أريد مدرستي
أريد الذهاب إلى المدرسة وأريد صدريةً و«فولاراً» ودفاتر وأقلاماً وحقيبة جديدة وحذاء مدرسياً جديداً، ومازال الطفل يردد مطالبه واحداً تلو الآخر أمام والديه، الأب يعض على شفته السفلى كاد أن يقضمها مرارة، وحرقة في صدره وغصة تنتهش حنجرته.. وتنساب دمعتان على وجنتي أمه بصمت قاتل، ومازال التلميذ مصراً على ما يريده.
أراد الوالد أن يظهر أمام ابنه رابط الجأش فقال يا ولدي نحن سنعود إلى بيتنا وهناك ستجد مدرستك وزملاءك وأولاد حارتنا.
ـ ومتى سنعود؟
ـ قريباً.. قريباً جداً!
ـ ومن قال ذلك؟ إنهم يكذبون والله يكذبون لم أسمع ذلك بالأخبار.
ـ طيب سأشرح لك اسمعني جيداً.
ـ نعم، سأسمعك قل ما تريد قوله.
ـ أنت يا بني إذا ذهبت إلى المدرسة هنا في دمشق أي في هذا المنفى الذي أجبرنا عليه فأخوتك الأربعة أيضاً يجب أن يذهب كل واحد منهم إلى المدرسة.
ـ لنذهب كلنا.. قالها ابن العشر سنوات وكأنه قد حقق مناه لكن الأب كبح فرحته قائلاً: يعني خمسة صداري الواحدة بـ/500/ ليرة وخمسة حقائب الواحدة بـ/700/ ليرة وخمسة أحذية الواحدة /1250/ ليرة وأقلام ودفاتر و... ونحن يا بني اليوم أصبحنا ندفع أجرة هذا البيت الذي نحن به. الآن الأمر مختلف تماماً عن ما كان عليه في الدير أو البوكمال أو الميادين نحن في دمشق مهجرون نازحون ومجبرون على حرمانكم من مدارسكم ومراتع لعبكم، نحن غرباء في وطننا، نحن سهرنا عليكم ونعد لكم كل شبر بنذر كنا نفكر أن خيركم أصبح أكثر قرباً منا... ثم انفجر الوالد بالبكاء.
ببراءة الطفولة وصفوها قال بابا... بابا لا تبك، من الذي أجبرنا؟
صرخت به أمه قائلة كفى.. أتريد أن تعرف الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة؟
ـ نعم يجب أن أعرف ذلك، زمن الصمت ولى وزمن الاستجهال والاستهتار بنا ولى ولن يعود أريد مدرستي يعني أريد مدرستي.
ـ اتركيه يا امرأة وسأقول له من الذي أجبرنا على أن نصبح نازحين ومهجرين يا بني، أعداؤنا أعداء الوطن أعداء الطفولة.
ـ وأين هم موجودون؟
ـ لقد أحرجتني... هم في نفوس الفاسدين!
ـ اشرح... اشرح لي ذلك لا تخف قلها بصراحة.
ضحك الأب ضحكة ممزوجة بحزن وألم: يا بني كل من لا يوجد في دمه كريات حمراء وبيضاء وكريات الوطنية هو الذي أجبرنا على النزوح أولئك الفاسدون المتخمون ومن باع الوطن ومن تآمر على البشر أولئك كلهم أعداؤنا.