من الذاكرة : ساعة لقلبك

من الذاكرة : ساعة لقلبك

قبل انتشار التلفزيون، كانت محطات الإذاعة تستقطب جمهور المستمعين ببرامجها المتنوعة وأغانيها وحفلات الطرب المنقولة من صالات المنتديات العامة أسبوعياً أو شهرياً، ومن أشهر محطات تلك المرحلة إذاعة القاهرة، وأذكر من برامجها برنامج «ساعة لقلبك» يبث مرتين في الأسبوع، نجماه «خواجة بيجو» صاحب حانة صغيرة، و«أبو لمعة» أحد زبائن الحانة ديدنه الكذب واختلاق الأحداث والحوادث الخيالية المبالغ فيها، وهذه بعض نماذجها:

- (الخميس يلي فات كنت أسير وأنا مشغول البال وحزين في شارع الملك فؤاد رأيت طيارة على الرصيف، والطيار ينادي «راكب ع أمريكا» فقلت «جت والله جابها» سأسافر وأمضي ساعتين وأعود منشرحاً).

- «بالأمس استطعت بسيارتي التي أقودها بنفسي قطع المسافة بين القاهرة والاسكندرية بأقل من نصف ساعة، ولشدة سرعة السيارة كنت وأنا أجتاز المنعطفات الدائرية أرى اللوحة الخلفية لسيارتي!!».

وكان هدف هذه الأكاذيب إمتاع المستمعين وتسليتهم وإثارة الضحكات من القلب.

أما اليوم فأنت ترى وتسمع على شاشات التلفزيون برامج «سياسة ووعظ» نجومها تفوقوا بما لا يقاس على أكاذيب «أبو لمعة»، وديدنهم سعي محموم لبث الفرقة والتعصب وسفك الدماء، بالتضليل الصارخ وخلط الأوراق وتعكير المياه، لحرف الصراع عن مساره الحقيقي بين الظالمين والمستضعفين، بين حيتان النهب والمنهوبين، بين الفاشيين والشعوب، بين الظلاميين والمتعطشين إلى النور والتقدم، وتوجيه الصراع إلى اقتتال بين أبناء الوطن الواحد. ومن نماذج هذه البرامج برنامج «الاتجاه المعاكس» و«ساعة حرة» و«منابر الديموقراطية» والمماحكات التي انحدرت إلى الحضيض، فانقلبت المعايير فأصبحت الخيانة وطنية، والوطنية خيانة، والعمالة ميزة يفتخر بها، والانحياز إلى الشعب والدفاع عنه وصمة عار.. ويا للهول!!

ومسك ختام الزاوية أعزاءنا القراء أبيات شفافة للشاعر رياض أبو جمرة:

جريمة الوردة أن تفوح.. 

جريمة المحب أن يبوح

جريمة الكادح أن يشيد الصروح.. 

جريمة الطبيب أن يضمد الجروح

جريمة الفارس أن مهره جموح.. 

جريمتي أني شفيف الروح

فكيف يا أحبّتي عن هذه الحمأة أنأى؟!!