الموت العبثي
هل تعرفون كيف تسير سواقي الدم على الطرقات؟ ، أو كيف يمتزج الدم مع الإسفلت؟ إذن عليكم الذهاب إلى ضاحية الإسكان العسكري لتروا ذلك بأم أعينكم.
في تلك الضاحية الصغيرة والهادئة وفي الساعة الثامنة إلا ربعاً مساء يوم الخميس الواقع في 26/9/2013 أتقنت قذيفة الهاون مهمتها في القتل فاختارت أكثر الأماكن ازدحاماً في الشارع الرئيسي في الضاحية والذي هو الملجأ الوحيد لسكانها كي يتنفسوا ويتسوقوا.
عرفت قذيفة الهاون التي أطلقها المسلحون من بساتين دوما الملاصقة كيف تقتل وكيف تجرح.
عرفت كيف تكون أمنية لمن أطلقها. فمن أطلقها أرادها قاتلة. ليس المهم لديه من تقتل بل المهم المزيد من القتلى.
وحال سقوطها، اختلطت الأصوات مع بعضها لتصبح سمفونية الضجيج القاتل فالجرحى يصرخون من الألم، والنساء تصرخ من الفاجعة والكبار ينادون أبناءهم.
أما الشباب فيصرخون ليساعد بعضهم الآخر علّهم يستطيعون وقف نزيف الدم لدى الجرحى المرميين على قارعة الطريق، أو وضعهم بأية آلية تنقلهم إلى أقرب مشفى وهم على قيد الحياة.
من لا صوت لهم فقط هم من فارق الحياة، محمد إبراهيم الذيب 19 عاماً، وأحمد محفوض 15 عاماً، وشاب آخر 18 عاماً، وصلاح القائد 20 عاماً، وامرأة شابة... شباب في عمر الزهور... كانوا يحبون الوطن ويخلصون له.
شاهدت ما جرى وكأنها أضغاث أحلام، وكان من الممكن أن أكون بين من فارق الحياة أو بين الجرحى.. ولكن شيئاً ما حال دون ذلك، وكان لآخرين موعد مع الموت... كان من الممكن ألا يكون لو تأخروا قليلاً في الولوج إلى المكان.
وهو موت آثم إذن بلا ثمن ولا غاية.
وللأسف فإن الموت ليس هو الآثم الوحيد الذي حصل فقد عمدت اللجان الشعبية كرد فعل لما جرى بإجبار مجموعة كبيرة من سكان منطقة الغوطة الذين ينتظرون دورهم على حاجز الجيش في مخيم الوافدين للذهاب إلى بيوتهم، بالدخول إلى الضاحية وإنزالهم من سياراتهم وإجبارهم على المشي حفاة على الإسفلت وتكسير زجاج سياراتهم ومصادرة ما يحملون من مواد تموينية والعبث بها ومعظمهم كان من النساء.
فإذا كنا ندين بأشد عبارات الإدانة إطلاق قذائف الهاون وسقوط الشهداء ونطالب بمحاسبة المجرمين ولو بعد حين.
كذلك ندين بقوة كل الممارسات الخاطئة بحق أي إنسان سوري على أرض سورية ونطالب أيضاً بمحاسبة المخطئ.
وفي مثل هذه الحالات لا يسعنا إلا أن نصرخ بأعلى صوتنا:
تحية لأرواح الشهداء الذين سقطوا
تحية لكل من يريد وقف نزيف الدم على هذه الأرض
تحية لك أيها الوطن الذي أبيت أن تركع رغم غدر الغادرين وحقدهم
تحية لشعب متمسك بأرضه وهويته ولحمته الوطنية.
والبؤس كل البؤس لكل أنواع الأسلحة ولكل الأفكار الهدامة.