قرارات حكومية لضبط السوق السوداء.. ضريبة ارتفاع الأسعار يدفعها المواطن
تحولت السوق المحلية إلى مُكَوّن هش القوام، قابل للتأثر بشكل سريع بكافة الإجراءات والقرارات كافة، مهما كانت تلك القرارات تتطلب وقتاً قبل أن تظهر آثارها الحقيقية إلى العلن، فأصبحت السوق بتجارها تستبق الأحداث، لتحوّل مباشرة نتائج أي قرار بما يخدم مصالحها مستفيدة من استمرار الحكومة سن تشريعات قاصرة عن معالجة شمولية للوضع الاقتصادي
«المركزي» وجد طريقة لضبط «السوداء»!!
قرار المصرف المركزي الأخير الذي أريد له ضبط الاستيراد الذي قضى بتقليص تمويل المستوردات، ورفع سعر دولار تمويل إجازات الاستيراد من 357 ليرة إلى 387 ليرة، وتقنين منح إجازات الاستيراد من الحكومة بهدف تخفيض نشاط السوق السوداء، أطلق شرارة ارتفاع جديدة للأسعار حيث رفع التجار الوسطاء والنهائيين قيمة البضائع من تلقاء أنفسهم. وهنا يتجلى بشكل واضح مدى هشاشة السياسة الاقتصادية التي وفيما لو ضغطت من جانب (السياسة النقدية في هذه الحالة) تترك باقي الجوانب محررة من القيود فقد كان على مثل هذا القرار أن يستتبع بقرار لضبط الأسعار يكون ملزماً للتجار ويمنعهم من التذرع بتقنين تمويل المستوردات لرفع أسعارهم.
وعلى ذلك بدأت آثار قرار رفع سعر دولار التمويل بالظهور بداية مع السلع الأساسية من السكر والرز والطحين، خاصة مع توفر ظروف مناسبة باستغلال توقف توزيع المقنن من السكر والرز عبر مؤسسات التدخل الإيجابي الحكومية لمدة قاربت العام، واضطرار المواطنين لتغطية حاجتهم من المادتين عبر شرائها بالسعر الحر.
مواطنون: عيشتنا ذل.. والقرارات الحكومية تضر بنا
اشتكى مواطنون من سياسات الحكومة، واصفين إياها بـ«المضرة» بمصلحة السوريين، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية للمواطن على مدى خمس سنوات، بشكل متزامن مع إصدار قرارات رفعت أسعار الخدمات والمنتجات، سواء مباشرة أو بشكل غير مباشر، دون تأمين سبل وأساليب ترمم نقص الحاجات لدى الأسرة السورية، مع الغلاء الفاحش.
يقول أيمن وهو موظف في قطاع مشترك، إن «قرارات الحكومة لم تكن لصالح المواطن على الإطلاق، ولسنا موافقين عليها».
وتابع أيمن (28 عاماً)، «القرارات كلها لا تتم دراستها بما يكفي، والدليل انعكاسها السلبي على قدرة المواطن الشرائية، وعدم اتخاذ إجراءات لضبط سعر صرف الدولار».
من جهتها قالت هالة (26 عاماً/ موظفة في القطاع الخاص) إن «معيشة المواطنين تتأثر سلباً بقرارات الحكومة، والأسعار مستمرة بالارتفاع، دون أية زيادة مدروسة للرواتب، وحتى الزيادات السابقة لم تطل سوى القطاع العام، ماذا عن القطاع الخاص؟؟».
وأشارت هالة إلى أنه عند مقارنة دخل الموظف حتى لدى القطاع العام، مع مستويات الأسعار في السوق، نجد حتماً أن المواطن مظلوم ويعيش بأعجوبة.
ووصف أمجد (طالب في كلية الاقتصاد) المعيشة بـ«المذلة»، في ظل هذه الظروف، والسياسات التي تتبعها الحكومة في تأمين مواردها، باعتماد جيب المواطن كمنبع لها..!
وأضاف أمجد إن «قرارات رفع الأسعار لم تترافق بتوفير الخدمات مثلاً أو السلع بجودة عالية، وخاصة الكهرباء والمياه والسكر والخبز والمازوت، ما يجعلنا نشعر أننا ندفع ثمنها دون أن نحصل عليها أو نستفيد منها».
«حقيقة مو إشاعة»..
3 مستوردين فقط للسكر..!
السياسات الحكومية المحابية للتجار لم تدفعهم فقط لرفع سعر مستورداتهم مباشرة بعد القرار بل يجاهر التجار باستمرار بما يمكن اعتباره إخلالاً بأساسيات الاقتصاد، فينبري أحد أعضاء غرفة تجارة دمشق مبرراً احتكار التجار لاستيراد السكر بالقول:
«وجود ثلاثة مستوردين فقط لمادة السكر، أمر سابق للأزمة، وفرضته طبيعة استيراد هذه المادة، إذ يتم استيراد بواخر منها حصراً، وبالتالي فإن تفاوت الحالة المادية للتجار السوريين، دفع باتجاه حصر العملية بعدد محدود من التجار»، وذلك في محاولة منه لتبرير حصر وكالات الاستيراد بتجار محددين لديهم الملاءة المالية الكافية لتمويل استيراد كميات ضخمة تعادل بواخر كاملة وليس كميات محدودة، وسط عدم قدرة المستوردين الأصغر للكميات الأقل على المنافسة!.
والجدير ذكره أن القطاع الخاص يستورد السكر من البرازيل، والتي تورد أيضاً الرز، كما يُستورد الأخير من مصر وتايلند والهند، أما الطحين فهو من أوكرانيا بالدرجة الأولى!.
أما عن خط الائتمان الإيراني، فهو مخصص للحكومة، حيث تعمل مؤسسة التجارة الخارجية على الاستيراد عبره، ليباع ما تستورده من سلع عبر مؤسسات التدخل الإيجابي حصراً، والتي لا تزال قاصرة عن مواجهة واردات القطاع الخاص وتحكمهم بأسعار السوق.
الارتفاعات بالأرقام
وكان سعر كيلو السكر في شهر أيار الماضي، يتراوح بين 150-160 ليرة سورية، ومع التقدم في العام 2015 وصل سعره في أيلول إلى 200 ليرة سورية، مع غياب توزيع المقنن منه عبر مؤسسات الدولة، في حين كان يباع بـ115 وسطياً في 2014.
ويتراوح سعر كيلو الرز القصير في دمشق حالياً بين 350-390 ليرة، حيث لامس حاجز الـ350 لأول مرة في تشرين الثاني الماضي، بعد أن كان في 2014 يباع بـ125 ليرة.
أما صناع الحلويات فقد برروا رفع أسعارهم في نهاية العام 2015، بارتفاع تكاليف المواد الأولية لصناعة الحلويات، ومنها مادة الطحين التي وصل سعر الكيلو منها إلى 170 ليرة سورية.
ومن جانبهم، بدأ مستوردو مادة البن بالتمهيد لرفع الأسعار فتوقعوا ارتفاعاً في أسعار البن، الأسبوع القادم، علماً بأن أسعار البن تختلف حسب مصدره ومقدار الهيل فيه، ويتراوح سعر الكيلو بين 1750 وصولاً إلى 4000 ليرة سورية، للأنواع الفاخرة.
ويتخوف الكثيرون من أن ارتفاع أسعار مواد أولية مثل السكر والطحين، سيؤثر على أسعار المنتجات التي تدخل في صناعتها لاحقاً، وخاصة الخبز السياحي، الذي تباع الربطة منه بسعر 225 ليرة، والحلويات التي وصل سعر الكيلو منها إلى 9 آلاف ليرة في آخر موسم للأعياد، فضلاً عن تأثر بقية المنتجات المرتبطة بهاتين المادتين مثل المعجنات والبسكويت وغيرها.