«يا هلا ويا مرحب!»
أناخت الأزمة «السورية» بثقلها على صدور أبناء شعبنا لتزيد همومهم هموماً مضاعفة، ومعاناتهم أوجاعاً فتاكة، وفي كل يوم، بل في كل ساعة تسمع أخباراً عن أحداث وحوادث تنغض حياة الناس (إلا المستفيدين من استمرار الأزمة والنزيف، الفاسدين المفسدين تجار الحروب وحيتان النهب وطاغوت الظلامين الخارجين من بؤر العفن والوحشية)
فيجد الناس بغالبيتهم أنفسهم «عاجزين» عن إدراك الكثير مما يجري، وأقله صعوبة العيش، فقد صار المواطنون أرقاماً تتداولها الإحصائيات كنازحين ومهجرين ولاجئين ومغيبين ومختطفين وضحايا القصف والقذائف والتفجيرات والذبح والمذابح.
وتثقب أذنيك أنباء حوادث تسمع بها، ومنها على سبيل «المثال» ما سمعته من صديق لي وصل من دير الزور إلى دمشق للعلاج، فقد أخبرني عما شاهده والأصح ما عاشه خلال السفرة، فعلى حواجز التكفيريين الظلاميين يكفي أن تقع عيونهم على هوية أو دفتر عائلة لمن «يعتبرونهم» كفرة، حتى يقودوهم من الباص إلى حيث يذبحون كالخراف.
وعلى الكثير من الحواجز الرسمية تفرض أتاوات جائرة، فيقال للركاب «كل واحد بإيدو ألف ليرة» ومن لا يدفعها عن «سماحة يد» يجبر على دفعها صاغراً، ومن ذلك ما حدث مع أحد ركاب الباص وهو رجل مسن من دير الزور امتنع عن دفع المطلوب، فأنزل ابنه الفتى المرافق له ليضرب ضرباً مبرحاً أمام عيون ركاب الباص، والضارب يقول للمضروب «أنا الآن أؤدبك، وأنت ستقوم بتأديب والدك» ولولا توسل الركاب ودفع ألف ليرة عن الرجل لحدثت «سابقة» ليس لها في قاموس شعبنا «مثيل» وآخر ما سمعته هو عن بدعة أرجعتني إلى تذكر أخبار الأجداد منذ الجاهلية الذين اتصفوا بسجية الكرم وقرى الضيوف والعابرين واللائذين بهم، حيث يقيم الضيف معززاً مكرماً أياماً دون أن يسأل (عن اسمه وأمره) لا يسمع إلا عبارات الترحاب الصادق، ولا يرى إلا الوجوه التي تبش أمام عينيه.
ومازالت بقايا هذه السجية مستمرة حتى اليوم ضمن الإمكانات المحددة. أما البدعة فهي أن على الابن المتزوج والمقيم في دار والده «مع أخذنا بعين الاعتبار والتفهم لدواعي الأمن» أن يحصل على وثيقة رسمية يتقدم بها والده إلى قسم الشرطة في المحلة التي يقيم فيها بطلب (استضافة ولده) في بيته... وهذا الأمر ينهي حتماً حكاية بيت الأهل الحميمية التي عشناها منذ عشرين قرناً.
و«يا هلا بالضيف... ضيف الله!» ومع الاعتذار من المطربة سميرة توفيق.