من الذاكرة : لولب الجمعية الجغرافية
جمعتني قبل اثنين وأربعين عاماً زمالة التعليم بالرفيق زهير ناجي مدرسة مادة التاريخ في ثانوية ابن العميد بدمشق، ومنذ اللقاء الأول لمحت فيه طلعة المدرس المليء حيوية ونشاطاً وبدأت صدامتنا تؤتي ثمارها في عملنا المتكامل مع عدد من الرفاق المدرسين في الثانوية لغرس بذار الروح الوطنية وحب الوطن والشعب في نفوس طلابنا
ومما بقي في الذاكرة ما حدثني به عن بداية عمله في التعليم، فهو خريج دار المعلمين العليا عام 1952، عين في العام ذاته مدرساً في محافظة اللاذقية، أيام كان عدد خريجي الجامعة ودار المعلمين العليا قليلاً، والبلاد حديثة الاستقلال، والدولة تسعى لتأمين العدد الكافي من المدرسين لمواجهة التوسع التعليمي بعد الحصار الشديد الذي ضربه عهد الانتداب ومن قبله عهد الاقطاع العثماني على العلم والتعليم..
وبصفته متقدماً لي في ميدان التدريس كان موضع الاستشارة والإفادة... وبقيت صداقتنا وزمالتنا- كما التزامنا- نابضة بالعمل والحياة، وبعد التقاعد تفرغ لمتابعة البحث والإطلاع ولا سيما في مجال التاريخ والمجتمع وأصدر بعض المؤلفات، ثم انضم إلى الجمعية الجغرافية وواكب أعمالها، ومازال حتى اليوم من نشطائها بل لولبها، والجدير بالذكر أن الجمعية تتخذ من البناء الأثري «الستة الحفيظة» في حديقة «الميسات» مقراً لها، وتقيم فيه ندواتها أسبوعياً كل خميس إلى جانب نشاطاتها المتنوعة (رحلات- أبحاث- معارض)، وكان لي شرف المشاركة مرتين بنشاطها فقدمت أمسيتين شعريتين إحداهما كانت مكرسة مسبقاً للشعر الغزلي لكن وقوع الغزو الاستعماري على العراق الشقيق حينها، أحال الأمسية إلى الشعر الوطني المقاتل دفاعاً عن الشعوب وحقها في التصدي للعدوان، وللتحرر من كل أشكال الاستعباد والظلم، وفي سبيل حياة كريمة وآمنة. وكان مطلع القصيدة الأولى في الأمسية:
«أنا واثق ثقة الشروق بشمسه
ثقة الربيع بزهره
ثقة الوليد بأمه
ثقة الشريف بعرضه
رغم انفلات الحاقدين على البشر
الغادرين الهادمين بلا خجل
صرح الحياة
أنا واثق أن الغد المرجو
تصنعه الشعوب الظافرة»
أطيب التحيات للجمعية الجغرافية، مع صادق الأمنيات بنجاحها في أداء رسالتها العلمية والوطنية.