثقافة التي من المفترض أنها تملك الإجابة الشافية، حيث قال مدير المباني والتوثيق الأثري، نظير عوض، إن «الفكرة  الأساسية من الاستملاك، كانت تحويل الشريحة أو جزء من الشريحة (ساروجة) ضمن محيط بيت خالد العظم، إلى حي ثقافي ومركز للفعاليات الثقافية» مشيراً إلى أن «هذه البيوت منها مسكون ومنها ماهو مهجور ومنها بحالة يرثى لها».

                لا يحق للدولة هدم هذه البيوت

وأضاف عوض «جميع هذه البيوت مسجلة في عداد البيوت الأثرية والتاريخية، يمنع هدمها ويمنع اضافة طوابق أو ملاحق إليها، وهي تخضع للضوابط المعمول فيها للأماكن الأثرية، ولا يمكن للدولة أن تستملك هذه البيوت وتعمر مكانها، كونها بيوتاً أثرية وينطبق على الدولة ما ينطبق على المواطن، فالغاية ليس إنشاء منشآت ثقافية، بل فعاليات ثقافية، ممكن أن تمتد من بائع الطرابيش الدمشقية وحتى بائع آلات العود الموسيقية، إلى أي شيء له علاقة بثقافة المجتمع».

وعن كتاب محافظة دمشق لطلب التوصيف، قال عوض إنه «تم توجيه كتاب من محافظة دمشق للرد عن ماهية هذه الفعاليات الثقافية إلا أنه لم يتم الرد حتى اليوم كونه لم يصل بعد إلى المديرية العامة للآثار، وعند وصوله سيتم الرد فوراً».

«منذ عام 2011 لم يحرك شيء بخصوص قرار الاستملاك هذا، أوطلب المحافظة بالتوصيف، ما يؤكد أن المشروع مازال في بداياته، وعملية الاستملاك هي عملية طويلة» ما قاله عوض، مضيفاً إنه «يمكن الاعتراض على المخطط التنظيمي الذي طرح للمنطقة، والقرار برمته من أصحاب العقارات هذه».

وعن أسباب رفض أصحاب العقارات للاستملاك، قال عوض إن «بدل الاستملاك قد لا يرضي الناس، فقد يكون أقل من سعر السوق فعلا، وهذا حق طبيعي، لأن قانون الاستملاك لن يعطيهم ما يريدونه، لكن هناك بعض البيوت الأثرية القديمة تستدعي حالتها المزرية الاستملاك الفوري، فمنها ماهو مجزّأ وقابل للانهيار وحالته يرثى لها، ومنها يحوي ورشات عمل، وهذه النماذج تحتاج إلى الاستملاك للحفاظ على الهوية الدمشقية، فاللجوء الى الاستملاك أحياناً واجب للحفاظ على التراث، مع احترامنا الشديد لحقوق أصحاب هذه العقارات» مؤكداً أنه «من حق المواطنين أن يعترضوا على القرار، واتمنى ان يعاد النظر بقانون الاستملاك برمته».

وعلى الرغم من أن وزارة الثقافة وتحديداً مديرية الآثار العامة، هي من طلب الاستملاك لغاية ما، إلا أن «عوض» برر رفض أصحاب العقارات المستملكة القرار، وقال إن «الاستملاك يتم عن طريق معادلة معينة، وجميع من استملكت عقاراتهم سابقاً أجمعوا على أن هذه المعادلة غير عادلة، إلا أنّ هذا التشريع -الاستملاك- وضع على مبدأ أن المستفيد من الاستملاك هو العموم والصالح العام والمجتمع، ولم يتم النظر إليه من ناحية  ربحية».