في ريف دمشق..جوع وبرد وأمراض وسرقة «المساعدات الإنسانية» تعمّق الكارثة

في ريف دمشق..جوع وبرد وأمراض وسرقة «المساعدات الإنسانية» تعمّق الكارثة

وفي متابعة لصحيفة «قاسيون» لأوضاع بعض سكان هذه المناطق بظل الحصار، كان مخيم اليرموك أكثرها «مأساوية» وذلك بالنظر لعدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية والجفاف وعدم دخول أي نوع من المساعدات إليها طول مدة الحصار إلا مرة واحدة أو مرتين وبكميات قليلة للقاحات الأطفال والحليب، وبحسب أحد المدنيين في المخيم فإن «عدد الضحايا الذين قضوا بسبب الجوع في المخيم بلغ حوالي 20 شخصاً بأقل من أسبوعين أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ».

مأساة اليرموك والتسمم تحت الحصار

وأضاف أن هناك ما لا يقل عن «خمس حالات تسمم وصلت لمشفى فلسطين أواخر الشهر الماضي مصابة بالتسمم بعد تناولهم بعض الحلويات المصنوعة من بودرة مجهولة المصدر و النوعية» مشيراً إلى أنه «ظهرت في الفترة الأخيرة عدة حالات تسمم بين الأهالي بسبب استعمالهم القطر مجهول المصدر بدلاً من السكر المفقود ما أدى لإصابتهم بإسهال شديد أدى لوفاتهم بعد فترة وجيزة في ظل غياب العقار اللازم والرعاية الصحية، والبرد الشديد».

ويعاني أهالي مخيم اليرموك من فقدان الأدوية والمواد الغذائية ووسائل التدفئة، وبحسب الشخص ذاته فإنه «حتى الأخشاب التي كانت تستخدم للتدفئة فقدت، ولا توجد أية سبل أخرى للدفء ما يهدد الأطفال والمسنين والمرضى الموجودين في الداخل».

فشل مساعي الحل في اليرموك

ويعاني مخيم اليرموك الحصار منذ أكثر من ١٦٥ يوماً، وقد وصلت الحال بالمدنيين داخله إلى «كارثة إنسانية حقيقية» بحسب وصفهم، في ظل فشل عدة مبادرات للمصالحة لحل أزمته.

ووافقت السلطات الرسمية السورية بداية الأسبوع الماضي على طلب تقدمت به إحدى قيادات الفصائل الفلسطينية بإخراج 300 حالة مرضية من مخيم اليرموك للعلاج في المستشفيات السورية في دمشق، وحتى نهاية الأسبوع لم يتم إخراج أي حالة، وفشلت مساعي إدخال المعونات إلى الداخل بحجة الاشتباكات.

«هدنة» المعضمية تبدأ بكسر الحصار

أما معضمية الشام والتي عانت الحصار مدة لا تقل عن عام، بدأت الأمور «تتحلحل مؤخراً نتيجة هدنة اتفق عليها بين المسلحين والسلطات السورية» بحسب أحد الأهالي هناك، والذي أكد بأن «الهدنة المتفق عليها تضمنت إدخال مساعدات إنسانية وغذائية للأهالي بشكل تدريجي، إلا أنها ساهمت- ولو كانت كمياتها قليلة- بحلحلة الأوضاع نسبياً».

وأضاف إنه «ضمن اتفاقية الهدنة قامت السلطات السورية بإخراج بعض الجرحى والحالات الصحية الحرجة للعلاج في المشافي، بالتزامن مع تسليم المسلحين أسلحتهم وبعض المعدات الحربية» مشيراً إلى أن «خروج المدنيين من المعضمية بات متاحاً حالياً، في حين مازالت بعض الأسر تقطن داخل المدينة وتفتقد لوسائل التدفئة بشكل نهائي، بينما لا تصلح الكثير من المباني للعيش فيها نتيجة تدمر أجزاء منها».

البرد وفقدان اللقاحات والأمراض

وفي الغوطة الشرقية، كانت برودة فصل الشتاء أكثر الأمور «مأساوية» بحسب ما قاله ناشطون، وذلك «بسبب الحصار وانعدام وسائل التدفئة وخاصة في ظل وجود بعض الأسر التي تقطن الخيام في الحقول نتيجة انهيار منازلها».

في إحصائية تقريبية غير رسمية، فإن عدد الأسر المحرومة من التدفئة في الغوطة الشرقية، يقدر بحوالي 17 ألف عائلة، بسبب «تردي الوضع المعيشي والفقر الشديد، بينما تنتشر الانفلونزا وأمراض أخرى إثر برودة فصل الشتاء».

وأكد الناشطون على وجود مشكلة خطيرة «وهي عدم تلقيح الأطفال ضد أمراض الحصبة وشلل الأطفال في ظل عدم وصول قوافل الهلال الأحمر إلى هذه المناطق»، وهذه القضية تعتبر من أبرز مشاكل المناطق المحاصرة حالياً.

وفي متابعة لصحيفة «قاسيون» لما نشر على صفحات التواصل الاجتماعي في المناطق المحاصرة منها بعض أحياء حمص، ويلدا وداريا والعسالي في ريف دمشق، فإن «أوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة حرجة وهم مهددون بالوفاة إذا لم يحصلوا على الرعاية اللازمة، بالإضافة إلى الأطفال المرضى والذين لا يحصلون على الغذاء المناسب واللقاحات، والمسنين الذين بحاجة إلى أدوية للأمراض المزمنة».

وأضاف النشطاء أنه «من أكثر الأمراض المنتشرة في فصل الشتاء بظل الحصار: الحصبة، السل، والملاريا، والتيفوئيد، وسوء التغذية، والتهاب الكبد من النوع ألف، التهاب الكبد من النوع باء، التهاب الكبد من النوع سي، واﻹسهال المعند واللشمانيا».

مئات الآلاف دون خدمات الإسعاف

من جهتها، أعربت المسؤولة عن العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة فاليري اموس عن «أسفها لأن عمليات الإسعاف لا تزال عاجزة عن الوصول إلى مئات آلاف المدنيين السوريين الذين تحاصرهم المعارك».

وقالت اموس إن «الأمم المتحدة لم تتمكن بعد من بلوغ مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في محيط دمشق» مشيرةً في الوقت ذاته إلى «زيادة عدد قوافل المساعدات التي سمح لها بالتنقل في سورية تشرين الثاني الماضي، إلا أن هذا العدد انخفض في كانون الأول بسبب المشاكل الأمنية».

وفي بداية كانون الأول الماضي، قالت اموس إن «عدد القوافل التي سمحت بها الحكومة السورية ارتفع إلى تسع في تشرين الثاني بدلاً من ثلاث في الشهر كما هي العادة، وأن الأمم المتحدة تمكنت من فتح ثلاثة مراكز إضافية لتوزيع المساعدات في البلد».

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن 2.5 مليون سوري عالقون في مناطق لا تصل إليها الوكالات الإنسانية بشكل واسع لأسباب أمنية وأن 250 ألفاً آخرين معزولون كلياً، في حين هناك 9.3 ملايين شخص بحاجة للمساعدة في سورية، حيث وجهت الأمم المتحدة نداء مؤخراً لجمع مبلغ 6.5 مليارات دولار لتمويل مساعدة السوريين في 2014 الذين يعيشون في داخل البلاد أو في المنفى.

سرقة وتجارة بالمساعدات الإنسانية

الحصار المفروض على بعض المناطق السورية وسوء حال المدنيين هناك، لم يكن بأقل خطورة من معاناة الأسر النازحة التي استطاعت الخروج من مناطق سكنها المتوترة، فقد استغل «ضعاف النفوس» المساعدات الإنسانية التي تقدمها عدة جهات محلية ودولية لهم، وقال مصدر مطلع في وزارة الشؤون الاجتماعية لإحدى الصحف المحلية، إنه «هناك أكثر من 30 حالة غش وتلاعب بتوزيع المعونات الغذائية تم ضبطها بمحافظتي دمشق وريفها عبر موظفين مسؤولين عن عمليات التوزيع وإدارتها حيث كانوا يوزعون السلل الغذائية لغير مستحقيها بالإضافة لعمليات بيع وشراء هذه المعونات بمختلف أشكالها».

وأضاف «هذه التجاوزات ناجمة عن مجيء المساعدات بوقت مفاجئ دون وجود عناصر مختصة كون الأمر جديداً على بلدنا وهذا السبب الرئيسي لما حصل من تجاوزات»، مشيراً إلى أنه «تمت الاستفادة من الأخطاء وتلافي أغلبها على أن تكون الإجراءات الجديدة حاسمة لوقف التلاعب والغش بتوزيع هذه المعونات».

وعلى هذا أكدت بعض الأسر النازحة في شكاواها لـ«قاسيون» إن «هذه الحالات المضبوطة قليلة جداً مقارنة بما يحصل في الواقع» مشيرين إلى أن «بعض المعونات تباع ويتاجر بها علناً في مناطق مثل مخيم جرمانا حيث افتتحت محال مختصة بهذا النوع من التجارة دون رقابة أو ردع».

ومن جهته، أفاد المصدر ذاته، أن «وزارة الشؤون أصبحت تملك دلائل وتقارير كاملة عن عمل كل مركز توزيع على حدة، على أن يتم بالوقت القريب جداً وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب» على حد تعبيره.