في سابقة: الفواكه أرخص من الخضار.. وصحن السلطة مهدد!
لعبة الأسعار التي تشهدها الأسواق السورية، أفرزت ظواهر غريبة، وبدلت وألغت عادات وتقاليد كان متعارف عليها سابقاً، نظراً للحال الاقتصادي السيء والدخل الشهري الشحيح للمواطنين.
وفي ظاهرة جديدة لمسها المواطنون، أصبح سعر بعض أصناف الفواكه أقل سعراً من الخضار، التي كانت مشهورة بثمنها الرخيص سابقاً. فقد بات شراء كيلو الموز، على سبيل المثال، الذي وصل سعره مؤخراً إلى 300 ليرة سورية، أسهل من شراء كيلو الفاصولياء الخضراء لزوم الطهي، الذي وصل سعرها إلى 1000 ليرة سورية.
مقارنة .. وصدمة
أيضاً، وصل سعر كيلو الكرمنتنيا إلى 80 ليرة سورية، بينما بقي سعر كيلو البندورة يراوح حول الـ300 ليرة سورية، إضافة إلى ذلك، سجل سعر كيلو البرتقال مابين 100 و200 ليرة بحسب تدرج النوعية، بينما بقي سعر كيلو البطاطا المالحة فوق ال200 ليرة، وقد يصل بعض الأيام إلى 300 ليرة.
وقد تطول المقارنة حتى تصل إلى الصدمة التي تلقاها السوريون مؤخراً، في سعر كيلو الكوسا الذي وصل إلى حوالي 1000 ليرة سورية للنوعية الممتازة، وتدرج بالسعر انخفاضاً حتى 500 ليرة للنوعية أقل من المتوسطة، مايعتبر سعراً مرتفعاً وغير مسبوق لهذه المادة.
ولا يعني ارتفاع سعر الكوسا المفاجئ أنه الصدمة الوحيدة التي تلقاها المواطنون من ناحية أسعار الخضار، فقد سبقها منذ فترة البطاطا التي وصل سعرها إلى 300 ليرة مع البندورة والخيار، وكأن سعر الـ300 ليرة هو سعر موحد للخضراوات، لكن ارتفاع سعر الكوسا إلى هذا الحد غير المبرر، وأن تشهد السوق ولأول مرة نوعية جديدة من الكوسا المستوردة بسعر منخفض، بدأ يثير الشكوك.
كوسا افرنجية تثير الشكوك
وقد انتشرت في الأسواق السورية، نوعية غريبة من الكوسا، أطلق عليها الباعة اسم «كوسا افرنجية»، وهي شبيهة قليلاً بالكوسا الوطنية، لكنها أضخم وذات وبر على سطحها الخارجي المائل لونه إلى الصفرة.
ورغم نفي اتحاد غرف الزراعة السورية علاقة ارتفاع سعر الكوسا الوطنية وظهور هذا النوع من الكوسا الغريب، إلا أن ظهوره كان مفاجئاً، متزامناً من ارتفاع سعر الكوسا الوطنية.
الموطن الأصلي لهذا النوع من الكوسا، في المكسيك أو أمريكا الوسطى، حيث تنمو برياً، ثمارها إجاصية الشكل ولونها خضراء غامقة أو فاتحة أو صفراء، وعليها أشواك ناعمة، تزهر النبتة بعد خمسة أشهر من زراعتها، وتنضج الثمار بعد شهر ونصف الشهر من التلقيح، وتنمو في الغابات الدائمة الخضرة والقريبة من الجداول والأنهار، وتحتاج في نموها لمناخ دافئ ورطب.
موائد مختصرة
ظهور الكوسا الإفرنجية، لم يشكل حلاً بالنسبة للكثير من السوريين، الذين ألغوا هذه الثمرة من مائدتهم، كما ألغوا الفاصولياء الخضراء، واللحوم سابقاً.
ويقول فراس، رب عائلة مؤلفة من 6 أشخاص، «ألغينا اللحوم سابقاً، ومؤخراً قمنا باختصار طهي الأطباق التي تحتاج ثمار البندورة الطازجة، التي وصل سعرها إلى 300 ليرة للكيلو الواحد، وأيضاً باتت البطاطا المقلية شبه نادرة في المنزل، وحالياً أنا مستعد لإلغاء الكوسا من قائمة الطعام حتى الصيف المقبل».
وأردف «اعتدنا على ذلك، لكن السؤال المطروح، ماهو مصير محصول الكوسا الذي زرع في البيوت البلاستيكية، بعد أن أصبح سعر الكيلو حوالي 1000 ليرة، وعزف عنها أغلب السوريين؟ هل سيتلف؟!».
بدورها أم سليمان، ربة منزل مؤلف من 4 أفراد، اشتكت من ارتفاع أسعار الخضار الكبير، قائلة إن «الاعتماد على الخضار شبه يومي، لكن أسعارها المرتفعة جعلت الاعتماد عليها نادراً، لم نعد قادرين على إعداد صحن السلطة أو التبولة إلا في المناسبات، فقد باتت تكلفة الصحن لـ4 أفراد أكثر من 1000 ليرة».
وتابعت «هذه المرة الأولى التي تصل بها أسعار الخضروات إلى هذا الحد، فهل من المعقول أن يصبح صحن الفواكه أرخص من صحن السلطة؟! هذا غير معقول!».
لعبة تجار
بدورها أم حسان، موظفة وربة منزل، قالت إن «القضية لاتخلوا من لعبة مشبوهة لتجار سوق الهال، فهم بالنهاية تجار وهمهم الربح، وهم يعلمون تماماً حجم الاقبال على مادة معينة وحجم الاضطرار إليها، فيقومون برفع سعرها حتى تبقى قابلة للبيع».
وأردفت «أعني أن البندورة والخيار والكوسا، حالياً يزرعون في البيوت البلاستيكية، ويحتاجون لظروف جوية صيفية معينة، مايتطلب كميات كبيرة من المحروقات، لكن كيف يثبت سعر البندورة والخيار بحوالي 300 ليرة سورية، ويتم رفع سعر كيلو الكوسا والفاصولياء إلى 1000 ليرة سورية؟، وكيف تظهر الكوسا الإفرنجية غير القابلة للأكل برأيي، بالتزامن مع ارتفاع سعر الكوسا المحلية؟».
يعلق مهند، وهو شاب متزوج حديثاً، «لعبة التجار واضحة جداً في قضية أسعار الخضار والفواكه، فالعام الماضي صدمنا بسعر الموز الذي وصل الـ1000 ليرة أيضاً، لكنه حالياً يباع بـ300 ليرة سورية، فقد نشهد لاحقاً سعر الكوسا بـ100 ليرة والخيار مثلاً بـ1000، فهي ألاعيب متفق عليها بين تجار سوق الهال وبعض المستوردين والمسؤولين لتمرير مايريدون من منتجات».
وتابع «لايملك المواطن السوري أي قدرة على التمييز إن كانت هذه الثمار منتجة محلياً أم مستوردة، لكن الجميع لاحظوا لون البندورة الغريب هذا العام على سبيل المثال!».
لماذا الكوسا؟
مدير اتحاد غرف الزراعة بدمشق محمد كشتو وجد مبرراً لكل ذلك، لكنه لم يكن مقنعهاً وفقاً للعديد من المواطنين، فقد رأى من وجهة نظره عبر تصريحات صحفية، أن سعر الكوسا على سبيل المثال «طبيعي»، فهو مرتفع بالنسبة للدخل لكنه غير مرتفع بالنسبة لتكاليف زراعة هذه الثمرة الصيفية في الشتاء.
يعلم كشتو تماماً أن زراعة هذه الخضار في الشتاء ليس مبرراً مقنعاً لارتفاع السعر إلى هذا الحد، فهي لم تزرع للمرة الأولى شتاءً، وكذا الأمر، هناك ثمار مثلها تزرع شتاءً وهي صيفية ومازال سعرها أرخص لكنها مرتفعة مقارنة بالدخل.
وتابع «عموما لو قارنا القوة الشرائية لليرة السورية نرى التضخم الحاصل بأسعار الخضار قريباً من سعر الصرف، ودائما السلع خارج موسمها تكون أغلى لوجود تكلفة عالية مقارنة بإمكانات أصحاب الدخل المحدود».
لكنه عاد ليناقض حديثه مرة أخرى، ليؤكد عدم استيراد سورية للخضار، واعتمادها على الإنتاج المحلي، فكيف يرتبط سعرها بسعر الصرف؟!
حتى أن كشتو ، نفى استيراد أنواع جديدة من الكوسا، رغم وجود هذه الثمرة في الأسواق، قائلا «لا أملك معلومات .. قد تكون مهربة، لكن ليس لها ضرر على السوق، كون الكوسا ليست سلعة استهلاكية بشكل كبير».
أزمة يخلقها التجار
لاشك أن تجار الجملة والمفرق ساهموا ويساهمون في خلق الأزمة، والمعاناة اليومية للمواطنين، في ظل الارتفاع غير المسبوق للأسعار، والحجة دائماً موجودة لديهم؛ ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، وارتفاع أجور النقل، وكأن هذه القضية طارئة.
سوق الهال يحذر
وكان تحذير رئيس لجنة أسواق الهال في دمشق، رامز السمان، من احتمال ندرة الخضار والفواكه العام القادم، بداية وكأنها مدروسة لرفع الأسعار وفقاً لتبريرات مسبقة، مطالباً «بإيجاد منفذ بري أو معبر جمركي لإدخال الخضار والفواكه إلى سورية».
وتوقع السمان مؤخراً أن تعاني «الأسواق من مشكلة ندرة المواد والسلع، قائلاً «نحن في أواخر مواسم الكثير من المنتجات الزراعية المحلية، مثل البندورة والبطاطا والخيار والكوسا والباذنجان، والتي يتم استيرادها عادة من مصر والأردن في مثل هذه الأيام، التي تمثل نهاية مواسمها المحلية، عندما كانت الطرق والمنافذ الجمركية البرية مفتوحة، حيث تبدأ عمليات استيراد البندورة والخيار والبطاطا في منتصف كانون الأول من كل عام».