«اللجان الشعبية».. بعيون أبناء جرمانا «لا ثقة لدينا سوى بالجيش العربي السوري»
نحو الجنوب الشرقي للعاصمة دمشق، وعلى بعد أقل من خمسة كيلو مترات من مركزها، تتموضع مدينة جرمانا التابعة إدارياً لمحافظة ريف دمشق. وتعتبر المدينة مركزاً تجارياً هاماً في الريف، فالأسواق الشعبية المنتشرة فيها جعلت منها مكاناً حيوياً لا يكاد يخلو ممن يريد التبضع هناك. .
وفي السنوات العشر الأخيرة، تضاعف عدد سكان المدينة نتيجة عاملين اثنين، أولهما هو استقرار أعداد كبيرة من المواطنين العراقيين فيها، بعد الحرب الأمريكية على العراق، وثانيهما هو حركة النزوح الداخلي، التي رافقت الأعمال العسكرية التي تعاني منها البلاد. حيث تقدر مصادر غير رسمية، أن عدد السكان في المدينة قد وصل، حتى اليوم، إلى ما يقارب 800 ألف نسمة
فرض التوجه نحو العنف، بالإضافة إلى حجم الشحن الطائفي المرتفع، تحولات عدة على مسار الحياة المدنية في جرمانا. ففقدت المدينة، كباقي المناطق السورية، هامش الأمان الذي كانت تتمتع به فيما سبق، وباتت شاهدة على عدة تفجيرات استهدفت أمن سكانها، وكان آخرها التفجير الإرهابي الذي استهدف «ساحة السيوف» التي تتوسط المدينة. هذه التحولات، وغيرها، شكَّلت أولى الإرهاصات التي مهدت لولادة ما يسمى بـ «اللجان الشعبية»، والتي برزت كقوة مسند إليها مهمة حماية المدينة من أي خطر يمكن له أن يهدد استقرار المدنيين فيها. إلا أن الحال لم تسر كذلك، فسرعان ما تحولت بعض هذه اللجان إلى عبء حقيقي، حيث أصبحت هذه اللجان اليوم مشكلةً أخرى تضاف إلى سلسلة المشكلات التي يعانيها سكان جرمانا والتي تهدد استقرارهم في مدينتهم.
يرى «ف. كنفاني»، وهو أحد الشباب المقيمين في المدينة، خلال حديثه مع «قاسيون» أنه: «في البداية كانت هناك ضرورة قصوى أمام أبناء جرمانا لتأمين المدينة، وكلنا كنا متحمسين لفكرة اللجان الشعبية، وعلى استعداد تام للمشاركة فيها، إلا أن بعض عناصر هذه اللجان سرعان ما غاص في ممارساتٍ أقل ما يقال عنها أنها الخنجر المغروس في ظهر الجيش السوري». في المقابل، يضع إياد الحسن (26 عاماً) الممارسات السيئة للجان في إطار «ممارسات فردية لا يمكن أن تعمم على كافة شباب اللجان»، ولدى سؤالنا له عن مدى تأييده لفكرة أن يكون الجيش السوري هو الحامل الوحيد للسلاح، عقب بالقول: «بالطبع، جميعنا نتمنى أن يكون السلاح بيد الجيش فقط. لكن على أرض الواقع، لا يمكن أن نتهرب من مسؤولياتنا الوطنية، فالجيش مشغول بمعاركه ضد المرتزقة، هل المطلوب منا أن نحمله أعباء إضافية؟ هؤلاء الشباب يساندون الجيش ويدعمونه، وعلينا بدورنا أن ندعمهم أيضاً».
إذا حمَّلت السلاح لبلطجي...؟!
إلى هذا، فقد شهدت مدينة جرمانا مؤخراً، حادثة اعتقال أحد الوجوه البارزة، وأحد رموز التجاوزات المستمرة التي مارستها بعض اللجان، والمدعو (ح. ش). وهذا ما لاقى قبولاً عند كثيرين من أبناء المدينة ممن التقتهم «قاسيون»، واستهجاناً من قلة من مناصريه. غير أن جزءاً ممن التقيناهم عبّر عن عدم تفاؤله بحادثة الاعتقال، ذلك أن هذا الاعتقال لم يجر إلا «لأن ريحتو طلعت كتير وما عاد فيهون يخبوا» حسب رأي السيد «ن. د». بالمقابل، تتساءل م.الخطيب (30 عاماً) عن أسباب الاعتقال فتقول: «هؤلاء الشباب دافعوا عنا فلماذا يتم اعتقالهم؟ عوضاً عن تكريمهم تتم إهانتهم؟ أعتقد أن الجهات المختصة قد أخطأت العنوان».
في المقلب الآخر، يروي أحد سكان الحي، وقد رفض الكشف عن اسمه، تداعيات الاعتقال فقال: «حالة هيستيريا جنونية أصابت عناصر اللجان المناصرة لـ(ح. ش)، فبعد سماعهم نبأ اعتقاله، قاموا بترويع الأهالي عبر إطلاق الرصاص في الهواء»، ويضيف: «هذا الشخص، وغيره العديد من أفراد اللجان، هم من أصحاب السوابق، ابتداءً من السرقات وليس انتهاءً بجرائم الاغتصاب، كيف لهؤلاء أن يحموا مدينة؟ إذا حمَّلت السلاح لبلطجي.. من الطبيعي أن تصبح حياتك رهنٌاً لمزاج البلطجية»..
النازحون: استقبال الأهالي.. إهانات اللجان!
عمل أهالي المدينة، منذ ارتفاع وتيرة العنف في البلاد عموماً، على تأمين أفضل السبل لاستقبال النازحين من المناطق الساخنة، فكان هناك العديد من المبادرات الأهلية، والجمعيات التي شكلها أبناء المدينة، والتي هدفت إلى استيعاب أكبر قدر ممكن من المهجرين. هذا الجهد الحثيث الذي بذله سكان الحي، كثيراً ما تصادم مع ممارسات اللجان التي ضيقت بشكل مستمر على النازحين إلى المدينة.
في حديثه لنا، يقص «أبو علي»، وهو النازح من مخيم اليرموك، تفاصيل مشكلته مع اللجان: «تركنا منزلنا ولجأنا إلى جرمانا نظراً للهدوء النسبي الذي تتمتع به المدينة، الشهادة لله لم يعاملنا سكان المنطقة هنا سوى أننا أهل أو أكثر، استضافتهم لنا كانت أكثر من ممتازة مقارنة مع باقي المناطق» ثم استدرك قائلاُ: «إلا أننا، ومنذ دخولنا إلى المدينة، باتت اللجان تضيق علينا بشكلٍ خانق. تارة يطرقون الباب عليك آخر الليل لجمع معلومات أمنية عن سكان المنزل، وتارة أخرى يريدون فواتير الماء والكهرباء، ولا يوفرون إهانة إلا ويقومون بتوجيهها إلينا.. وينظر عناصر اللجان إلينا على أننا نحن السبب في التفجيرات التي تهز المدينة..».
عناصر من اللجان يعيثون فساداً في المدينة
وفي السياق ذاته، يعقب «ف.كنفاني»: «منذ بداية الأحداث، والشباب الواعي في جرمانا يحاول التخفيف من حدة التناحر الطائفي، نظراً لخصوصية المنطقة عندنا، والآثار الكارثية التي قد تنجم عن تمرير اللعبة الطائفية فيها، في هذا الوقت ظهرت اللجان الشعبية لتشكل بممارساتها أحد أعمدة الخطاب الطائفي. إنهم يعيثون فساداً في المدينة، ليست لدينا الثقة سوى بالجيش السوري»
في منتصف المدينة، وقبل ساحة الروضة ببضعة أمتار، تتمركز المؤسسة الاستهلاكية في جرمانا. لهذه المؤسسة قصة أكثر بؤساً، ومعاناة أكبر يواجهها المدنيون هناك. إذ أن عناصر من «اللجان الشعبية» هي من تقوم بتنظيم التوزيع هناك.
تقول السيدة «منال.أ» في معرض حديثها لصحيفة «قاسيون»: «هؤلاء ليسوا اللجان الشعبية، بل إنهم خلاصة العناصر السيئة فيها. يتوافد الناس بكثرة، وبحكم الحاجة، إلى المؤسسة، بينما الإهانات هي الطريقة الوحيدة التي تدركها هذه اللجان. هل يمكن لأحد أن يشرح لنا من الذي يسمح لعنصر، أصغر أولادي يكبره في السن، أن يحمل عصاً خشبية ويعامل الناس كالغنم؟؟».
للصبر حدود....
بينما يبدي «ع. صباغ» استغرابه مما يحصل هناك قائلاُ: «لست مستغرباُ أن اللجان تقوم بهذه الأفعال هناك، لكني بالفعل استغرب مدى قدرة الأهالي على ضبط أنفسهم. أقل شتيمة يوجهها عناصر اللجان للنساء هناك كافية أن تفتح حرباً كاملة، لا أشمل كافة العناصر، إنما المقصود من كلامي هم فئة قليلة طاغية بحكم نفوذها».
وربما بات من الواضح أن جزءاً مهماً من السكان في المدينة ضاقوا ذرعاً بممارسات باتت تهدد أمنهم واستقرارهم ولقمة عيشهم من جهة، وما يزيد هذه الممارسات تهديداً وإزعاجاً لهم، هي أنها محسوبة عليهم ظلماً وجوراً من جهة أخرى. فجرمانا كغيرها من المناطق السورية، تبحث عن سبل العيش الكريم بعيداً عن العنف، أياً كان مصدره، ويؤكد الأهالي فيها من جديد، أن السلاح، أياً كان حامله، سيتحول إلى كارثة تهدد المدنيين ما لم يكن محصوراً بيد الجيش العربي السوري، فهو الضامن الأول للوحدة الوطنية، التي باتت مهمة استعادتها مهمة وطنية بامتياز.