الدولار متهماً... أبداً!
لا أحب الدولار، وأكرهه شكلاً وفكرة، ولكنه صانع مآسينا، والمشجب الذي تعلق عليه كل إخفاقات مؤسساتنا الاقتصادية، وجشع التجار، وحامل كل الويلات التي يعاني منها المواطن، والسوط الذي يضرب ظهور البؤساء المحنية سلفاً.
صعد الدولار، وهبط الدولار، تدخل المركزي، لم يتدخل المركزي، وهكذا يدور المواطن مع أكياسه الصغيرة بحثاً عن لقمة صغيرة رخيصة الثمن دون جدوى، والتاجر المتحكم المسعور لا يكف عن جشعه، ويضع أمامه الدولار الأمريكي سبباً دائماً وأبدياً لكل احتكارات السلع الأساسية، التي باتت مصدر ثراء له، وإفقاراً للشعب.
لا سلعة تعلو ثم تهبط في أسواقنا حتى لو انتفى سبب غلائها، وهذه عادة سورية قديمة ليست مرتبطة بأزمتنا الحالية، ولا بالدولار. فغلاء أغلب السلع عند ارتفاع سعر الصرف كان يعني أن تهبط هذه الأسعار مع تحسن سعر الصرف، ولكنه السوق الوحش الذي يأكل كل شيء ولا يردعه أحد.
الخضار والفواكه وفي أغلبها محلية، لها حكايات لا تنسى مع هذه الارتفاعات، وكذلك الزيوت والسمون على اعتبار موادها الأولية مستوردة، والدخان الأجنبي له بورصة منفردة، يعلو ولا يهبط، ويرتفع سعره لمجرد الإشاعة، وتختفي منه أصناف كثيرة فجأة بينما يحتفظ تجاره بمستودعاتهم مليئة، لاستثمار ارتفاع الصرف، ومن ثم تخرج البضاعة لسعرها الجديد، وتحافظ عليه كسعر ثابت ينتظر ارتفاعات جديدة واحتكار جديد وسعر ثابت جديد وهكذا.
جاري في الطابق العلوي يرمي أبناؤه البقدونس وفرشاة أسنانه وبعض أكياس (الشيبس) الفارغة لشرفتي، فسألته معاتباً، مما جعل جارنا المشترك يتدخل لفض التوتر مبتسماً: يا أخي ألقوا بالموز على شرفة الأستاذ... ضحكنا ورد جاري الأول: الموزة وصل سعرها لـ 200 ليرة... أخافتنا جميعاً العبارة نعم هذه حالنا الآن في ظل أوضاع اقتصادية جعلت من المواطن أسير حسابات لم تكن تخطر في البال.
من المؤكد أننا نعيش ظروفاً استثنائية، وأن الدولار هو عامل اضطراب للسوق الداخلية، ولكن من المؤكد أيضاً أن هناك آليات عدة، لحماية لقمة الناس البسطاء، الذين يدفعون الكثير من دمهم ومالهم الشحيح، وأن هناك تقصيراً حكومياً واضحاً في محاربة الانتهازيين، ومحتكري لقمة الدراويش.