المواطن أمام «طريق مسدود»... الأسعار تلتهب والموائد الرمضانية تتقلص والحكومة خارج المعادلة
ضاقت السبل بالمواطن السوري حتى وصل إلى «طريق مسدود»، وأخذت مائدة طعامه اليومية تتقلص بجودتها ونوعيتها وكمياتها، وبدأت عاداته الاستهلاكية تتغيّر تبعاً للظروف الاقتصادية القاهرة، فالأسعار تلهب جيبه دون رقابة،
فعدا عن ارتفاع سعر صرف الدولار، طفت على السطح ظاهرة الاحتكار والتلاعب بالأسعار حسب مزاج التاجر أو البائع، فمهما كانت نسبة رفعه للأسعار، ستكون مغطاة بعجز الحكومة العام عن ضبط سعر الدولار المتقلب يومياً، وضبط أسعار جميع المنتجات التي من ضمنها ما هو مدعو منها.
مع بدء شهر رمضان، أخذت الأسعار بالارتفاع أكثر إلى حد «لا يطاق»، فشريحة كبيرة من المواطنين بحسب استطلاع أجرته صحيفة «قاسيون» داخل أحد الأحياء الشعبية بدمشق، اختصرت مواد غذائية أساسية من مائدتها الرمضانية، ومنها اللحوم والبيض ومشتقات الحليب والمعلبات، إلا للضرورة القصوى إن وجد المال.
حملات مقاطعة «غير مؤثرة»
وبعد مناشدات المواطنين المتكررة، وفقدان الأمل من الجهات الرقابية بإبقاء الأسعار على ما هي عليه، ولجم تجاوزات التجار في الإحتكار والتلاعب، لجأت مجموعات شبابية إلى التحشيد لحملات مقاطعة للمنتجات الغذائية التي تشهد أسعاراً غير منطقية، وكانت منها حملة باسم «بدنا نعيش»، التي تهدف إلى مقاطعة نوع معين من المنتجات كل فترة في محاولة لإرضاخ التجار وإجبارهم على تخفيض الأسعار.
وبحسب ما قاله أحد منظمي حملة «بدنا نعيش» لصحيفة «قاسيون» فإن «الحملة لا تطالب بالحدود العليا ولا بالرفاهية، لكنها تطالب بما يؤمن للمواطنين العيش الكريم يعني (نشبع أكل) فنحن نؤكد لكم أن 80% من الشعب السوري لا يشبع الطعام اليوم».
ومن جهة ثانية، وبالتنسيق مع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أطلقت مجموعة شبابية أخرى حملة مقاطعة تحمل اسم «كفى» لمقاطعة بعض السلع الأساسية مرتفعة السعر، ولذات هدف الحملة السابقة.
وبدأت الحملة نشاطها بمقاطعة مادة الفروج يوم الأربعاء 10/7/2013، ولمدة خمسة أيام في كل المحافظات، على أن تمدد المقاطعة في حال عدم انخفاض سعر مادة الفروج مع نهاية الأيام الخمسة.
حتى اليوم، لم تلمس هذه الحملات أية نتائج على أرض الواقع، ولم تشكل أية ضغوط تذكر على أسعار المنتجات التي قاطعتها، وخاصة الفروج والبيض والألبان، وعلى العكس حذّرت بعض الجهات الرسمية من فشل هذه النوعية من أساليب الضغط على التجار، حيث أوضح نائب رئيس «غرفة تجارة دمشق» بهاء الدين حسن، أن «مقاطعة السلع مرتفعة الأسعار، لن تجدي إلا في حال وجود بديل منها بأسعار أرخص، والحال في السوق التجارية السورية يشير إلى أن الأسعار واحدة والغلاء عام».
ومن جانبه، قال رئيس «جمعية حماية المستهلك» عدنان دخاخني إنه «من خلال الارتفاع الحاد في الأسعار، فالمستهلك أصبح مضطراً للمقاطعة بشكل تلقائي، ومن هنا لابد من تدخل المؤسسات الحكومية لتخفيض أسعارها لتحل بدل التاجر».
عروض وهمية
ومع بداية شهر رمضان، وماتشهده الأسواق عادة من إقبال، بات المضطرون للشراء عرضة لعمليات نصب واحتيال قامت بها بعض «المولات» ومؤسسات التدخل الإيجابي، التي لعبت على وتر حاجة المواطنين لشراء مستلزمات شهر رمضان قبل بدئه، وأخذت بإخفاء أسعار السلع والغذائية، وإيهام الزبائن بأن هناك عروضاً عليها وعند الذهاب لدفع الفاتورة يتبيّن أنها أغلى من السوق.
في زيارة قامت بها «قاسيون» إلى أحد« المولات» في منطقة حاميش بدمشق، تبيّن قيام صالة بيع المواد الغذائية بشطب الأسعار عن المنتجات، ووضع لصاقات على بعضها على أنها تخضع لعروض خاصة وتخفيضات دون تحديد نسبتها، إلا أنه وعند التوجّه للصندوق لدفع الحساب، تبيّن بأنها أغلى من المحلات التجارية خارج «المول» ودون عروض خاصة.
الأمر لم يتوقف على تجار القطاع الخاص، بل وصلت معاناة المواطنين إلى آخر سبلهم وهي مؤسسات التدخل الايجابي العامة، فبعد أن أعلن مدير «فرع دمشق للمؤسسة العامة الاستهلاكية» فداء نظمي، في تصريح لأحد المواقع الالكترونية بأن «المؤسسة بصدد إنشاء معرض خاص بشهر رمضان في قبو مجمع الأمويين بمنطقة البرامكة لمدة 3 أيام قبل شهر رمضان بيومين وفي أول أيامه أيضاً، ليكون البيع بنسب منخفضة عن أسعار السوق تتراوح ما بين 30% إلى 40%»، شهدت المؤسسة إقبالاً كثيفاً في الموعد المحدد، إلا أنهم تفاجؤوا بأن الأسعار مشطوبة من على السلع، وعند دفع الحساب تبين أنها أغلى من السوق بعض الأحيان، عدا عن عدم توفر الكثير من المنتجات الهامة.
إيجابية مؤسسات التدخل على المحك
ولم يكن هذا الإعلان عن التخفيضات «الوهمية» مفهوماً بالنسبة للكثيرين الذين اضطروا للشراء من المؤسسة بعد قطع مسافات طويلة للوصول إليها.
وقال مدير عام «المؤسسة العامة الاستهلاكية» هاجم الديب لصحيفة «قاسيون» إنه «تم تأجيل موعد افتتاح معرض شهر رمضان في مجمع الأمويين بدمشق إلى اليوم الثاني من شهر رمضان، على أن يصبح المعرض لمدة أسبوع بدلاً من 3 أيام كما كان مقرراً» مؤكداً أن «نسبة الخصومات على أسعار السلع هي من 15 إلى 20% لا أكثر» نافياً بذلك تصريحات مدير «فرع دمشق للمؤسسة العامة الاستهلاكية» السابقة عن المعرض.
وعن عدم تسعير المنتجات داخل صالة الأمويين، قال الديب إن «الصالة كانت حينها في مرحلة التجهيز للمعرض والبضاعة غير مرتبة ولم تسعر بعد، علماً أنه يتم العمل بالفاتورة في كل الصالات الاستهلاكية، ويتم قطع الفاتورة لدى موظف منفصل قبل الذهاب للصندوق ودفعها، وعلى ذلك يمكن للمستهلك معرفة الأسعار قبل الدفع».
وتداول البعض في الفترة الأخيرة، أنباء عن قيام بعض صالات الاستهلاكية ببيع المواد الموجودة فيها بسعر الجملة للتجار، ما أدى لنقص المواد فيها، وعلى ذلك أوضح الديب بأن «المؤسسة العامة الاستهلاكية تعتبر تاجر جملة ومفرق، ومن مهامها البيع بأسعار مخفضة للتجار لينعكس ذلك على السعر النهائي في الأسواق، لكن هذه الفترة هناك توجيه وتعميم على كل الصالات بالامتناع عن البيع بالجملة، والاكتفاء بالبيع مفرقاً للمستهلكين وتلبية احتياجاتهم في كل الأوقات».
وفيما يخص عملية تسعير البضائع أوضح الديب، بأن «تحديد أسعار السلع في المؤسسة مرتبط بعملية تأمين المؤسسة للمنتجات، وهذه العملية لا تتم بشكل يومي».
أما مؤسسة الخزن والتسويق، والتي تندرج تحت مؤسسات التدخل الإيجابي والتابعة للقطاع العام، فلم تكن حالها بالأفضل بالنسبة لبعض المواطنين الذين اشتكوا من عدم توافر اللحوم وبعض المواد الغذائية الأخرى التي أعلنت عنها المؤسسة بأنها متوافرة في صالاتها وبأسعار أرخص من السوق بنسبة كبيرة.
ويبقى ارتفاع الأسعار الجنوني، قضية معلقة رغم وعود الحكومة المتواصلة لضبطها، وإعادتها إلى حدودها المقبولة بعيداً عن مطامع التجار، فالحصار الاقتصادي على البلاد، وخسارة الليرة جزء كبير من قيمتها جراء هذا الحصار، وتلاعب بعض التجار، سيبقى مستمراً باستمرار الحرب الدائرة في البلاد التي تضعف وسائل الرقابة والتدخل الإيجابي وتأمين سلع بدية بأسعار أقل.