معاناة معيشية وخدمية: صحنايا والأشرفية... بين فكيّ التهميش والفساد
تحوّلت صحنايا، البلدة الصغيرة في ريف دمشق الجنوبي، في ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد، إلى إحدى التجمّعات البشرية الكبرى في الغوطة الغربية، فقد فتحت هذه البلدة أبوابها للنازحين في وطنهم من شتّى المناطق. ومع ذلك ظلت هذه البلدة منسيّة في حسابات الدولة وخدماتها، فبالإضافة إلى تهميش ما قبل الأزمة، تعاني البلدة من مضاعفات الحرب الدائرة في البلاد، كغيرها من مدن البلاد وبلداتها وقراها..
ترمي المعاناة بثقلها على ساكني صحنايا، من الأهالي والوافدين، في شتّى المستويات، من تردّي الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار، إلى نقص المواد والخدمات الأساسية، وتدهور الحالة الأمنية على الطرق المجاورة، وسوء المواصلات، وأزمة السكن... الخ.
واقع المعاناة هذا ليس بجديد، بل هو استمرار للتهميش الذي سبق الأزمة، فالكل يذكر غلاء عقارات صحنايا، بعدما حوّلها تجّار العقارات إلى سوق فرعي للمضاربات يتبع لسوق المضاربات الأساسيّة في العاصمة، وأزمة انقطاع المياه فيها، وغياب بعض الخدمات الأساسية، كالأفران وبعض الدوائر الحكومية الضرورية، التي ملأ فراغ غيابها جشع القطاع الخاص والتجار وشخصيات مرتبطة بأجواء الفساد في الدولة.
اليوم تضاف إلى تلك المشاكل أزمات جديدة مشتقّة من أزمة البلاد الكبرى، ولكن الجديد بالأمر اليوم هو ازدياد عدد سكان صحنايا والأشرفية إلى أكثر من المرّة والنصف، فقد كان عدد سكان البلدة يقدر بحوالي40 ألف نسمة قبل الأزمة، واليوم يتجاوز الـ 100 ألف.
نار الأسعار تكوي الجميع
الأسعار في صحنايا أغلى منها في العاصمة، والحجّة معروفة لدى الباعة: سوء حالة الطرقات التي تؤدي إلى رفع تكاليف النقل، إلا أن بعض الأهالي الذين التقتهم «قاسيون» أكدوا لها أن نسبة غلاء المواد الأساسيّة أعلى بكثير من نسبة ارتفاع تكاليف النقل. إذ يصل سعر ربطة الخبز إلى حوالي 50 ل. س، وكيلو الزيت البلدي بـ1500 ليرة، لحمة الخروف 2400 ليرة للكيلو، والفروج 1200، والبطاطا 110 ليرة.
فيما استقر سعر قنينة الغاز على 1500 ليرة، التي يتم توزيعها غالباً في المحال والبقاليات بدلاً من المراكز المخصصة. يقول أبو سمير، من أهالي صحنايا، لـ«قاسيون»: «بالرغم من قيام الأهالي بتشكيل لجان لتوزيع الغاز، إلا أن بعض المحتكرين، ومن يدعمهم من عناصر من اللجان الشعبية، ساهموا في الإبقاء على أسعار الغاز مرتفعة، علماً أن سيارات الغاز تصل بسهولة من دمشق، عبر الخط العسكري الخاص».
مبادرات شعبية تحقق نجاحات جزئية
وكان أهالي صحنايا والأشرفية من أوائل المبادرين لتشكيل لجان مراقبة توزيع الغاز والخبز، ولمراقبة الأسعار، بالتنسيق مع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك. وتمكنت لجنة صحنايا في وقت سابق من الاتفاق مع الوزارة حول زيادة مخصّصات البلدة، التي تضاعف عدد سكّانها بسبب موجات النزوح المتعاقبة إليها، وعن هذا الموضوع يقول موسى العرموش، نائب رئيس بلدية صحنايا لـ«قاسيون»: «نستطيع القول إن نصف مخصصات الغاز خلال عام ونصف قد تمّ توزيعها عبر اللجنة، بالإضافة إلى إنشاء فرن احتياطي في صحنايا بالتنسيق مع وزارة التجارة الداخلية، سيبدأ العمل بعد أيام». إلا أن معيقات كثيرة لعمل اللجنة ظهرت لاحقاً، فقد تم تشكيل لجان حزبية أخرى في صحنايا، كي تتولى مهام الرقابة على توزيع المخصصات، وهي تتمتع بصلاحيات أوسع من اللجنة الأهلية، ومع ذلك فهي تخضع في عملها في كثير من الأحيان إلى الوساطة والمحسوبيات، يقول هاني نصر (36 عاماً)، لـ«قاسيون»: «لماذا لا يجري الاعتماد على لجنة أهلية وحيدة؟ أو لجنة مكونة من الأهالي وعدة ممثلين للأحزاب والفعاليات؟ فاللجنة الحزبية لا تمثّل سوى طرف وحيد، وهذا لا يتناسب مع واقع صحنايا التعددي الحقيقي».
غياب العدالة.. حتى في الحرمان
أزمة المياه في صحنايا ليست بجديدة، ولكنها تزداد تفاقماً مع ازدياد عدد السكّان، ومع تلاعب وحدة المياه في أوقات قطع المياه، يروي مازن رزق، من سكّان حي الطيران، لـ«قاسيون»: «قُطعت المياه عن الحي لمدة 20 يوماً، كنا نضطر خلالها إلى تعبئة الخزانات من سيارات وجرارات خاصة تبيع المياه، ثم عادت المياه بعدها لمدة أسبوع متواصل. لا نفهم كيف تدير وحدة المياه هذا الموضوع، ولكن من المؤكد أنها تقوم بذلك بالتنسيق مع بائعي المياه، وتقطع المياه عن الأحياء بشكل كيفي، وبحسب العلاقات الشخصيّة والقرابات للموظفين». وسابقاً كان لكل حيّ يومان مخصّصان تأتي خلالهما المياه، أما مؤخراً فلا يوجد برنامج واضح لتوزيع المياه، وعندما حاولت «قاسيون» سؤال وحدة المياه عن الأسباب، رفض رئيس الوحدة الإجابة، زاعماً بأن لديه توجيهات من وزارة الري تمنعه من الحديث إلى الصحافة، وأن المكتب الإعلامي للوزارة هو الوحيد الذي يمتلك حق الإجابة عن هذه الأسئلة.
أزمة المواصلات توقف الحياة العامة
الوصول إلى العاصمة لم يعد بالأمر السهل على كل من سكان صحنايا والأشرفية، الذين يعمل قسم كبير منهم موظفاً أو طالباً أو عاملاً في دمشق، والعودة من العاصمة ليست بأفضل حال، إذ يستغرق الطريق ذهاباً أو أياباً ساعتين وسطياً في وسائط النقل العامّة، حيث يوجد أربعة حواجز بين صحنايا وأتستراد درعا، حوالي2 كم، وحاجزان على بقية الطريق، أي أن المجموع ستة حواجز، وسطي مدة الانتظار على كل منها حوالي 15 دقيقة. هذا الوضع يرهق الأهالي في أدنى تنقّل يجري حتى ولو كان بين صحنايا والأشرفية، 3 حواجز. يقترح سليم حنا، طالب في جامعة دمشق، «تجميع الحواجز قبل أتستراد درعا» ويضيف لـ«قاسيون»: «نتفهّم إلى حد كبير الضرورات الأمنية لوجود الحواجز، ولكن بقاء الأمر على حاله يعني تعطيل الحياة الاقتصادية والعامة، ولا سيما عندما نرى بأعيننا أن عمل معظم هذه الحواجز شكلي». هذا وقد قام بعض أهالي صحنايا بالتعاون مع رئيس البلدية برفع طلب إلى محافظة دمشق لتزويد خط صحنايا بوسائط نقل جديدة، والسماح بوصول بعضها إلى العاصمة، ولا يزال الطلب لدى المحافظة منذ أشهر دون أي جواب واضح.
النازحون.. معاناة قاسية
تعد صحنايا مقصداً رئيسياً للنازحين في ريف دمشق الغربي، وكانت قد استقبلت أعداداً كبيرة منهم على مرحلتين ودون أي تحضيرات مسبقة، ولا يزال الوضع الإنساني المتدهور على حاله، حتى الآن، فباستثناء مبادرات الأهالي واحتضانهم للنازحين، ونشاط بعض المتطوعين عن طريق الهلال الأحمر، لم يتم تقديم أي مساعدات أو حلول من جانب الجهات الحكومية. يروي أحمد شرف (42 عاماً)، نازح من داريّا لـ«قاسيون»: «مضى على نزوحنا أكثر من 10 أشهر، لجأت عائلتي في حينه إلى أحد البيوت غير المكسوّة (على العظم)، وما زلنا هناك حتى اللحظة، ولم يسألنا أحد خلال هذه الفترة عمّا نحتاج، اللهم بعض أهل صحنايا الذين قدموا لنا بعض الحاجيات الأساسية للسكن».
غياب الدوائر الأساسية
تفتقد صحنايا إلى بعض الدوائر الأساسية، كمكتب توثيق عقاري «الطابو»، ودائرة مالية خاصة، ومحكمة لفض المنازعات وتسيير المعاملات. فقد كان أهل صحنايا يتبعون لدوائر مدينة داريّا، إلا أن تحوّل داريا إلى ساحة حرب، جعل كل المسائل المتعلقة بهذه