مدن وقرى وحصار مزدوج

مدن وقرى وحصار مزدوج

مع استمرار رفض الحل السياسي أو عرقلته منذ بداية الأزمة إلى الآن، تتزايد وتتوالى المصائب على الشعب السوري كل يوم بشكل مركب بدءاً من الفقر والبطالة والغلاء ونقص أو انعدام المواد الغذائية والطبية، إلى القمع والعنف والحواجز وغيرها من الممارسات.

ويشكل الحصار المزدوج للمدن والقرى والأحياء سبباً للجوع والتلوث وانهيار الوضع الصحي في العديد من مناطق التوتر، هذا الحصار الذي كان ومازال مستمراً منذ شهور سواء من بعض القوى المسلحة والمتطرفة أو من بعض القوى التابعة للنظام أو التي تدور في فلكه كاللجان الشعبية أو ما سمي بـ «جيش الدفاع الوطني».
فمدينة دير الزور مضى عليها أكثر من عام في الحصار من قبل بعض قوى النظام من طرفيها الشرقي والغربي وبعض الأحياء داخلها، وتعرض المواطنين بشكل فردي وجماعي لشتى أنواع المضايقات، بل وتستغل ذلك في فرض إتاوات لقاء الدخول والخروج وسرقة المنازل بحجة وجود إرهابيين أو أنّ أهلها يحتضنون الإرهابيين وانتمائهم لهذه المنطقة أو تلك والتطهير وغيرها.
بينما تقوم القوى المسلحة المتعددة وقوى التطرف بالسيطرة على بعض القرى والمدن الريفية كموحسن والمياذين والبوكمال بالممارسات ذاتها وتفوقها أحياناً كثيرة كنهب الممتلكات العامة والخاصة والآثار والثروة الوطنية النفطية وتلويث البيئة وسرقة مساعدات الإغاثة وممارسة تجارة السلاح ومنع الطلاب من أداء امتحاناتهم الثانوية والجامعية، وتمنع تسويق المحاصيل الزراعية وغيرها، وأيضاً تحت حجج موالين للنظام أو «عواينيية» وغيرها أيضاً.
وهذه الحال تنسحب على مدينة الرقة وحلب وإدلب وحمص وحماة ودرعا وأريافها وحتى العاصمة دمشق وريفها، كقرى الغوطتين في دمشق بغض النظر عن تاريخ بدئه ومدته.
لا شك أن الهدف من استمرار كل ذلك هو توسيع مناطق التوتر أفقياً وعمودياً لإطالة أمد القتال والاشتباك ومنع أو عرقلة الحل السياسي، لكنه في الوقت ذاته أدّى إلى  تغيّر المزاج الشعبي وارتفاع أصوات غالبية المواطنين برفضهم لكل أطراف العنف، فقد فقدوا الثقة بكل القوى السياسية التي كانت تدّعي الوطنية والوقوف إلى جانبها وباتت تبحث عن الحل السياسي والخلاص من كل الأطراف المتحاربة والمهيمنة كما باتت تميّز القوى الوطنية الحقيقية التي أعلنت منذ البداية رفضها للقمع والعنف؛ وأنّ الحل لابد أن يكون سياسياً، وصارت تطالب بأن يقوم الجيش العربي السوري بدوره الوطني وحمايتها باعتباره الحامل الشرعي الوحيد للسلاح، وردع كل القوى التي تعتدي على كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار.