مهربون يتاجرون بـ«السموم».. أصناف رديئة ومتلفة للأعصاب من السجائر تغزو الأسواق
يكاد لا يخلو شارع من شوارع العاصمة دمشق، من «بسطة» لبيع علب السجائر المهربة، أنواع جديدة وأخرى غريبة، وبعضها غير واضح المنشأ أو نسبة المواد الداخلة في تصنيعه
كما في علب السجائر المعروفة. أفرزت الأزمة ما أفرزت من المظاهر التي كان بعض أبطالها أناساً حاولوا البقاء على قيد الحياة اقتصادياً بالاعتياش على الثغرات التي فتحتها الأوضاع الأمنية الصعبة، وعدم القدرة على الرقابة بشكل فاعل كما السابق، ومن هذه الثغرات، عدم القدرة على ضبط التهريب الذي نشط في الفترة الأخيرة ما أنتج باعة يتاجرون بالسموم دون اكتراثهم لخطورة ما يبيعون.
تجارة رابحة...
أبو رامي شاب في مقتبل العمر (27) عاماً، فقد عمله في مهنة «ديكور الجبصين» بسبب الأوضاع الراهنة، وبعد البحث عن مصدر آخر ليكسب رزقه، كانت المهنة السهلة والتي تحقق مردوداً كبيراً في وقت قصير، هي بيع الدخان المهرب الذي لا تخضع تسعيرته لجهة معينة، حيث يبقى هامش الربح حراً بحسب البائع.
بدأ أبو رامي «ببسطة صغيرة»، ثم انتقل إلى محل صغير في منطقة عشوائية، واجهة المحل كانت فقيرة بالأصناف، ثم أخذت بالثراء شيئاً فشيئاً، وأخذت الأنواع تزداد غرابة وتنوعاً فيها، وبحسب أبو رامي فإن «ارتفاع أسعار علب السجائر المهربة المعروفة سابقاً إلى حدود غير معقولة، دفعنا إلى تلبية حاجة الناس من أصناف رخيصة تناسب وضعهم المادي الصعب».
أبو رامي ومئات الأشخاص، ساهموا بنشر السجائر غير المعروفة سابقاً بحكم «الحاجة للمال»، التي انقلبت إلى طمع في زيادة الربح، ما دفعهم إلى البحث عن مهربين ومصادر مشبوهة تزودهم بأنواع جديدة وغير معروفة كل فترة، ما شكل «تهديداً للصحة العامة» بحسب مصادر في المؤسسة العامة للتبغ.
«عدم قدرة المؤسسة العامة للتبغ على تزويد السوق بأصناف علب السجائر الخاضعة للرقابة والمعروفة سابقاً، نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة وتوقف بعض الشركات العالمية عن تزويدها ببعض أنواع السجائر المرغوبة في السوق، إضافة إلى عدم قدرتها تأمين وصول الأصناف المتوفرة من محافظة اللاذقية حيث إدارة مؤسسة التوزيع إلى باقي المدن، دفع ضعاف النفوس إلى تهريب علب السجائر عن طريق الحدود التي تشهد توترات أمنية، وإدخال بعض الأصناف التي لم تكن معروفة سابقاً، مستغلين عدم قدرة المؤسسة على إشباع السوق» بحسب مصدر في المؤسسة العامة للتبغ.
المافيا أدخلت أصنافاً متلفة للأعصاب
وأضاف المصدر لصحيفة «قاسيون» إن المهربين «بالتعاون مع مافيات داخلية وخارجية مستفيدة، أدخلت أصنافاً لا يمكن حصرها من ماركات غير معروفة المنشأ ولا المصدر، وليس لدينا أية إحصائية حالياً حول كمية ما دخل منها إلى سورية، وهي أصناف رديئة جداً إلا أنها تشهد إقبالاً من المواطنين لرخص ثمنها وشكلها المقبول».
وتابع إن «الحدود التركية والعراقية والأردنية والبحرية باتت سهلة الاختراق من مهربي التبغ أكثر من السابق، عدا عن قيام شركات منطقة جبل علي في الأمارات العربية بتزوير 90% من علب سجائر الشركات المعروفة، وقد حدث أن طلبت إحدى هذه الشركات من المؤسسة أن تقوم بتعبئة السجائر في علب مزورة لشركات معروفة، إلا أن المؤسسة رفضت ذلك».
ومن جهته، قال مدير عام المؤسسة العامة للتبغ فيصل سماق لـ «قاسيون» إنه تم «تحليل عينات من هذه الأنواع المهربة المنتشرة، وتبيّن أنها رديئة الصنع وتحوي على مواد متلفة للأعصاب ومواد سامة ومسرطنة قد تسبب حالات ضرر للمدخن أكبر بكثير من الدخان المستورد بطريقة شرعية، حيث تخضع الأصناف المستوردة للتحليل قبل دخولها إلى السوق، ويشترط بها المواصفات المطلوبة بحيث يكون ضررها أقل على المدخنين».
وأضاف سماق «هناك أصناف من علب السجائر غير معروفة المصدر أو شركة التصنيع، وهي تعود 90% إلى عصابات التهريب»، وأشار إلى أنه «هناك دوريات للمراقبة وضبط البسطات غير المرخصة التي تروج لهذه الأنواع من علب السجائر، لكن عمل الدوريات حالياً ضمن نطاق ضيق نتيجة للظروف الحالية».
وبدوره، قال المصدر في المؤسسة إن «أنواع علب السجائر المهربة والرديئة بتصنيعها هي اليغانس، مانشيستر، وينستر، ماستر، كورسا، ولسن، ميكادو، جيكور......الخ، بالإضافة إلى أنواع أخرى مزورة مثل يونايتد».
الأسعار متروكة للتجار
أما عن الأسعار، فقد اشتكى مدخنون من ارتفاع أسعار علب السجائر المستوردة من مؤسسة التبغ إلى مستوى فاق به سعر العلب المهربة بعض الأحيان، وعلى هذا زود سماق صحيفة «قاسيون» بأسعار علب السجائر المستوردة، وتبيّن من خلال نشرات الأسعار هذه بأن أسعار العلب ذاتها في محلات البيع كانت غير مطابقة للنشرة وفاقتها بنسبة كبيرة، ومنها نوع «غلواز- أصفر وأحمر وأزرق» الذي حدد سعر الكيلو منه (5 كروزات) بـ 3250 ليرة سورية، أي أن سعر الكروز الواحد المؤلف من 10 علب سجائر يبلغ بحسب المؤسسة 650 ليرة سورية فقط، في حين وصل سعر الكروز- الذي مصدره المؤسسة ذاتها- في السوق، إلى أكثر من 1500 ليرة سورية إن وجد.
وعلى هذا، قال المصدر في المؤسسة إن «سبب ذلك يعود لوقف المؤسسة جلب علب السجائر من اللاذقية إلى صالاتها بدمشق لصعوبة تأمين الطرقات، وترك الموضوع للتجار الذين يقومون بجلبها على حسابهم الخاص إن وجدت هذه الأصناف، ومن هنا بدأ الاستغلال من قبلهم» مشيراً إلى أن «قضية رقابة الأسعار لا تعود لمؤسسة التبغ وإنما المعني بها بشكل مباشر هو دوريات مديريات حماية المستهلك».
ارتفاع أسعار علب السجائر، طال الأنواع المصنعة محلياً حتى، وذلك رغم اعتماد المؤسسة على الإنتاج المحلي من التبوغ التي تشتريها من الفلاحين المحليين دون التأثر بارتفاع سعر الصرف.
وبحسب مؤسسة التبغ في تصريحات سابقة، فإن «نسب زيادة أسعار بعض الأصناف بلغت مقارنة بين عامي 2007- 2013، 157% لصنف شك البنت ، 173% لصنف الفرجينيا ، 195% لصنف البرلي، و 140% لصنف التنباك».
وأفادت المؤسسة، بأن صنف تبوغ الفرجينيا يباع دولياً بنحو /1,7/ دولار أي ما يعادل /150/ ل .س تقريباً، بينما يبلغ سعر شراء هذا الصنف في عام 2013 (200) ليرة، ويبلغ سعر شراء صنف البرلي في السوق الخارجية نحو/1/ دولار فيما يبلغ سعر الشراء حالياً /160/ ليرة، كما يبلغ سعر صنف الأزمير التركي المماثل لصنف البصما في سورية /150/ ليرة، في حين أن شراء هذا الصنف لدينا هو /300/ ليرة، ويبلغ سعر شراء صنف شك البنت /240/ ليرة وسعر التنباك /150/ ليرة.
تكاليف الإنتاج
وأضافت المؤسسة في تصريحها على لسان مديرها فيصل سماق لإحدى الصحف المحلية، بأن «أسعار البيع الحالية للمستهلك ليست مرتفعة قياساً بأسعار المواد الأخرى على اختلافها، وأنه هناك آلاف العاملين وخطوط الإنتاج والمباني والآليات وخدمات ومواد أخرى داخلة في إنتاج السجائر قد يصل تعدادها إلى حوالي /80/ مادة، وكلها تشكل تكلفة مضافة على تكلفة التبوغ حتى الوصول إلى السيجارة التي يتم طرحها».
«أسعار شراء التبوغ من المزارعين زادت عدة مرات في السنوات الأخيرة دون أن يرافق ذلك زيادة في سعر المنتج النهائي وإنما كانت هذه الزيادة على حساب نسبة الربح المخصصة للمؤسسة، وأسعار الشراء الآن أعلى من الأسواق العالمية لعدد من الأصناف» حسب تصريحات المؤسسة.
وبحسب سماق، فإن أرباح المؤسسة العامة للتبغ بلغت عام 2012 حوالي 16 مليار ليرة سورية، في حين بلغت قيمة محصول التبغ المشترى من الفلاحين 3.800 مليار ليرة سورية، ضمن حدود تصدير ضيقة جداً.
وخرج معمل التبغ التابع للمؤسسة في حلب عن العمل منذ 2/8/2012 ، وتعرضت معامل دمشق وحماة لاعتداءات متكررة وصعوبة تأمين الغلافات والمطبوعات لسد حاجاتها، حيث توقف معمل دمشق عن العمل شهر نيسان الماضي، ومع ذلك وبحسب المؤسسة، فإن نسبة تنفيذ الخطة خلال عام 2012 بلغت 75% من حيث الكمية، و108% من حيث القيمة، وتعمل المؤسسة لتأمين حاجة السوق خلال تشغيل معامل اللاذقية فقط.