آداب حلب.. والحالُ الَّتي تشغلُ البال
دائماً ننتظر.. من؟ ولم؟ لا نعلم.. ونقول: بكرة أحلى. ونستيقظ في الصباح دون أن نعلم ما الذي ينتظرنا اليوم ..
في كلية الآداب بحلب هناك ما يجعلك تسأل بخوف عن الحاضر والمستقبل..
نبدأ من المواصلات، فقد تم استبدال السرفيس بالباص.. وحين يأتي هذا الباص لا يمكن للكثيرين الركوب.. لا بالدفش ولا بالرفس لا بالوقوف ولا بالجلوس. فهو دائماً يعج بالعشرات القابضين بالمسكات البلاستكية العالية ذات الخيط الملون بلون الغيرة.
يستغرق الباص وقتاً حتى يصل إلى الكلية ساعة على الأقل والركاب معظمهم وقوف مع العلم أنهم كانوا يصلون في أقل من نصف ساعة.. هذه تجربتنا المتكررة.
نركب الباص لنقف على الحقيقة.. نراه يعج بالوجوه الباسمة التي تقع على الأرض مع كل ضربة فرام. على الموقف بالكاد انطبق الباب علينا، وتوقف على الموقف التالي، وازداد الحشد، لكن بعض الركاب سرعان ما ينزلون دون أن يستطيعوا إكمال الطريق بسبب نقص الأوكسجين.. تتأفف الفتيات الجامعيات، وصوت السائق ادخلوا لجوا يا شباب (ادخلوا ويللي ما عجبو ينزل).. وطبعاً هناك من لا يعجبه فينزل. .ويكمل المشوار سيراً على الأقدام إلى الآداب.
في الكلية.. القاعات التي في الطابق الأول (ق- 8-9-10) تغرق عادة في الشتاء لطلتها على الخارج وشبابيكها المفتوحة صيفاً وشتاءً وعدم وجود شبكة تصريف للمياه في القاعة.. البهو السفلي والمدرجات مليئة بأعقاب السجائر وكل أنواع الفضلات بسبب ضحالة سلل النظافة و قلة عمال التنظيفات..
أما دورات المياه، فلا أريد أن أصفها لأنها لن توصف بالكلام، ولا أريد أن أصورها حرصاً عليكم من الكوليرا..
أما لوحات الإعلانات التي تعلق فيها النتائج الامتحانية العنيفة، فإنها لا تكفي لنتائج طلاب سنة واحدة للقسم الواحد على الرغم من أن النتائج لكثر تأخرها في الصدور يكاد ينسى الطالب في أي سنة كان .
أما برنامج الدوام فمؤلم لكثرة الفراغات فيه، فالمحاضرة الأولى تبدأ في الساعة الثامنة صباحاً، ثم الكثير من الفراغ والملل وضياع الوقت حتى المحاضرة التالية في الرابعة.. إذا عدت إلى البيت سوف تخسر كرامتك في الباص وتقلص جيبتك، أما إذا لم تفعل فسوف تعود في السادسة حافلاً بالتعب والجوع.
ولهذه اللحظة لم يتم الكشف عن السر العجيب الذي يسمى ببرنامج الامتحان، رغم أنه لم يبق لموعده سوى 20 يوماً. فتصوروا!!
في ساحة الكلية، لن تسلم من الأطفال الذين نسيهم القدر: «بس خمسة الله ينجحك ويخلي ليلك ياها».. ووصل بهم الحال لدرجة أنهم سحبوا حقيبة إحدى الطالبات وركضوا بها طامعين بالقليل الذي قد تضمه..
في داخل الكلية غير المقاعد الدراسية لن تجد أي كرسي في الممرات على الرغم من وجودها في السنة الماضية..
في المقصف، الأسعار غالية، والأغاني الهابطة عالية، ونصف الجالسين لا علاقة لهم بأي جامعة من جامعات الوطن..
أما إلى جانب المقصف بقليل سوف تفاجأ جدا بالحشد الهائل غير المتوقع.. فهناك شباك دفع الرسوم، وما أدراك ما شباك دفع الرسوم؟ فتلك مسألة عويصة جداً.. طابوران طويلان جداً، إناث وذكور، والموظف واحد، والشباك واحد مكتوب عليه (9-12.30 الرجاء التقيد بالنظام).. لكن بعد أن تقف لمدة ثلاث ساعات تسمع: «يا شباب خلصوا الوصولة.. الله معكم».
إذاً، لكلية الآداب في جامعة حلب، لكل الطلاب، لكافة الاختصاصات، موظف واحد لدفع الرسوم!.
سألت أحد الطلاب: منذ متى تقف؟ قال: إنني أسكن في الريف. اضطررت أن أتقاسم السرير في المدينة الجامعية مع أحد أصدقائي لكي لا أتأخر .... في الساعة السابعة كان العدد يتجاوز 30 طالباً، فتصور حتى يفتح الشباك في التاسعة كم سيكون العدد؟ تصور أن يكون سقف حلمك دفع رسومك السنوية في كلية الآداب في جامعة حلب، فكم سيكون طموحك كبيراً وآمالك رائعة، وأهدافك بعيدة وبعيدة المنال؟! هم تسائلوا من المسؤول؟ وأنا بدوري أتساءل من المسؤول؟..
هل هناك أصلاً آذان مسؤولة مازال بإمكانها الإصغاء؟