بصراحة: بأي معنى تكون الحركة النقابية مستقلة؟
الأزمة الوطنية بكل تفاصيل تطوراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية مدار بحث ونقاش دائمين في المجالس والاجتماعات كافة
وهذا طبيعي وضروري من حيث الفرز وتبلور الرؤى والمواقف تجاه المخارج والحلول المطروحة من القوى السياسية والاجتماعية، ومنها الحركة النقابية السورية، التي تدور حوارات هامة داخلها، وتكشف عن مواقف ما تزال في طور التكون، والتبلور متجاوزة ما يطرح في الحركة النقابية.
الموقفان السائدان في الحركة:
الأول:يعتبر أن الحركة النقابية قامت بدورها في مواجهة السياسات الاقتصادية الليبرالية، وفي الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة على أرضية التحالف والتشارك مع الحكومة في صياغة القرارات الاقتصادية، وما يتعلق بحقوق العمال التي جرى عليها هجوم واسع من جهاز الدولة، و«رجال الأعمال»الذين أعطوا القلم الأخضر كناية عن تسهيل مصالحهم، بالوقت نفسه جرى التضييق على حرية الطبقة العاملة السورية في الدفاع عن حقوقها ومصلحتها، وخاصةً في استخدام حقها المشروع الذي كفله الدستور السوري، ولم تتبنّه قيادة الحركة النقابية إلى الآن كشكل من أشكال الدفاع عن المصالح، وهذا الموقف جذره المادة الثامنة القديمة سارية المفعول حتى الآن من الناحية العملية، وهي التي أسست لمبدء التشاركية مع الحكومات المتعاقبة، وبالتالي كبلت الحركة النقابية بقيود جعلت مبدأ استقلاليتها موضع نقاش، يجري الدفاع عنه بأن الحكومة والقيادة السياسية إلى جانبنا، تساعدنا في تحقيق ما نقدم لها من مطالب.
الثاني: لا يختلف كثيرا عن الرأي الأول في رؤيته لواقع الحركة النقابية ودورها المفترض أن تلعبه في الحياة السياسية والاقتصادية، مع العلم بأن وجود بعض التباينات أحياناً، لا يطرح تمايزاً بين الموقفين من حيث المبدأ كون قاعدة الانطلاق السياسية واحدة «التحالف» الذي يرى في الحركة النقابية جزءاً منه مما جعل قسمة الكعكة النقابية بين أطراف التحالف أمراً واقعاً، عكس نفسه لاحقاً على مجمل النضال العمالي في القطاع العام، والخاص الذي هو خارج التغطية النقابية بأغلبيته الساحقة مما جعل مبداْ المساومة مع أرباب العمل هو الناظم للموقف النقابي تجاه حقوق عمال القطاع الخاص بدليل أن أرباب العمل استطاعوا عبر نفوذهم السياسي والاقتصادي إقرار قانون عمل أدى إلى اغتصاب حقوق العمال وتشريدهم، ودفعهم إلى مواقع ساهمت في أن يكونوا حطباً في نار الأزمة الوطنية، وبالرغم من هذا الواقع، يجري تسويق المنطق الإصلاحي في الحركة النقابية من أجل حقوق العمال كما هو جار في نقاش قانون العمل رقم«17»والقانون الأساسي للعاملين.
إن الحركة النقابية السورية حالها كحال القوى السياسية، التي أصابها ما أصابها من أمراض في ظل المادة الثامنة القديمة والفضاء السياسي القديم، معرضة لمزيد من الترهّل وغياب الدور في حال عدم استجابتها لشروط التطور في الرؤية والأدوات القادرة على تعزيز وحدتها، واستقلاليتها، ودورها من أجل الدفاع عن الوطن، وعمن تمثل.