لا يموت حق : ويستمر التوقيف...!!
درج قضاءنا هذه الأيام على استعمال عبارة مقتضبة في تسبيبه لإبقاء المدعى عليه موقوفاً وبالتالي رد طلب إخلاء السبيل المقدم منه وهي عبارة .
«لماهية الجرم ووصفه القانوني ولعدم كفاية مدة التوقيف».
لا شك أن هذه العبارة تنطوي على مخالفة صارخة لكل المبادئ التي تقوم عليها مؤسسة التوقيف الاحتياطي فهي تجافيها بالمطلق ولا تتفق مع أي مبدأ من مبادئها بأي حال من الأحوال.
كما أنها لا تعبر عن حقيقة الوقائع والأدلة الموجودة في الدعوى ولا تشير ولا تدل لا من قريب ولا من بعيد ولا بأي حال من الأحوال عن وجود أو قيام أحد الأسباب القانونية التي تدعو إلى الاستمرار بالتوقيف الاحتياطي أو مده أو إطالة أمده وشخصياً لا أرى فيها إلا عبارة تم توارثها على مبدأ «هكذا وجدنا آباءنا عابدين.....!؟» يرتكز إليها لتبرير إطالة مدة التوقيف الاحتياطي بشكل جزافي.
وبالتالي فإن العبارة المذكورة تفترض وجوب مضي زمن محدد لكل حالة من الحالات التي يتم فيها التوقيف الاحتياطي وهذه المدة لا يملك أحد تقديرها أو قصرها أو مدها أو إنهاءها أو حتى معرفتها سوى القاضي الذي يضع يده على القضية بمفرده دون غيره وهي لا تخضع لأي ضابط أو معيار قانوني سليم ولا يحكمها إلا قناعة القاضي ووصف الجرم.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر- قضايا التسبب بالوفاة- إذ درجت معظم المحاكم وقضاة التحقيق والإحالة على أنه: لا يخلى سبيل المدعى عليه في هذه القضايا إلا بعد أن يمر على توقيفه احتياطياً مدة تزيد على الخمسة والعشرين يوماً على الأقل وهذه المدة تقارب الحد الأدنى لمدة العقوبة النهائية التي سيحكم بها الموقوف في الغالب.
إذ نقول للقاضي: «ياسيدي، موكلي... كذا وكذا...»، فيقول: «معليش لسه بكير يا أستاذ.. بس يمضي خمسة وعشرون يوماً تعال لعندي»، طيب يا سيدي خليها بعد عشرين يوماً فموكلي كذا وكذا و... فيقول: «على راحتك حتى لو أخليت لك سبيله فإن النيابة العامة ستستأنف..»!!
وكأن هناك تسعيرة تموينية لا بد من تطبيقها مهما كانت ظروف الحادث وأياً كانت نسبة المسؤولية ومهما كان وضع المتسبب وحاله.
وبشكل أصبح معه مبدأ حرية الاقتناع والتقدير سيفاً مصلتاً على رقاب العباد ممن قادهم قدرهم للوقوع تحت رحمة هذا المبدأ فبدا وكأنه حق مطلق، تحكمي، مزاجي، لا تحكمه قاعدة ولا تحد منه أصول. وهو على العكس من ذلك بالمطلق