«حي الأزمة».. أشبه بـ«دولة صغيرة» داخل مخيم اليرموك بدمشق..
عشرات العائلات في إحدى الحارات، استطاعت التكيّف والعيش ضمن أكثر سبل الحياة صعوبةً، وأكثر المناطق تأزماً في دمشق، فعلى الرغم من سيطرة «المعارضة المسلحة» على كامل مخيم اليرموك، تمتع أحد أحيائه باستقلالية تامة عن محيطه،
«افتتحنا مدرسة واستطعنا العيش باقتصادنا الذاتي بعيداً عن غلاء الأسعار»
وشكل حماية مدنية بواسطة سكانه الذين وضعوا حواجز «قلابة» مصنوعة باليد من براميل وعواميد معدنية في بداية الحي وآخره لعزله عن أية مخاطر أو مجموعات مسلحة حاولت أو ستحاول دخوله.
«حي الأزمة» خارج الأزمة
أطلقوا عليه اسم «حي الأزمة» وذلك من وحي الأحداث التي تدور في سورية، وهو حي صغير يقع في منطقة تماس بين طرفي النزاع في سورية، لكنه حتى اليوم وبحسب «أبو علي» البالغ من العمر 54 عاماً من سكان «حي الأزمة»، فإن «سكان الحي استطاعوا تحييد هذه البقعة الجغرافية من النزاع المسلح و من مظاهر السلاح بشكل كامل وبأساليب مدنية بحتة».
منذ حوالي ثلاثة أشهر، و 90% من مخيم اليرموك يعيش في ظلام دامس وسط انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل، إلا أن «حي الأزمة» استطاع التغلب على هذا الانقطاع، وغيرها من الأمور المعيشية الصعبة، وسط ما يشبه «الحصار» المفروض على مخيم اليرموك من القوات النظامية لـ «إرضاخ» الجماعات المسلحة في الداخل بحسب أحد سكان هذا الحي الملقب بأبو علي.
وأضاف أنه «يمنع إدخال الخبز لأكثر من ربطة أو أية مواد غذائية بكميات من خارج المخيم، فالتدقيق على حاجز البطيخة- حاجز رسمي- دقيق جداً».
«أحضرنا مولدة كهرباء كبيرة لكنها معطلة، كانت مهملة في مدرسة هُجرت داخل الحي، قمنا بالكشف عليها وأحضرنا من هو على إطلاع و لو بسيط بالأمور الميكانيكية، واستطعنا بالفعل إصلاح المحرك بواسطة قطع مصنوعة يدوياً، وأدرناها لتنير الحي كاملاً مدة 6 ساعات يومياً» بحسب أبو علي.
إيرادات الحي «ذاتية»
وأضاف أن «المازوت الذي تعمل عليه المولدة متوفر، وذلك نتيجة نزوح أكثرية سكان المخيم في الربع الأول من فصل الشتاء، ما دعانا للاتصال بهم والحصول على موافقتهم لأخذ المازوت أفضل من أن تتم سرقته من بعض المسلحين، ومنهم من بادر ووهبنا ما ادخره من المادة عند خروجه من المخيم لعدم استطاعته إخراجها».
وقال أبو علي «اعتمدنا في بداية الأحداث على شخص لديه ورشة تصنع المنتجات اليدوية بكميات قليلة، فقد قمنا بتشغيل النسوة لديه ورفعنا إنتاجه أضعاف مضاعفة، وبدوره قام التاجر بتهريبها لخارج المخيم وبيعها، ما حقق مردوداً مادياً للعائلات في الحي، عدا عن وجود صندوق دعم يتبرع له من يحصل على المال، وهذه الأموال تدخل في ميزانية الحي».
ومن مصادر الإيرادات التي يحصل منها «حي الأزمة» على المال «3 ورش للقش، ودورات لتعليم الخياطة، وورش تطريز، عدا عن الاعتماد على بعض الأشخاص ذوي الرواتب المرتفعة، الذين يضخون بعض الأموال في خزينة الحي».
في قلب الحي، كانت هناك مدرسة خاصة أغلقت بسبب الأحداث، وقام أهل الحي بالتواصل مع صاحبها والحصول على موافقته باستخدامها.
افتتحت المدرسة من الأهالي بعد نزوح غالبية السكان، وتم استخدامها لتدريس الأطفال حتى الصف الثامن كي لا ينقطعوا عن مدارسهم نتيجة صعوبة الأوضاع، وفعلاً بعد فترة وجيزة، نجح الأهالي بالتواصل مع منظمة الغوث للاجئين «الأونروا» وتم اعتماد المدرسة من قبلها للتصديق على النجاح والرسوب فقط دون تعويض مادي.
أرسلت وكالة الغوث للقائمين على المدرسة بنود وشروط التدريس المعتمدة لديها، وقامت بإرسال الأسئلة الامتحانية الموحدة لهم، إلا أنها لم ترع رواتب المتطوعين، وبحسب«أبو علي»، طلبت الوكالة من المدرسة مؤخراً، فتح دورة تكميلية للطلاب الذين لم يستطيعوا الالتحاق الفترة السابقة، ووعدت القائمين عليها بأن ترسل لهم مكافآت مادية لقاء ذلك.
مدرسة الأزمة.. امتحان الفنية على الجدران
وعلى هذا قال«أبو علي» إن «المدرسة هذه والتي أطلق عليها اسم مدرسة الأزمة، استطاعت الحصول على اعتراف منظمة الاونروا منذ شهر شباط الماضي، لتدريس الطلاب حتى الصف الثامن، واستطاعت المدرسة استقطاب حوالي 280 طالباً، منهم من جاؤوا من بعض الأحياء المجاورة».
وبحسب«أبو علي» فإن «أساتذة مدرسة الأزمة ليسوا من ذوي الخبرات الكبيرة، فمنهم أساتذة فعلاً عملوا في منظمة الغوث سابقاً، ومنهم طلاب جامعة ومعاهد ومرحلة ثانوية، أخذوا بإفادة الطلاب بالجوانب التي يبرعون بها».
وتابع «لأول مرة بتاريخ مخيم اليرموك، أو حتى دمشق، يجرى امتحان التربية الفنية على الجدران، حيث قام أطفال المدرسة هذه بإجراء امتحان التربية الفنية النهائي على جدران الحي، في فعالية احتفالية كان لها طابع مميز أعطت ألوانه فسحةً من الأمل لسكان الحي».
«لا يعنينا الدولار فقد عدنا لحياة الأجداد»
وأردف «نحن بعيدون كل البعد عن ارتفاع الأسعار بدمشق، فارتفاع سعر صرف الدولار لا يعنينا مهما بلغ، فنحن مازلنا نشتري لحم العجل بسعر 450 لعدم قدرة اللحام على تخزين الذبائح واضطراره لبيع كامل الكميات، ونشتري اللبن بسعر 50 ليرة والحليب بـ60 ليرة من أحد مزارعي المناطق المجاورة للمخيم، والتي يضخ مزاريعها أيضاً، البقوليات لنا بأرخص الأسعار».
«لدينا خطط لزراعة الحي بالخضراوات والبقوليات والاعتماد عليها، وربما سنربي الدواجن فيها أيضاً» على حد تعبير أبو علي، الذي وصف حياة أهل «حي الأزمة» بأنها عادت «لأجداد الأجداد»، فقد أعادهم انقطاع التيار الكهربائي الطويل إلى رفع مائدة الطعام بعد تغطيتها إلى السقف كي لا تأتيها الحشرات الزاحفة، وأخذوا باستخدام «بابورات الكاز» بواسطة المازوت، وذلك بدلاً من الغاز.
«حي الأزمة» أشبه بدولة مصغرة
وجهاء «حي الأزمة» عيّنوا مسؤولين عن جميع قطاعات الحياة، فمنهم من استلم قطاع الاقتصاد وتجلى دوره بتوزيع إيرادات الحي وتأمينها ودراستها، ومنهم مَنْ هو مسؤول عن الأمن في الحي «دون سلاح» بما يشبه سلك الشرطة، و منهم مَنْ هو معني بالشأن الثقافي، وهناك مَنْ يعنى بشأن المحروقات وتأمينها، وما إلى ذلك، وهناك شخص مسؤول عن التنسيق بين جميع هؤلاء.
ونوه أبو علي إلى أنه «هناك من هو معني بأمور التموين أيضاً، مهمته تأمين الخبز من خارج المخيم للحي عبر أساليبه الخاصة، وما إلى ذلك من أمور».
يتمتع «حي الأزمة» باستقلالية في كل نواحي الحياة، وبحسب أبو علي فإن هذه الطريقة بالحياة «أكثر إمتاعاً، وهي القادرة على مقاومة مظاهر التسلح في المخيم وإبقائه صامداً في ظل الصراع الدائم، و دعا جميع سكان المخيم للعودة إليه، فإثبات الوجود والصمود بوجه الصعاب بالوسائل المدنية البحتة، قادرة على إعادة المخيم لسكانه ولفظ كل أشكال السلاح منه».
«لن نترك مخيم اليرموك، سنتمسك بمنازلنا رغم الأزمة، فخروجنا من المخيم يعني خسارتنا وعدم عودتنا إليه مرة أخرى»، بهذه الكلمات ختم أبو علي حديثه مع «قاسيون»، مستأذناً للعودة إلى حيه الذي خرج منه لعدة ساعات فقط لإجراء بعض المعاملات الضرورية، بعد انقطاع عن المحيط دام 6 أشهر.