خطف وقح شبه علني!
الخبر المعلن من قبل وزارة الداخلية اليوم والمتضمن إلقائها القبض على عدد من الأشخاص، بجريمة خطف طفل حديث الولادة من مشفى الزهراوي بدمشق، وعلى رأسهم كانت الخاطفة التي دخلت المشفى وادعت بأنها طبيبة، لا شك بأنه خطير بمضمونه.
فعلى الرغم من أن القضية لم تستغرق لكشفها إلا أقل من 24 ساعة على أثر البلاغ الذي تقدمت به المشفى، حسب ما أعلنته وزارة الداخلية، وهو جهد يشكر للقائمين على العملية، إلا أن الخطورة بالموضوع هو ما وصلت إليه درجة الوقاحة والجرأة لدى الخاطفة، ومن خلفها من بقية أفراد العصابة، بدخولها المشفى مدعية بأنها طبيبة من أجل تسهيل عملية الخطف تلك، بحيث استطاعت تخطي ما يمكن أن يكون بعض الاجراءات الاحترازية على الأطفال حديثي الولادة، وخروجها بالطفل من المشفى على مرأى ومشاهدة الكثير ربما، وهي مطمئنة.
فعمليات الخطف عادة ما تقوم بها العصابات في الشوارع، وفي الحارات الفرعية، أو عبر استقطاب الأطفال أثناء خروجهم من المدارس عبر أساليب الترغيب، وغيرها من الطرق والوسائل التي سمعنا عنها أو تم كشفها، أما أن تجري عملية الخطف من داخل المشفى بهذا الأسلوب ولطفل حديث الولادة، فهذا يدل على تغيير ببعض آليات عمل هذه العصابات والشريحة المستهدفة من قبلهم.
فمن مشفى الزهراوي لا يمكن أن نتوقع أن الغاية من الخطف هي الفدية، حيث أن غالبية رواد هذه المشفى هم من الشرائح الاجتماعية المفقرة والمعوزة، وبالتالي ربما تطرح الكثير من التساؤلات عن غايات الخطف وأهدافه، اعتباراً من الاتجار بالبشر وصولاً للإتجار بالأعضاء.
وبغض النظر عن تلك الغايات والأهداف، والتي لابد أن تصل إليها التحقيقات، لعل ما يهمنا بالموضوع هو ما آلت إليه حال البلد من التفلت بحيث يخطط لعملية من هذا النوع وتنجح بالتنفيذ، ولولا المتابعة من قبل عناصر وزارة الداخلية ربما كانت تحققت الغاية النهائية.
مع التأكيد بأن مثل هذه العصابات لا تعمل بشكل منفرد، فهي من كل بد لها ارتباطاتها وتشابكاتها الداخلية والخارجية، باعتبار أن التجارات السوداء الفاشية متكاملة وليست مجزأة (الاتجار بالبشر والأعضاء وتجارة المخدرات والممنوعات وتجارة الأسلحة والتهريب والدعارة وغيرها الكثير من أوجه تلك الممارسات ذات الطابع الجرمي عابر الحدود)، كما ويقف خلفها ويدعمها ويغطي على موبقاتها الاجرامية الكثير من القوى، أفراد ومنظمات ودول، باعتبارها مصدر هام للثروة والأرباح غير المشروعة.
ولعلنا لا نجافي الحقيقة بالقول بأن عصابات الخطف، كما غيرها من العصابات الأخرى، نشطت خلال سنين الحرب والأزمة، ليس بسبب ضعف الرقابة وتفلت الحدود وانتشار السلاح فقط، بل ربما ما عززها أكثر هو السلبيات الكبيرة الناجمة عن سياسات الافقار والتهميش والتجهيل، وتعميمها وتعميقها.
ولا شك بأن من جملة ما يجب اتخاذه من خطوات، من أجل الحد من مخاطر هذه العصابات وإجرامها ونتائجه السلبية على كافة المستويات، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة لموضوعة تشديد الرقابة والمتابعة والمحاسبة، هو الكف عن تلك السياسات الرسمية المتبعة المولدة للفقر والجهل والتهميش.
فأين الحكومة من ذلك؟