تحالف الاستغلال والتجويع!
بعد الأرقام القياسية التي وصل اليها سعر البطاطا في السوق المحلية، خلال الأشهر الأخيرة، والتي وصل سعر الكغ الواحد منها إلى 600 ليرة في بعض الأسواق، والأرباح التي حققها التجار والسماسرة على حساب معيشة المواطنين واحتياجاتهم، تدخل البندورة إلى حيز المنافسة بالسعر القياسي في الأسواق حالياً، وبقوة.
التجار والسماسرة استمرؤوا حال الفلتان الحقيقي في السوق، كما استمرؤوا استغلال جيوب المواطنين ومعيشتهم، عبر تمكنهم من السوق، والتحكم المطرد بآليات العرض والطلب، على السلع والمواد كافة، بما يحقق أعلى هامش ربح ممكن، ليس على حساب الكم المعروض فقط، بل على حساب النوع، ناحية المواصفة والجودة كذلك الأمر.
فقد وصل سعر الكغ من البندورة إلى 600 ليرة في بعض الأسواق بدمشق، ووصل إلى 900 ليرة في محافظة الحسكة، مع الكثير من العنجهية في السعر المفروض، علماً بأن النوعية ليست من النخب الممتاز أو الأول، بل ربما من النخب الثاني والثالث أحياناً.
ادعاءات ومسوغات غير مقنعة!
وعلى الرغم من الادعاءات المكرورة كلها من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، سواء على مستوى الرقابة على الأسعار والمواصفة والجودة، أو على مستوى تأمين هذه المادة بأسعار منافسة، عبر منافذ السورية للتجارة، إلّا أنّ ذلك لم يكن أكثر من ذر للرماد في العيون، كما درجت العادة، وحال البندورة اليوم يذكرنا بحال البطاطا بالأمس القريب، حيث لم تتمكن لا الوزارة بأجهزتها الرقابية، ولا السورية للتجارة بمنافذها الكثيرة، من كسر سعر المادة بالسوق، رغم الادعاءات كلها بعكس ذلك، ورغم الكميات كلها التي تمت مصادرتها في حينه، أو التي تم استيرادها باسم السورية للتجارة.
كما أن الحديث والمبررات التي يسوقها البعض عن أجور النقل والترفيق والحواجز، والواقع الأمني والعسكري والحرب والأزمة، وغيرها، لم تعد كافيةً، كما لم تعد تنطلي على المواطنين، خاصةً مع فقدان ذريعة الدولار وسعر الصرف، باعتبار المادة من الإنتاج المحلي أولاً، والاستقرار النسبي في سعر الصرف ثانياً، حيث بات السعر شبه موحد في الكثير من المحافظات، اعتباراً من اللاذقية وطرطوس، باعتبارهما المصدر الحالي للبندورة من إنتاج البيوت البلاستيكية المحلية، مروراً بالمنطقة الوسطى، وصولاً لدمشق، حيث وصل وسطي السعر في هذه المحافظات إلى 500 ليرة للكغ الواحد.
وأيضاً مع تكرار المقولات التسويفية نفسها حول أن السعر سينخفض مع البدء بتوريد البندورة البلدية خلال شهر حزيران، الأمر الذي لم يلمس المواطن إيجابيته في موسم البطاطا، والوعود حول تخفيض سعرها خلال شهر نيسان، مع بدء موسم الإنتاج المحلي، حيث ما زالت مرتفعة السعر، بحدود 350 ليرةً، حتى الآن.
الفول والبازلاء إلى الارتفاع أيضاً!
مؤشر آخر على هذا النمط من التحكم المتزايد للمواد والسلع، سعراً ومواصفةً وكماً، وخاصةً الغذائية منها، لمسه السوريون أيضاً على مادتي الفول والبازلاء، حيث ارتفعت أسعار هاتين المادتين بدلاً من أن تنخفض، فقد كان سعر الفول بحدود 150 بأول الموسم، ومع اقتراب موعد المونة، ارتفع سعره ليصل إلى 225 ليرةً وأكثر، بدلاً من أن ينخفض، كما جرت عليه العادة كل موسم، كذلك كان حال البازلاء، حيث ارتفع سعرها مع موعد المونة السنوية، في تثبيت للدور المتعمق على مستوى التحكم بأسعار المواد الغذائية من قبل حفنة من كبار التجار والسماسرة، وكأن هناك نهجاً متبعاً غايته تجويع الناس، وعلى عين من يدعي أنه من أولي الأمر، ويعمل لمصلحة المستهلكين!.
سيطرة وتحكم الكبار!
حال السوق في الواقع العملي يشير إلى أن كبار التجار والسماسرة، هم المتحكمون أولاً وآخراً باحتياجات المواطنين الاستهلاكية عموماً، والضرورية للمعيشة اليومية خصوصاً، كماً وسعراً ومواصفةً، بل أكثر من ذلك، وكأن لسان حال هؤلاء الحيتان يثبت بأنهم تجاوزوا موضوع التحدي مع الوزارة والمؤسسة المعنية ودورهما المفترض، بل والحكومة برمتها بتوجهاتها، المعلنة كلاماً، حول حرصها على مصلحة المواطنين، بما فيهم المنتجين للخيرات المادية، وخاصةً الحديث عن دعم للفلاحين والمزارعين، اعتباراً من البذار مروراً بالمحروقات والري وليس انتهاءً بالأسمدة والمبيدات، وصولاً لتسويق المحاصيل وغيرها، في استغلال واضح ومفضوح، بل ومغلف بالوقاحة بأبشع صورها، للمواطنين عموماً، منتجين ومستهلكين، مستنزفين لآخر قطعة نقود في الجيوب، الفارغة أصلاً، ومستهلكين لآخر قطرة حياة عند فقراء الحال والمعدمين، ضاربين بعرض الحائط، ليس القوانين والكلام المعسول والوعود الخلبية فقط، بل بأفق الحياة نفسها، وبكل فجور.
مؤكدين كنتيجة، بأنهم عبر هذه الأنماط من الممارسات والأدوار التحكمية في السوق، لم يكونوا إلا نتاجاً لمجمل السياسات الاقتصادية الليبرالية التي عملت لمصلحتهم طيلة العقود الماضية، مكشرين عن أنيابهم، التي نمت وترعرعت بظروف الحرب والأزمة، وفي ظل هذه السياسات، وبحمايتها، وحماية ودعم القائمين عليها من بعض الفاسدين في مواقع القرار، في شراكة مفضوحة على حساب المواطن والوطن.
ولعل معرفة أن تكلفة الكغ من البندورة بالبيوت البلاستيكية بين 100 و 125 ليرةً على المزارع، وبهذا السعر نفسه يتم استجرارها من الفلاحين من قبل التجار والسماسرة، وإلا فمصيرها التلف، في حين تباع في الأسواق بالأسعار الفلكية أعلاه، توضح الصورة بشكل أفضل، كما توضح مقدار الاستغلال الذي يطال كلاً من الفلاحين والمستهلكين سواءً بسواء.
شراكة قذرة وصراع سيحتدم!
القضية في النتيجة ليست بندورة الآن، وبطاطا سابقاً، وخيار لاحقاً، أو فول وبازلاء وثوم، وغيرها من السلع الأخرى، بموعد التموّن والمونة، بل هي قضية هذه السياسات الممالئة لأصحاب الثروات والجشعين، من كبار التجار والسماسرة والمستوردين، والشراكة القذرة مع الفساد، والاستغلال المتزايد يوماً بعد آخر من أجل جني المزيد من الأرباح في جيوب هؤلاء، على حساب المواطن ومعيشته وقوت يومه وصحته ومستقبله، سواء كان عاملاً أو فلاحاً ومزارعاً، أو أي منتجٍ للخيرات المادية، ولكل المستهلكين من عموم المواطنين، بشرائحهم كافةً بالنتيجة.
والخلاصة: إن الإفقار يتزايد، كما يتزايد العوز والجوع، جراء مجمل السياسات الاقتصادية الليبرالية المتبعة، وخاصةً على مستوى الدخول وتدني القيمة الشرائية لليرة، والتناقض الصارخ بين الدخول والأسعار، وفسح المجال أمام أصحاب الأرباح ليزيدوا ثراءً على حساب المواطنين، ليغدو الصراع مع الليبرالية كتوجُّهٍ اقتصادي اجتماعي، عبر السياسات المقرة والمتبعة، ومن تمثل ولمصلحة من، هو صراعُ بقاءٍ بالنسبة للغالبية العظمى من المسحوقين والمفقرّين والجياع من أبناء الوطن، وهو صراع قائم وسيحتدم مع قادم الأيام، من كل بد، وخاصةً بعد الخروج المتتالي للعديد من السلع الغذائية من حيز الاستهلاك اليومي على الموائد، اعتباراً من اللحوم، مروراً بالفواكه، وانتهاءً بالخضار، والمصير المحتوم بالجوع الذي طال الغالبية العظمى من السوريين.
وبعد ذلك كله هناك من قد يستغرب مقولة «الجوع كافر» وإمكانات ترجمتها المختلفة على أرض الواقع عملياً!