الهلال الأحمر في دائرة الاتهام... كتاب رسمي يضع ملفات فساد الهلال الأحمر السوري تحت الضوء
رغم الدور «الإيجابي» الذي تقوم به منظمة «الهلال الأحمر السوري» في أعمال الإغاثة والدعم الصحي أثناء الأزمة السورية الحالية، إلا أن هذا الأمر لم يردع ضعاف النفوس من استغلال ما يصل إلى المنظمة من دعم مادي لتحقيق مكاسبهم الشخصية، ولم تكن المنظمة-بحسب الشكاوى الواردة إلى صحيفة «قاسيون» وبحسب المصادر ذات الصلة والاطلاع- بعيدة عن المحسوبيات والوساطة التي تعاني منها أغلب المؤسسات الحكومية السورية ووزاراتها قبل الأزمة وخلالها
تأخذ منظمة الهلال الأحمر على عاتقها توزيع مساعدات غذائية على الأسر في مراكز الإيواء والمناطق التي تعاني أزمات إنسانية، إضافة إلى نشر فرق طبية معنية بالوقوف على حال هذه الأسر صحياً ونفسياً ومد يد العون لها في ظل الظروف الصعبة التي يعشيونها، إلا أن المنظمة ذاتها التي تعنى بالنازحين والمحتاجين «بحاجة لمن يعنى بها ويراقب عملها بعد أن نخر الفساد هيكلها وأصاب
بعض العاملين فيها حتى دفعهم لسرقة السلل الغذائية وتوزيع المساعدات لمن يملك (واسطة)، إضافة إلى عدة أمور وصلت حد تسجيل أسماء وهمية للاستفادة من مخصصاتها» بحسب مصادر خاصة مطلعة وذات صلة بعمل هذه المنظمة.
نازحون «مميزون»..
«قاسيون» تواصلت مع عدة أطراف في منظمة الهلال الأحمر وأطراف أخرى مطلعة بشكل قريب على عمل المنظمة، وذلك للوقوف على حجم التجاوزات وماهيتها، وعن التفاصيل، قال مصدر مطلع على عمل منظمة الهلال الأحمر في دمشق وريفها لقاسيون إن «منظمة الهلال الأحمر تقوم حالياً بتوزيع سلة غذائية على العائلات السورية النازحة كل 3 أشهر بمعدل 10 كيلو رز و3 لتر زيت و5 كيلو برغل و3 علب طون و4 علب فول و4 قطع حفاضات نسائية و4 علب معكرونة و25 كيلوغرام طحين».
وأكد المصدر أن «المنظمة لا تقوم بتوزيع أية بطانيات لزوم الشتاء رغم الحاجة الماسة لها من قبل الأسر النازحة» مشيراً إلى «وجود الكثير من المهجرين لا يستفيدون من المنظمة بأية معونات، كون التسجيل في المنظمة كأسر نازحة متوقفاً منذ أكثر من ثلاثة أشهر».
وحول التجاوزات التي تحصل في عمل المنظمة، قال المصدر إنه «هناك عائلات نازحة تحصل على إعانات بشكل شهري ومواد مميزة، في حين هناك عائلات غير مهجرة وتستفيد من الإعانات وذلك حسب علاقة هذه الأسر بأطراف متنفذة في الدولة أو المنظمة ذاتها».
موظفون «متعاونون» مع المسلحين!
وأردف «هناك تعاون بين بعض موظفي منظمة الهلال والمسلحين في المناطق التي يسيطرون عليها، وأحياناً يرفضون توزيع الإعانات للعائلات التي لا يوجد بين أفرادها مسلحون، وعلى ذلك عمم المحافظون على المنظمة عدم توزيع الإعانات للقرى والمدن التي يسيطر عليها المسلحون».
تجاوزات بعض موظفي الهلال الأحمر في ريف دمشق، كانت الأكثر خطورة بحسب المصادر، حيث قال مصدر في منظمة الهلال الأحمر السوري- فرع الريف إنه «خلال العمل كفرق طبية كنا نصطدم مع قسم الإغاثة والمشرفين على المراكز في المنظمة، وتفاقم الصدام عندما منعونا من زيارة جميع المراكز بشرط أن تكون الزيارة لمقر الشعبة ليقوموا بدورهم بجلب النازحين إلى الفحص الطبي، عدا عن صدامنا مع رؤساء البلديات بدواعي أمنية حيث تم منعنا من زيارة النازحين في البيوت المستأجرة».
تقييد الفرق الطبية لقدرتها الكشف عن الفساد
صدام الفرق الطبية بالهلال مع قسم الإغاثة ناجم بحسب المصدر لكونها «قادرة على التدقيق في أعداد المستفيدين المسجلة في قسم الإغاثة بشكل دقيق، وهذه القدرة ليست متاحة لغيرها من الفرق الميدانية كون الفريق الطبي يميز النازحين في الوجه والحالة المرضية بحسب إضبارة المريض، وهنا يتبين الفرق في عدد المراجعين للفريق الطبي خلال زياراته المتلاحقة، وبين ما هو مسجل من أعداد النازحين».
وتابع إن «نظام التقييم الصحي الذي زودت به الكوادر الطبية، عبارة عن فورم يتضمن تقييماً شاملاً لمراكز الإيواء مرفق بفورم متابعة خلال الزيارات اللاحقة، بحيث يتم رصد التغييرات الطارئة على المركز إن كان بعائلات جديدة وافدة أو بتحديثات يستحيل التأكد منها دون الزيارة الدورية».
ويتضمن الفورم مايلي: (1- مركز الإيواء: /المنطقة، اسم المركز/. 2- عدد الزيارات. 3- عدد العائلات:/بالتفصيل بحيث يسجل عدد الأطفال إلى البالغين عدد الذكور إلى الإناث.../. 4- منطقة النزوح: من أي منطقة نزحت تلك العائلات. 5- التوصيف الهيكلي للمركز: - نوع المركز: عام حكومي مدرسة أو مركز ثقافي أو جامع أو فرقة حزبية أو أي بناء رسمي تم تجهيزه على عجل لاستقبال العائلات أم خاص وغالباً تكون أبنية على الهيكل- على العضم-أيضاً تم تجهيزها على عجل أم أن العائلات تنزل في بيوت للضيافة أو مستأجرة وما شابه.
- عدد الطوابق والغرف وسعة كل منها للعائلات. ويسجل هنا إن كان من غرف يقطنها عدة عائلات وما للازدحام المتشكل من أثر على الصحة بالعموم. - المرافق الصحية: شبكات الصرف الصحي، الخزانات، دورات المياه، أماكن للتسلية والترفيه).
أسماء نازحين «وهمية» بالآلاف!
وأشار المصدر إلى أنه «كانت تصادفنا بهذا الصدد مفاجآت كثيرة منها الفرق الكبير بين عدد العائلات الموجود حقيقة في المراكز وعدد العائلات المسجلة في تقارير قسم الإغاثة وعلى سبيل المثال في مراكز إيواء الحرجلة لم نشاهد ما يزيد عن 200 عائلة والرقم المسجل لدى قسم الإغاثة تجاوز 2300 عائلة».
وتحدث المصدر عن ذات التجاوزات في عدة أماكن تحوي مراكز إيواء بريف دمشق ووثقها بالأرقام ومنها (العدلية- زاكية- خيارة دنون- الغزلانية- والتل) مؤكداً أن «العاملين في كل من صحنايا وجرمانا- قسم الإغاثة- يمتلكون القدرة على تحريك الحصص كيفما شاؤوا حيث يكفي أن تعرف رقم أحدهم أو أن تعرفه شخصياً للحصول على حصة إغاثية».
وتابع «تفاقم الخلاف مع إدارة الفرع في الشهرين الأخيرين، وبعد أن تم سحب العيادات توضح للفرق الطبية أن مشروع الفرق سيوقف لاحقاً، إضافة إلى اختلاق المشاكل مع الكوادر في الفرق الطبية بالريف والتأخر بالتعويضات المالية الشهرية».
وأضاف «مسؤولي المنظمة بدأوا مؤخراً بالتورط بتشغيل أفراد لا يعرفون انتماءاتهم بالضبط /ولاسيما الأطباء والجامعيين منهم/ تحت حجة ضغط العمل والحاجة، لكن الخطورة أنه ليس باستطاعتهم ترويض كل هؤلاء في فترة وجيزة وشيئاً فشيئاً ستتكشف ملفات كثيرة وفساد أكثر».
كتاب «رسمي» يفضح الفساد
وفي كتاب مرفوع من قبل وزارة الشؤون الإجتماعية بتاريخ الأول من شهر كانون الأول الماضي، وضعت الوزارة منظمة الهلال الأحمر السوري تحت دائرة الرقابة، وذلك بعد شكوك من قبل رئاسة مجلس الوزراء تدور حول بعض موظفي المنظمة والعاملين فيها «لقيامهم بتصرفات لا أخلاقية ومخالفة ولاسيما فيما يتعلق بتوزيع السلل الغذائية» بحسب ما تبين من نص الكتاب الذي حصلت صحيفة «قاسيون» على نسخة منه.
وجاء في نص الكتاب الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية برقم (ق/2/1699) تاريخ 1/12/2013، حرفياً التالي:
« المادة الأول: تشكل لجنة من السادة التالية (.....). مهمة اللجنة:
1- التدقيق بالمعلومات الواردة بكتاب رئاسة مجلس الوزراء حول ما نسب إلى موظفي منظمة الهلال الأحمر السوري والعاملين فيها إثرائهم وقيامهم بتصرفات لا أخلاقية ومخالفة ولاسيما فيما يتعلق بتوزيع السلل الغذائية.
2- إيجاد الآلية اللازمة لوضع كل منهم أمام مسؤولياته والتنسيق مع من يلزم لفرض العقوبات القانونية والمسلكية الرادعة بحق المخالفين.
3- معالجة الشكاوى المتعلقة بهذه المنظمة.
المادة الثانية: تقدم اللجنة تقريراً مفصلاً بنتائج أعمالها إلى السيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية ليصار إلى رفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء أصولاً».
لا تقارير علنية
والملفات مازالت مغلقة!
وللوقوف على نتائج هذا القرار الذي يوضح في مضمونه وجود تجاوزات وتلاعب من قبل بعض موظفي منظمة الهلال الأحمر بشؤون المساعدات الغذائية، بالإضافة إلى أعمال «لا أخلاقية» لم يتم توضيحها، قال مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية لـ«قاسيون» إنه «حتى الأسبوع الثالث من شهر كانون الثاني من العام الحالي، لم تصدر وزارة الشؤون أي شيء بهذا الخصوص في العلن، ولم تنظم أية اجتماعات أو إجراءات علنية».
ويستشف من حديث المصدر أنه قد يكون هناك تكتم على أي إجراء تقوم به الوزارة بهذا الصدد، أو انه هناك تعطيل وتجميد لعمل اللجنة حالياً، فيما وجد البعض أن ذلك يشير إلى «احتمال وجود أطراف ذات ثقل ومتنفذة في الحكومة لها صلة بهذه التجاوزات».
وأضاف المصدر أنه «هناك بعض الأحاديث التي تدور حول وجود ضغوطات من جهات غير معروفة لعرقلة فتح أي ملف يتعلق بأمور الإغاثة والمساعدات في سورية وخاصة فيما يتعلق بمنظمة الهلال الأحمر السوري، ليكون كتاب وزارة الشؤون الاجتماعية مجرد حبر على ورق ونوع من الرد الروتيني على كتاب رئاسة مجلس الوزراء».