دير الزور.. المحافظة «المنكوبة»!

دير الزور.. المحافظة «المنكوبة»!

لا شكّ أن كل محافظات الوطن.. بل كلّ بقعةٍ من ترابه الغالي تعاني وتئنّ من الوجع والألم الذي يعصف بالبلاد.. إمّا قتلاً وتشويهاً لأبنائه وإما خراباً وتدميراً وإمّا حرقاً.. وإمّا من الحصار والحواجز والاعتقال والخطف، والفقر والجوع والتشرد والكهرباء والماء وحتى الهواء بات ملوثاً برائحة الموت والفناء..

ناهيك عن روائح التعصب القومي والديني والطائفي التي تزكم الأنوف، واتهامات الخيانة.. وغيرها من مفرزات الحرب المتعددة الأطراف على الوطن والشعب داخلياً بين الشبيحة والذبيحة وخارجياً من التكفيريين والإرهابيين وداعميهم..  وعدا عن نزف الدماء جاء تدمير البيئة والتلوث الذي تتجاوز آثاره الفترة الحالية والحياة الحالية إلى عشرات بل مئات السنين.

تقطير النفط البدائي والتلوث

إنّ استثمار النفط سابقاً من الشركات الوطنية أو الأجنبية كانت له بعض الضوابط على الأقل، وخاصةً أن استخراجه وتنقيته كانت تتم بطرقٍ علمية تجعل نسب التلوث أقل رغم أنها أعلى من النسب العالمية لأنّ ذلك لم يترافق معه إيجاد آليات وبنية وتوجهات وخطط تقوم بتعويض المنطقة مادياً وصحياً وخدماتياً، ولم ينعكس تنموياً اقتصادياً واجتماعياً.

وكنا قد تناولنا ذلك سابقاً ومراراً ولم تستجب الدولة آنذاك. أمّا الخطورة الحالية التي تهدد البشر والنبات والحيوان والماء والهواء وحتى الحجر والتي هي أضعاف السابق بعشرات المرات هو ما يقوم به اللصوص ودعاة الثورة من تقطيرٍ بدائي وما ينتج منه من غازات ومواد مشعة وبقايا النفط التي تطير في الهواء أو تسكب في نهر الفرات وعلى الأرض.. وما يسببه ذلك من أمراضٍ سرطانية ورئوية وصدرية وعصبية ونفسية استوطنت في المنطقة.. بينما تجني التنظيمات المسلحة وبعض عناصرها وقياداتها الملايين والمليارات في الريف الشرقي وما يسمونها المناطق المحررة.

تمزيق رئة الفرات والتلوث

تشكل الجزر النهرية «الحوايج» والنباتات الرعوية والأشجار المنتشرة على ضفاف نهر الفرات الطبيعية وخاصةً الحور الفراتي الذي لا ينمو إلاّ على ضفافه مع أشجار الطرفة الرئة الطبيعية للمنطقة بالإضافة للأحراش والمحميات والحزام الأخضر والأشجار المزروعة في شوارع المدن والبلدات والحقول التي يزرعها الفلاحون الرئة الصناعية التي تتنفس منها المنطقة وأبناؤها الذين يعانون أيضاً من العواصف الرملية والترابية التي تهب عليهم باستمرار.. 

وإذا كان الجشع وسوء التخطيط المتعمد وغير المتعمد والفساد في المجتمع والدولة قد طال الغطاء النباتي في المحافظة من فلاحة البادية العشوائية وتخريبها إلى الاحتطاب الجائر والتعدي على أملاك الدولة من المتنفذين والفاسدين، فإنّ الهمجية والوحشية الحالية في ظلّ الأزمة قد استباحت ما تبقى منه لغياب الدولة في مناطق المسلحين التي يسمونها محررة فقد خلت أغلب الجزر النهرية من الأشجار والنباتات بالاقتطاع العلني والمباشر بالمناشير الحديثة وطال ذلك الأحراش والحزام الأخضر الذي كلف مبالغ طائلة ذهب قسم مهمٌ منها نهباً وحتى أشجار الشوارع يجري ذبحها ويباع كل ذلك حطباً حيث وصل سعر الطن إلى 30 ألف ليرة بعد أن كان قبل الأزمة حوالي 3 آلاف..!

التشوهات الخلقية 

من أهم ما يهدد الأجيال القادمة في محافظة دير الزور والتي يمكن تسميتها بمحافظة منكوبة، ليس النهب والفساد والتهميش والأمراض التي ذكرناها سابقاً فقط بالإضافة للأمراض المنقرضة والتي جاءت منقولة عبر المسلحين التكفيريين الخارجيين كشلل الأطفال.. 

وليس تراجع التعليم وانتشار الجهل والأمية على مدى العقود الأخيرة وتوقفه في السنوات الثلاث الماضية فقط أيضاً، وإنما نتائج التلوث البيئي التي يجري تجاهلها وهي تشوه الأجنة المولودة حديثاً وبعضها عبارة عن كتل لحمية.. فقد رصدت العديد من الحالات. وحسب ما ذكر بعض المواطنين أن هناك الكثير منها، لكن يجري إخفاؤها لعوامل اجتماعية أسرية..!!

تحرير المحرر وتطهير المطهر

إنّ ما تتعرض له محافظة دير الزور خصوصاً يجعلها محافظة منكوبة، وما يتعرض له الشعب والوطن عموماً من إبادة وتدمير لكل مقومات الحياة سواء في المناطق التي تقع تحت سيطرة المسلحين المسماة محررة.. أو المناطق التي تحت سيطرة الدولة المسماة مطهرة.. مثلها مثل الكثير من مناطق البلاد بات يتطلب موقفاً جديأ لإيقاف هذه الحرب العبثية والمجنونة عبر عقد مؤتمر جنيف وإنجاحه، وكذلك من المنظمات الإنسانية والإغاثية لتدارك نتائجها ومعالجتها.. والأهم موقفاً وطنياً شجاعاً من كل السوريين الشرفاء بمساندة الجيش العربي السوري لمواجهة كل ما يتعرض له الوطن وكل من يتعدون عليهما وعلى أملاكهما العامة والخاصة بأي شكلٍ من الأشكال من المسلحين والتكفيريين وقوى الفساد في الدولة والمجتمع أي تحرير المحرر وتطهير المطهر.. وأولها مواجهة العنف لإتاحة الفرصة للحل السياسي وتحقيق التغيير الجذري والشامل وبناء سورية الجديدة التعددية الديمقراطية.