سياسة الحانوتي
في عقل حكوماتنا مسٌ لا يداويه طبيب، ولا يفهمه فيلسوف، ولا محلل قادر على قراءة ما يدور في أروقتها العرجاء، ولكن من المؤكد أنها تفكر كحانوتي يدير رفوفه الفارغة بلهفة وتسرع.
لا يمكن فهم هذه التخفيضات والزيادات المفاجئة بواقع 5 ليرات على سعر المازوت والبنزين بشكل مفاجئ ومن دون مقدمات منطقية بعد أن تتعهد بإيصال وقود التدفئة لبيوت السوريين هذا العام على دفعتين بحصة تساوي 200 لتر لكل مواطن، ومن ثم عندما يحين وقتها تبدأ برفعها 5 ليرات ومن ثم كما حصل في السنة الماضية ستصل بالارتفاع إلى حدود الاختناق مع أول هبة ريح ومطر.
بات السوري العادي يدرك النوايا والطريقة التي تتعامل بها الحكومة معه، ويعرف بحدسه البسيط ماذا ستفعل فهو قد اكتشف منذ زمن طويل كيف تضع سياساتها الارتجالية، وتدفع بالتصريحات إلى الأمام وهي تمشي خلفها ببطء السلحفاة ثم فجأة تغير المسار.
يدرك السوري ما هو بالضبط طعم القرارات الليلية التي تتخذها الحكومة، فهي بسياسة الحانوتي المضطر لإيرادات مفاجئة تلجأ إلى حاجات المواطن لتحصيلها، وهي التي تتحدث عن رغبتها بالتخفيف عن كاهل المواطن الذي انحنى ظهره حتى انكسر، ومن دون أن يتفوه بحرف سوى إن هي أرادت أن تحاسبه على الآه الطويلة المتحشرجة.
قبل مدة قصيرة رفعت الحكومة سعر ليتر البنزين لـ 160 ليرة سورية ومن ثم بات البحث عن البنزين هاجس المواطن، وهي تنظر غير مبالية للسباق الذي يمارسه المواطن مع هذ السلع المهمة التي تستنزفه وتنهكه.
هي تفعل ما تشاء وقتما تشاء، وتقرر وفق مواعيدها وحدها، وتفكر فقط بأن تؤمن إيراداتها وغير مهم مدى الأثر الذي ستتركه على المواطن، وكيف سيقوم التجار بانتهازه، والعبث بحاجاته، ومن سيرشو ليؤمن وقود بيته البارد، وكيف يتوسل المعنيين الذي وكلتهم بدفئه، وينظر بحسرة إلى جارته التي أمنت 1000 لتر مازوت بطريقتها بينما هو يضطر لأن يشتري الكالون بـ 5000 ليرة كان من الممكن أن تصرف في أمكنة ملحة وهي تمضي إلى جيوب الانتهازيين والتجار والمرتشين.